شارك عدد من الكتَّاب والمؤرّخين والفنانين التشكيليين والقصاص والشعراء والاقتصاديين واللغويين والفنانين السينمائيين وغيرهم في مؤتمر «مؤتمر الاستثمار في الثقافة»، الذي نظمه النادي الثقافي بسلطنة عُمان بالتعاون مع وزارة التراث والثقافة، والجمعية الاقتصادية العُمانية، ومؤسسة بيت الزبير الثقافي، خلال الفترة ما بين 11 و 13 أبريل/ نيسان الجاري.
وكان الإعلان عن هذا العمل الثقافي قد سبقه بثلاثة أشهر تقريباً، تقدم خلالها 120 باحثاً بأوراقهم من مختلف الدول العربية والأجنبية حول المحاور الآتية:
البعد الاقتصادي للثقافة، والاستثمار الثقافي ووضع السياسات الاستثمارية، ومؤشرات قياس البعد الاقتصادي للثقافة، الإبداع والمقاولة: المشروعات الثقافية الصغيرة والمتوسطة، والموارد المحلية المتوافرة في الاستثمار في الثقافية، ودراسات الجدوى الاقتصادية في المجالات الثقافية، بالإضافة إلى تجارب محلية ودولية في الاستثمار الثقافي.
ويهدف المؤتمر إلى الإجابة على مجموعة من التساؤلات من أهمها: كيف يتم تحويل المواد الثقافية إلى مواد اقتصادية، إلى جانب نوع المشروعات الاقتصادية التي يمكنها الاستثمار في الثقافة، فضلاً عن كيفية استفادة المشروعات الصغيرة والمتوسطة من مواد الثقافة اقتصادياً، إضافة إلى عرض أهم التجارب الاستثمارية الاقتصادية العربية أو العالمية التي نجحت في استثمار الثقافة.
يذكر، أنه تم اختيار 38 ورقة بحثية لتُقدم في المؤتمر المذكور، شاركت فيها 14 دولة بينها مملكة البحرين، وذلك بورقتين إحداهما للشيخ خالد خليفه آل خليفه في الجلسة الافتتاحية بعنوان «تجارب المنطقة في استثمار الثقافة»، ألقاها نيابة عنه منصور سرحان، والثانية قدمها محمد السلمان بعنوان «مدن المعرفة والنهوض الاقتصادي بإعداد الموارد البشرية في قطاع الثقافة».
كما شاركت كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الكويت، ودولة قطر، والسودان والمغرب، ومصر، واليمن، وتونس، والجزائر، وإيران، وفرنسا، وألمانيا، وباكستان، بالإضافة إلى مشاركات عديدة من سلطنة عُمان جاءت من مؤسسات أكاديمية وثقافية وخدمية مختلفة.
الادّخار والاستثمار
ومن ضمن الأوراق المقدّمة نعرض بشكل خاطف لخمس منها، أولها ليوسف البلوشي بعنوان «تعزيز ونشر ثقافة الاستثمار في الثقافة»، ركّز فيها على محورين، الأول: أن الإنسان أهم ركيزة وصانع المستقبل، وأغلى ما تملكه أي دولة هو ثروتها البشرية. وأكد أن أحد أهم حقوق الإنسان ذات الأهمية الخاصة هو الحق في التنمية العادلة والذي يتمثل في المساواة وعدم التمييز والمشاركة والشفافية والمساءلة، وأن هذا الحق لا يتحقق بالعمل الخيري أو بحسن النيات بل ببناء القدرات والتمكين.
والثاني: هو وضع الادّخار والاستثمار، حيث يلعب الأول دوراً بارزاً في التنمية الاقتصادية في أي بلد، لأن معدّل الاستثمار يعتمد بشكل مباشر على معدّل الادخار، وضرب مثلاً على ذلك بسلطنة عُمان.
أما الورقة الثانية، فكانت من مصر، مشتركة بين أمير نبيه تادرس، وهويده عبدالسيد، بعنوان «الاقتصاديات الإبداعية في قارة إفريقيا الطموحات والتحديات»، أو كما أطلقا عليها، «الصناعات الإبداعية الإفريقية: الوحش النائم»، نقلاً عن مجلة الأعمال الإفريقية، ذكرت أنه في العام 2006 اعتمد الوزراء الأفارقة المسئولون عن الثقافة (Charter for African Cultural Renaissance) إلى «ميثاق النهضة الثقافية الإفريقية»، والذي نص في مادته الثالثة على إدماج الأهداف الثقافية في استراتيجيات التنمية، وضرورة قيام الدول الإفريقية بتوفير البيئات المحفزة على الإنتاج الثقافي وتوزيعه وتصديره، والاستفادة من قيم التنوع الثقافي التي تملكها القارة. كما اعتمدوا في العام 2008 خطة عمل الاتحاد الإفريقي بشأن الصناعات الثقافية والإبداعية. وكمثال على النجاحات الثقافية الاستثمارية في دول إفريقيا؛ أورد الباحثان، مثلاً من نيجيريا، وكيف نجحت في إيجاد ما يُسمى بـ « نوليوود»، وتعني (غابة اللاشيء)، وهو مصطلح تم اختياره للتعبير عن صناعة السينما في هذا البلد. حيث إن صناعة السينما في نيجيريا بدأت من لا شيء، فلم يكن لديهم معدات، أو آلات حديثة، أو حتى دور سينما تكفي للعروض. ولكن بعد 3 عقود فقط أضحت نيجيريا وحدها تنتج سنوياً أكثر من 2500 فيلم لتنافس كلاً من: هوليوود الأميركية، وبولييود الهندية. حتى أصبحت صناعة السينما تأتي بعد الزراعة في الاقتصاد القومي وتدر نحو 600 مليون دولار سنوياً. ودعت الورقة إلى الاستفادة من هذه التجربة وغيرها، في ضرورة التركيز على أهمية دمج المكوّن الثقافي في خطط التنمية بهدف تحقيق التنمية الشاملة والمنصفة والمستدامة، والاستفادة من مساهمة الصناعات الإبداعية في التنمية الاقتصادية.
«كتارا»... الهندسة الثقافية
فيما تحدّثت ورقة الشاعرة القطرية سميرة عبيد، عن المشروع الثقافي والاستثمار الاقتصادي المعروف بالحي الثقافي المسمى «كتارا» كأنموذج للاستثمار في الثقافة. تناولت فيها مفهوم الهندسة الثقافية والصناعات الثقافية بجانب الصناعات الإبداعية، ثم عرّجت على الإبداع والابتكار في المجال الثقافي. و»كتارا» هو اسم قطر في الخرائط الأوروبية القديمة. وهذا الحي يهدف إلى الربط الحضاري بين ثقافات العالم ونشر نوع جديد من الاستثمار في الثقافة، حيث لم تعد الثقافة اليوم بمفهومها التقليدي، بل غدت مصدراً للربح أيضاً كما هو حال استثمار النفط والغاز وغيرهما. ويقوم المشروع على الريادة العالمية في الأنشطة الثقافية المتعدّدة، وليس المحلية الخاصة بالإبداع الخليجي فقط. وعلى النهج نفسه، قدّمت الكاتبة والشاعرة لويزة ناظور، تجارب دولية في الاستثمار الاقتصادي في الثقافة من البيئة الفرنسية؛ حيث ذكرت أن فرنسا من البلدان التي استثمرت في الثقافة وجعلت منها مورداً اقتصادياً وحضارياً. ومن بين المشاريع الثقافية الكبرى بها تأسيس معهد للعالم العربي في مطلع الثمانينات على جادة نهر السين في مبنى جسَّد الهندسة المعمارية العربية. فكان - ولا يزال - بوابة للعرب وباقي الجاليات وملتقى ثقافياً بامتياز. والمراكز الثقافية الأجنبية الموجودة في العاصمة باريس تُسهِم إسهاماً فعّالاً في تعزيز التعاون بين فرنسا ومختلف دول العالَم، ذلك أن هذه المراكز أحدثت، بدعم من بلدية باريس، واتحاد المعاهد الثقافية الأجنبية في باريس، ولا ننسَ إسهام منظمة (الفرانكوفونية) في الاستثمار الاقتصادي للثقافة في مجال الفنون، واللغة الفرنسية، والترجمة، والنشر.
الأمل في مستقبل الثقافة
كما أن هناك خططاً وبرامج اعتُمدت في فرنسا لاستغلال الثقافة اقتصاديا، مثل البرنامج الثالث للاستثمار في آفاق 2017 - 2018، ويقع على عاتق الفاعلين الثقافيين للاستثمار من كل القطاعات حتى السياسية لصالح الثقافة. ويتبيّن من خلال النموذج الفرنسي «العلاقة الطردية» بين وجود المؤسسة الثقافية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وخلال ورقتها، بعثت لويزا الأمل في مستقبل الثقافة الذي يبدو سوداوياً أحياناً حيثُ يخيّل إلينا أن تقدّم التكنولوجيا يطغى على كل ما هو أصيل في الثقافة، لكننا نلاحظ أن الثقافة تتعلم بسرعة وتستفيد من التقدم التكنولوجي الكاسح. كما أننا نلاحظ أن السياسة التي غالباً ما تربط الثقافة بأجنداتها بشكل أو بآخر تحاول جاهدةً الاستثمار في الثقافة ووضع الخطط الطويلة الأمد.
أما نصر بن ناصر البوسعيدي، فقدّم ورقة عمل حول تجارب محلية في عُمان تصب في استثمار الثقافة، مثل دار الأوبرا السلطانية التي افتتحت العام 2011، وتُعتبر تحفة فنية رائعة من تصاميم البيئة العُمانية، والأولي خليجياً والثانية على مستوي الوطن العربي بعد القاهرة. وتستقطب الأوبرا العُمانية سنوياً نحو 400 ألف زائر. ومدينة البليد الأثرية التي ضُمت إلى المدن الأثرية المسجلة في قائمة التراث العالمي منذ العام 2000، ومتحف أرض اللُبان، والمتحف الوطني الجديد الذي أُفتتح في النصف الثاني من العام 2016. وهو يحتوي على أكثر من 7000 قطعة أثرية وتراثية، ويُطبق المتحف منظومة المخازن المفتوحة والتي تتيح للزائر التعامل مع القطع المتحفية بشكل مباشر تحت إشراف متخصص في الآثار، كما تم في تصميمه مراعاة ذوي الاحتياجات الخاصة لزيارته، ويُعتبر أول مُتحف في الشرق الأوسط يقوم بتوظيف لغة برايل العربية في التعريف بمقتنياته. كما قدم البوسعيدي بعض المقترحات المعنية بالاستثمار في السلطنة، منها إقامة مهرجان السفن العُمانية في ميناء صور القديم، ومهرجان الأغنية، ولعبة مناطحة الثيران المنتشرة في قري عُمان، على شاكلة مصارعة الثيران الاسبانية والبرتغالية، بل ويشير إلى أن تلك الشعوب ربما اقتبستها من عُمان في فترة الغزو البرتغالي للمنطقة في القرن السادس عشر للميلاد. وقد صاحب المؤتمر بعض الفعاليات منها، معرض لمجموعة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي قدمت تجاربها الاستثمارية في الثقافة للجمهور، إضافة إلى تنظيم زيارة للمشاركين إلى مؤسسة بيت الزبير الثقافية.