العدالة مفهوم اجتماعي - انساني يشترك في طرحه مختلف انواع البشر، ذلك لأن العدالة هي الرابطة الانسانية بين افراد المجتمع. فبالعدل تستقيم العلاقات بين افراد المجتمع، وبالعدل يستقر حكم الحاكم وبالعدل تستقوي علاقة الحاكم بالمحكوم.
والعدل يقع في منتصف الطريق بين حقوق الفرد كإنسان له كرامته وبين واجبات ذلك الفرد تجاه مجتمعه. فبقدر ما يحصل المرء على حقوقه وكرامته، بقدر ما يعطي من نفسه لمجتمعه.
العدالة من الناحية القانونية تعني وجود اجراءات تطبق على الجميع من دون تفريق ومن دون تمييز، وان هذه الاجراءات خاضعة لقانون متفق عليه وليس لقرارات عشوائية تصدر عن سلطة فوقية.
البعض سعى إلى العدالة بمفهوم المساواة المطلقة بين الناس، وهذا امر غير عملي. فلقد حاولت الشيوعية تحقيق ذلك وكانت مثل غيرها من المحاولات الاخرى، فاشلة. فالمساواة المطلقة غير ممكنة. والتفضيل بين الناس وارد دائما، وهذا التفضيل ليس ممنوعا حتى في الاسلام، كما ورد في كتاب الله موضوع تفضيل الناس على اخرين بدرجات، مادام ذلك راجعا إلى قدرات الانسان أو إلى ما ورثه بصورة شرعية مقبولة. وقديما قال ابراهام لنكولن «لا يمكنك تحويل الفقير إلى غني عبر تحويل الغني إلى فقير».
ولعلنا نواجه الاشكاليات المتعددة ونحن نجتاز مرحلة انتقالية في عصر انفتاحي. فالكل يسعى لعدالة تطمئن لها النفوس، ويشعر الناس «بالأمن» وهم نائمون في ظل نظام يحفظ حقوقهم ويساعدهم على اداء واجباتهم تجاه مجتمعهم. ولذلك فإن اقصر الطرق إلى الاستقرار والنمو هو وجود اجراءات قانونية ملتزمة بالضوابط العقلانية المتفق عليها دوليا ومحليا، وتطبيق هذه الاجراءات على الجميع دون استثناء. وهذا هو ملخص المطلب الدستوري الذي رفعته الحركة الوطنية البحرينية منذ انطلاقتها الاولى في العصر الحديث في العام 1938. فالحركة الوطنية كانت ومازالت تطالب بقانون عادل وعقلاني نابع من ارادة المجتمع (ولذلك جاءت المطالبة بالبرلمان المنتخب) وتطالب بتطبيق ذلك القانون العادل والعقلاني على الجميع (ولذلك جاءت المطالبة بحكم القانون من خلال قضاء مستقل).
النظام الملتزم بحكم القانون النابع من إرادة المجتمع هو النظام الدستوري الذي طالب به آباؤنا واجدادنا ونستمر في المطالبة بتحقيقه. وهذا النظام الدستوري ليس من السهل اقامته إلا اذا كان هناك توافق بين الاطراف الفاعلة في الدولة والمجتمع. ولقد كان من اسباب عدم إقامة النظام الدستوري هو الخلاف الذي لم يحسم ديمقراطيا، ولذلك جاءت مبادرات عظمة الملك بادرة صادقة من قمة الهرم في الدولة لاقامة المملكة الدستورية. ولذلك كانت ومازالت القوى السياسية والاجتماعية الرئيسية في البلاد تساند المشروع الدستوري الذي بدأ بالتصويت على الميثاق الوطني في فبراير/شباط 2001. ومهما تكن ملاحظات هذا الطرف او ذاك فقد حسمت نتيجة الاستفتاء لصالح اعادة تكوين نظام الدولة، أو تعديل الدستور. التفاصيل بقيت مبهمة وهذا بدوره اوجد الاختلافات السياسية لاحقا والتي نعيش اثارها حاليا.
ان ما يهمنا ليس التفاصيل بقدر ما يهمنا تحقيق مستوى مقبول من العدالة التي يشعر المواطن معها بالكرامة والامن، ويجد المحفزات المستمرة امامه لخدمة مجتمعه والتضحية من اجله. وهذا ما يدفع السياسيين في البلاد المتقدمة لتأكيد امرين في كل اجراء يقومون به: ان يكون ذلك الاجراء مبررا وعادلا، والاهم من ذلك ان ينظر المجتمع إلى ذلك الاجراء بعين الرضى والقبول. وليس المقصود بالرضى والقبول الفهم المبسط لذلك، ولكن المقصود ان عامة الشعب لا يجدون مبررا عقلانيا ومساندة من النخب الفاعلة لعدم الرضى. وهذا ما ينبغي السعي اليه. فواجبنا هو اكمال المسيرة ودفعها إلى الامام، تلك المسيرة التي بدأتها الحركة الوطنية لتحقيق مستوى مقبول من العدالة العملية المتمثلة في وجود قانون نابع من ارادتنا المشتركة وفي وجود حكم للقانون من خلال قضاء مستقل
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 83 - الأربعاء 27 نوفمبر 2002م الموافق 22 رمضان 1423هـ