العدد 82 - الثلثاء 26 نوفمبر 2002م الموافق 21 رمضان 1423هـ

الاشتراكية الجديدة: الإصلاحات تتقدم والأيديولوجيا تتراجع

عن المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني

أحمد ابراهيم comments [at] alwasatnews.com

خرج المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني للفترة (8 - 14 نوفمبر/ تشرين الثاني) الجاري بجملة قرارات وتطورات وضعت الصين على أعتاب مرحلة جديدة في الحكم والسياسة. ونالت التطورات وأكثر منها الإصلاحات دستور الحزب وميثاقه، ابتداء، استبدلت عبارة وشعار «الحزب الشيوعي الصيني هو طليعة الطبقة العاملة» بعبارة «الحزب هو طليعة الطبقة العاملة الصينية والشعب الصيني والأمة الصينية». وتعبر هذه العبارة الجامعة عن أبعاد انقلاب مؤتمر قاعة الشعب والمندوبين الألفين والمئتين على التركة القديمة للشيوعية وجيلها القديم. كانت عقود الثمانينات والتسعينات للإصلاح الاقتصادي ثم السياسي قد خلفت أجيالا وطبقات جديدة داخل المجتمع الصيني وترتفع مستويات المعيشة في المناطق الساحلية الشرقية ونموذجها شنغهاي بنسب وأضعاف مضاعفة على نظيراتها في الشمال والغرب الزراعي. وباتت طبقات العمال والفلاحين والموظفين وأصحاب المال والأعمال واضحة ومتميزة في ملبسها ومسكنها فضلا عن ممثلها وصوتها داخل اللجنة المركزية للحزب.

ووجدت هذه الطبقات بمختلف تطلعاتها وتوجهاتها صداها في نظرية «التمثيل الثلاثي» للحزب الشيوعي والتي وجدت هي الأخرى في المؤتمر السادس عشر طريقها إلى دستور الحزب ووقفت جنبا إلى جنب مع تعاليم ماوتسي تونغ وإصلاحات دينغ تسياو بينغ. وقد أعطت النظرية المثقفين والمفكرين والصناعيين الرأسماليين حجما وأهمية يوازيان، إن لم يكونا يرجحان، على أهمية الطبقة العاملة - البروليتاريا - وتقدمت نظرية «التمثيل الثلاثي» بين يدي الرئيس الإصلاحي جيانج زيمين، في ضوء الدروس التي خلصت إليها حكومة بكين من انهيار الكتلة الشيوعية. ويرى الرئيس زيمين في غياب المشاركة الواسعة في الحزب الشيوعي سببا رئيسيا في تفكك وانهيار الاتحاد السوفياتي.

وبالتأكيد، وقف المؤتمر السادس عشر مثلما وقفت المؤتمرات التي سبقته في العامين 1992 و1997 وقفة طويلة يستقي دروسا وعبرا من تجربة «البيريسترويكا» و«الغلاسنوست» ومآلهما. وقد شهدت الأوساط والمحافل الصينية خلال التسعينات ندوات ودراسات وكتابات كثيرة عن هذه التجربة، وأصدرت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية كتابا تحت عنوان «انهيار قوة عظمى: تحليل أسباب التفكك السوفياتي»، جاء فيه «تكمن الأسباب الرئيسية لانهيار الاتحاد السوفياتي في الديكتاتورية والاستبداد السياسي والتطرف العرقي والهيمنة الدبلوماسية».

وبالتأكيد أيضا، لا تخفى هذه الأسباب على حكومة بكين وحزبها الشيوعي فقد واجهتها وجها لوجه في تيانانمين العام 1989 ومن قبلها في الثورة الثقافية ومن بعدها في مقاومة حركة فالون غونغ الدينية السياسية، وكاد ينحصر ردها وحلها في كل مرة من هذه المرات في الحلول والإصلاحات الاقتصادية أكثر منها في السياسية، إذ كانت تجربة بينغ مطلع الثمانينات في الموازنة الاقتصادية بين الاقتصاد المركزي واقتصاد السوق في إطار التنمية الاقتصادية تسبق الإصلاحات السياسية وهذا ما أشار إليه بينغ قبل رحيله العام 1997.

وكثيرا ما تميزت تجربة الشيوعية في الصين بميزتين أساسيتين هما الخصوصية والتدريجية، راعت كل منهما أوضاع وظروف الصين التاريخية والجغرافية والسكانية. ومنذ أيام المملكة الوسطى وحتى الجمهورية الشعبية لا تلتزم بكين بنظرية محددة في السياسة والاقتصاد، وإن اعتمدتها، كما هي الحال في الشيوعية، فهي تضعها وتمررها على مصافيها ومواسيرها الثقافية والقومية والدينية. وتجد الخصوصية والتدريجية للسياسة الصينية صداها في الكونفوشيوسية وتراث قومية الهات الداعية إلى وحدة البلاد وأمنها وسيادتها. ومازالت جدر الصين ومراكزها تزين بالشعار القديم «صين متماسكة في وحدتها وسيادتها، قوية في مكانتها الدولية وغنية في اقتصادها».

وهكذا، كان الإجماع من بين أهم ما تميز به المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني. وحمل الإجماع في طياته أمرين رئيسيين: الأول، وتمثل في النزعة المتزايدة للإصلاح ولاسيما في مقومات وبنى السياسة الداخلية والخارجية. بينما عكس الثاني وبوضوح التفاهم والانسجام بين مندوبي المؤتمر - 2200 مندوب - وأول مدلولات هذا التفاهم هو الاتفاق على أن يتم الإصلاح داخل الحزب الشيوعي. وقد شهد المؤتمر إجراء تعديلات وتغييرات جذرية في ميثاق الحزب، فتحت أبواب العضوية أمام جميع أبناء الشعب بمختلف طبقاتهم وتوجهاتهم بمن فيهم الرأسماليون والمفكرون. وتمثل الإجماع أيضا في انتخاب هيو جينتاو رئيسا للدولة وأمينا عاما للحزب، وفي غضون السنوات العشر الماضية (1992 - 2002) التي قضاها في اللجنة الدائمة للحزب - البوليستورد - حمل جينتاو لواء التغيير والإصلاح داخل الحزب، ولم يكن مشهورا ومسموعا حتى العام 1999 إذ خاطب الملايين الغاضبة وتصاعد مدها القومي إثر القصف الجوي الأميركي للسفارة الصينية في يوغسلافيا قائلا: «بكل عزم وتأكيد تؤيد القيادة الصينية جميع نشاطات المعارضة وفقا للقانون والنظام الداخلي».

وثمة أمر آخر شمله إجماع المندوبين في المؤتمر السادس عشر تمثل في بناء اشتراكية صينية من خلال المشاركة الواسعة في الشئون الإسلامية والاقتصادية والاجتماعية. وقد شهدت انتخابات العضوية الأخيرة في 64 ألف منظمة حزبية محلية صعود وتمثيل أعداد كبيرة من المثقفين وأصحاب الأعمال إلى عضوية ورئاسة تلك المنظمات. ويذكر في العام 1989 كان هناك 90 ألف شركة خاصة، وأخيرا وصلت إلى مليوني شركة تعمل في الحقول والمجالات تتعاون بل تتكامل مع شركات الدولة في المحافظة والزيادة لمعدل النمو الاقتصادي.

وتأتي دعوة المؤتمر إلى بناء «الاشتراكية الجديدة» وبخصوصية صينية في مواجهة تحديات المرحلة الصعبة، بدءا بانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية وارتفاع معدل التبادل التجاري وما ترتب عليه من اتساع المدينة ونشاطاتها العامة، فقد بلغت نسبة سكان المدن الصينية هذا العام 35 في المئة من مجموع السكان البالغ 1,3 بليون نسمة. ويتوازى هذا النمو المديني المطرد مع الحاجة إلى حكم القانون وضمان حقوق الإنسان وحرياته، وهنا تكمن عقدة وبؤرة التوتر بين الصين والغرب وتحديدا الولايات المتحدة، الدولتان اللتان ما انكفت العلاقة بينهما تتأرجح بين الشراكة الاستراتيجية والمنافسة الاستراتيجية خلال مرحلة ما بعد الحرب الباردة.

وثمة تحديات داخلية تهدف الاشتراكية الجديدة إلى إخضاعها والسيطرة عليها من خلال دعوة المشاركة داخل كيان الصين الكبرى، وتأتي في مقدمتها قضية تايوان وعودتها إلى الوطن الأم. وشهد مشروع الصين واحدة بنظامين، تطورات وإضافات كثيرة لا تتوقف عند حق تايوان في حكم ذاتي واسع الصلاحيات ولاسيما في الشئون الاقتصادية والاجتماعية على حد قول الرئيس زيمين، بل طالت الشئون الأمنية كما قال نائب رئيس الوزراء كيان ليتشين: «إن التايوانيين أسياد في بلادهم». ولم ينفك المسئولون في بكين يؤكدون أن عودة تايوان هي مسألة تخص الوحدة والأمن والسيادة الصينية أكثر مما هي اقتصادية أو سياسية.

وتبقى قضية الأقليات العرقية والدينية في الصين، صحيح أن هذه الأقليات، وأكبرها الأوغور، لا تشكل سوى 8 في المئة من مجموع السكان، لكن صعوبة التحدي تكمن في اتساع رقعة أقاليمها والتي تصل إلى نصف مساحة البلاد البالغة 10 ملايين كيلومتر مربع، فضلا عن حيازتها ثروات معدنية ونفطية كبيرة. ومرة أخرى يهدف المؤتمر السادس عشر ودعوته إلى المشاركة الواسعة والاشتراكية إلى استقطاب الاوغوريين المسلمين والسيطرة على حركتهم الانفصالية المسلحة في إقليم شين جيانغ شمال غربي البلاد.

وهكذا، تكاد التغييرات والقرارات التي خرج بها المؤتمر تتأطر في إطار ثالوث «الوحدة والأمن والسيادة» والذي تضرب جذوره عميقا في التاريخ الصيني. فلم يزل شبح الدويلات - 170 دويلة متنافسة ومتناحرة على جمع الضرائب والأتاوات - يفزع الصينيين ويصدهم عن مبدأ التعددية الحزبية والديمقراطية الغربية. كما أكد الزعيم بينغ عندما وصف حركة تيانانمين بالانقلاب على سيادة الحكومة ووحدة البلاد بقوله: «ماذا تفعل الديمقراطية الغربية والتعددية الحزبية في شعب يبلغ تعداده 1,3 بليون نسمة؟ إنها بالتأكيد تمزق الشعب وترجع بالبلاد إلى عهد الدويلات المتناحرة».

ولاقت هذه الرؤية للاشتراكية الصينية الجديدة متابعات واهتمامات دولية واسعة يشدها إجماع المندوبين في المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني على انتقال السلطة وبمراسيم انتخابية من الجيل الثالث إلى الجيل الرابع حفاظا على أمن واستقرار أكبر دولة سكانية في العالم

العدد 82 - الثلثاء 26 نوفمبر 2002م الموافق 21 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً