يأتي تشبيه الرئيس الإيراني السابق أكبر هاشمي رفسنجاني الأوضاع السياسية الحالية في البلاد (ايران) بالأيام الأولى لانتصار الثورة بمثابة تحذير مبطن للإصلاحيين «بأن مصيرهم سيكون أشبه بمصير بني صدر الرئيس الأول للبلاد بعد الثورة - والذي اضطر إلى مغادرة البلاد بلباس امرأة خوفا من غضب جمهور الثوريين وأجهزة النظام الجديد واختياره باريس مقرا دائما له كلاجئ سياسي - إذا ما استمروا في مواجهة أجهزة الدولة والنظام والبسيج وحرس الثورة» الذين كان رفسنجاني يخطب فيهم بمناسبة أسبوع البسيج (التعبئة) السنوي.
وفسَّر المراقبون تحذيرات رفسنجاني بأنها قد تفتح الباب لجولة جديدة من الصراع بينه بوصفه رئيسا لمجلس تشخيص مصلحة النظام ومستشارا أعلى لمرشد الثورة، وبين حزب جبهة المشاركة الإصلاحي الراديكالي الذي سبق له أن فتح كل نيرانه ضد رفسنجاني في الانتخابات البرلمانية السابقة في معركة أدت إلى سقوطه المدويّ في تلك الانتخابات.
غير أن رفسنجاني الذي يتكلم هذه المرة من موقع الواثق من كسب المعركة وبدا وكأنه في موقع الهجوم وليس الدفاع كما كانت حاله في معركة انتخابات البرلمان السابقة، ربط صراعه مع الراديكاليين من جبهة الإصلاح بمعركة طهران مع واشنطن المفتوحة على مصاريعها في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة عندما أعلن بالحرف الواحد: «إن العدو الخارجي يستنفر قواه الراجلة والسيّارة في هذه المعركة ظنا منه أن باستطاعته استغلال الوضع الداخلي الملتبس لصالحه ناسيا أن هذه المعركة التي تشبه في أوضاعها الأيام الأولى للثورة إذ اتحد فيها المنافقون واليسار والليبراليون وعناصر الملكية البائدة والإذاعات الأجنبية مع الفارق أننا اليوم لسنا وحدنا فمتى ما زادوا الضغوط على إيران ارتدت عليهم الموجة من مكان آخر...».
رفسنجاني الذي طلب من البسيج (قوات التعبئة) وحرس الثورة الاستعداد في جهوزية كاملة لمواجهة أي جديد حذر في الوقت نفسه خصومه السياسيين من التحول إلى أدوات في خدمة مصالح الأجنبي والعدو الخارجي.
في هذه الأثناء كانت صحيفة «رسالت» الناطقة بلسان اليمين التقليدي المحافظ قد تحدثت - وبإسهاب - عن خيبة أمل الإدارة الأميركية من قدرتها على تحريك الداخل الإيراني لمصلحتها المباشرة محذرة هي الأخرى خصومها في جبهة الإصلاح من الراديكاليين من التحول إلى أدوات وأوراق محروقة في المعركة المرتقبة «بين الشيطان الأكبر وقوى الثورة والإسلام السياسي في إيران والعالم الإسلامي» كما جاء في مقالات كثيرة في الأيام الأخيرة.
لكن اللافت في هذه المواجهات الكلامية التي أعقبت توقف التظاهرات الطلابية، هو دخول مدير مؤسسة الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا جيري سيك على الخط قبل أيام أيضا عندما نصح البيت الأبيض «بإخفاء رغباته فيما يريده من الإصلاحيين أو المتظاهرين في إيران لأنها ستكون بالنسبة إليهم أشبه بالقبلة القاتلة!» كما قال في إشارة إلى أن أي تعاطف من جانب أميركا مع ما يحصل في إيران سيكون بمثابة وضعهم «كعملاء»! في خدمة المصالح الأميركية.
من جهته صرح أمين عام حزب جبهة المشاركة الإصلاحي محمد رضا خاتمي أنه وحزبه «إذا ما شعروا أن آمالهم قد انقطعت في الإصلاح والتغيير فإنهم سينسحبون من الحكم بعد أن يلجأوا إلى الاستفتاء الجماهيري بخصوص لائحتي تعزيز صلاحيات الرئاسة وإلغاء الرقابة الدستورية العليا على عمليات الترشيح النيابي والرئاسي اللتين صدّق عليهما البرلمان واللتين تنتظران احتمال رفضهما من قبل المجلس الدستوري الأعلى (مجلس صيانة الدستور)».
الرئيس محمد خاتمي الذي بدا حتى الآن وكأنه على الحياد في هذه المعركة السياسية الحزبية وإن أظهر استياءه في أكثر من مرة من ممارسات المحافظين والأجهزة التابعة لهم فإنه يُبدي انزعاجا في الوقت نفسه بحسب مصادر مؤكدة من الطريقة التي يقود بها الراديكاليون المعركة مع خصومهم المحافظين ويريدون من خلالها الدفع به إلى الاستقالة في حال وصلت المعركة إلى أشبه بالطريق المسدود، وهو ما لا يؤمن به الرئيس محمد خاتمي ويعتقد أن بقاءه رهن بإرادة منتخبيه وليس بالصراع السياسي بين الأجنحة المتصارعة.
أمين عام حزب «جمعية المؤتلفة» الإسلامية المحافظ من جهته توقع «حصول أعمال عنف قريبا» طالبا من الناس «الاستعداد واليقظة!».
بالمقابل فإن آية الله العظمى يوسف صانعي وهو مرجع ديني إصلاحي كبير طالب الجامعيين بالصمود في مواقفهم الفكرية والسياسية، مطمئنا إياهم بأنه: «لا أحد يقدر على مواجهة الطلاب أو هزيمة الجامعة إذا ما تمسكوا بالقراءة الدينية».
من جهته حذر منظر الإصلاح الراديكالي وعضو حزب جبهة المشاركة الإصلاحي سعيد حجاريان الطلاب «من النزول إلى الشارع خوفا من إعلان حال الطوارئ التي يستعد لها المحافظون ويبحثون عن ذرائع لإعلانها» كما قال، تجعل من احتمالات دخول صراع الأجنحة في إيران في حال استقطاب قصوى قائمة عند أول منعطف جديد من نوع قضية آغاجاري ولاسيما إذا ما ترافق مثل هذا التطور الداخلي مع حال إقليمية حربية هذه المرة كأن تكون الحرب على العراق قد بدأت مثلا.
لا أحد يدري بالضبط كيف سيكون مسار وطبيعة المواجهة هذه المرة. لكنها لن تكون سهلة للإصلاحيين هذه المرة بالتأكيد كما كانت الحال أثناء الانتخابات البرلمانية السابقة.
فالإصلاحيون هذه المرة ليسوا موحدين تماما كما كانوا عليه آنذاك في ظل ابتعاد حزبي «تجمع رجال الدين المناضلين» وحزب «كوادر البناء» عن سياسات حزب «جبهة المشاركة» المعلنة المقلقة حتى للرئيس خاتمي.
والإصلاحيون هذه المرة مطالبون بالنزول إلى ميدان التحدي في ظل شبهة دخول الأجنبي على الخط وإن بأسلوب «القبلة القاتلة»، وهي القبلة التي قد تكون واشنطن بحاجة إليها لخدمة أغراضها الخاصة بحرب العراق وأمور أخرى كثيرة.هذا فيما يبدو رفسنجاني هذه المرة أكثر وثوقا في القدرة على كسب المعركة عندما حذر الخارج والداخل معا بقوله: «إنهم تصوروا أن الأمور ستتحول في إيران شيئا فشيئا إلى أن يصبحما للّه للّه وما لقيصر لقيصر. لكنهم مخطئون فشتاء الإسلام ولى وربيعه مقبل يتقدم بخطى ثابتة».
فهل ينجح الرئيس محمد خاتمي مرة أخرى في تجاوز عقبة الاستنزاف الجديد وهو الذي اعتاد أن يلعب صمام الأمان حتى الآن؟ أم أن «القبلة القاتلة» التي يشتهيها البعض له في الخارج وربما في الداخل ستكون أحر من دفء سياساته وحرارة إخلاصه؟
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 83 - الأربعاء 27 نوفمبر 2002م الموافق 22 رمضان 1423هـ