العدد 82 - الثلثاء 26 نوفمبر 2002م الموافق 21 رمضان 1423هـ

قنوات الإعلام المرئي وحوار «البيضة والدجاجة»

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

ذلك هو الإعلام العربي، مهزوم إلى حد النخاع، فاشل في كثير من برامجه، فتراه إذا افتقد البرامج النوعية والمتميزة التجأ إلى عنصر الإثارة حتى لو كانت على حساب تشتيت بوصلة الأمة نحو قضاياها المصيرية. ما يجري اليوم من هذيان إعلامي في إحدى القنوات الفضائية التي تدعي الاستقلالية تعكس لك مستوى الضعف الإعلامي الذي وصل إليه الإعلام العربي وخصوصا إعلام المهجر. فهو كلما شعر بالإفلاس المادي أو الفقر العلمي التجأ إلى البرامج المثيرة حتى يستطيع استجذاب أكثر عدد من الجمهور فيكون المناخ مهيِّئا لكسب الإعلانات التجارية حتى لو كان على حساب وحدة المسلمين. المهم أن يكون هناك ربح واستجلاب للإعلانات وكسب المال.

أثارني كثيرا موقف إحدى القنوات الفضائية في بث مناظرات هذيانية تسطيحية لا نجني من ورائها إلا التشاحن الطائفي والبغضاء المذهبية وإثارة النعرات العقائدية في جدل بيزنطي عقيم يذكرك بالحوارات السفسطائية أيام العصر اليوناني.

لهذا يبقى تساؤلنا: من المستفيد من هذا الهذيان؟ وماذا سيجني المسلمون من كل هذا الصخب الكلامي واستعراض العضلات التاريخية والفكرية؟ إن مثل هذه العنتريات من عملية تسجيل الأهداف لا تزيدنا إلا ضعفا وسقوطا في عين المجتمعات المتحضرة، وهي تعكس مدى مستوى الوعي المتدني الذي يعيشه المثقف العربي عندما يلتجئ في ظل هذا العجز العربي والإسلامي إلى أساليب قديمة من نبش الماضي والتاريخ وتطويعه لخدمة قضايا تجارية لا يحصل من ورائها المسلمون إلا على الضعف.

هل هذه هي البضاعة الثقافية التي قمنا بعرضها في سوق الثقافة للمجتمع العربي؟ وهل هذا هو المنتوج الثقافي الذي ينتظره الرأي العام العربي والمسلم من علمائه ومثقفيه وقنواته؟

نحن بحاجة إلى إعلام مسئول يعمل على توحيد الكلمة والدعوة إلى الوفاق ورأب الصدع لا إلى إعلام يعمل على تأليب مشاعر المسلمين ضد بعضهم البعض بفتح النار على شخصياتهم وتاريخهم، وخصوصا أننا نعيش في واقع لا نحسد عليه في تشرذم وضياع وتشتت مواقف.

الرسول (ص) كان يقول: «ستتداعى عليكم الأمم كتداعي الأكلة على قصعتها، قالوا: أمن قلة يا رسول الله؟ فقال: لا بل إنكم كثير ولكم غثاء كغثاء السيل». أليس مثل هذه البرامج مصداقا حقيقيا لمثل هذا الغثيان؟

الآن، نحن نعيش في هذا العالم الذي لا يحترم فيه إلا الأقوياء، وفي زمن أضحت فيه التحالفات العسكرية والسياسية والأمنية وحتى الثقافية سمة بارزة له، إذ يتحالف كل الغرب ضد الإسلام ووحدة الدول الإسلامية.

لماذا نقوم برمي بعضنا بعضا بالطوب العقائدي وبالحجارة الفقهية، كل يرمي جبهة الآخر ـ وكأننا في حلبة صراع!ـ أمام شاشات التلفاز وعلى رؤوس الأشهاد؟ ألا يدل ذلك على سوء أساليب حواراتنا، إن كان هناك ثمة حوار؟ هل مثل هذه البرامج تقوم بتأسيس بنى وحدوية، أم أنها تعمل على تفتيتنا؟ لماذا لا نعيد قراءتنا للواقع بطريقة صحيحة؟ هل هذا هو التعاون الذي دعا إليه القرآن بقوله: «وتعاونوا على البرِّ والتقوى» (المائدة: 2)؟ هل هذه هي مشروعات التقريب بين المذاهب؟ هل إذا استطاع أحد المنتدين ليّ عنق أخيه المنتدى الآخر ستنتهي مشكلة فلسطين وسنحرر القدس؟ هل هذا هو التضامن الإسلامي الذي نبعثه إلى إخواننا في فلسطين وهم على جبهات القتال، حيث الجوع والحصار الاقتصادي، إذ بلغت نسبة الفقر في فلسطين 75؟

ونحن نرى كل هذا التحالف بين حركتي حماس والجهاد والمقاومة وكل حركات التحرر العربية والإسلامية وهي تقفز على مثل هذه القضايا وهذه المعارك الوهمية في سبيل تمتين الجبهة والحربة ضد العدو الذي قتل أبناءنا وهدم الدور على أهلنا، ونحن نرى كل ذلك، أليس من الواجب أن نمد أيدينا إلى بعضنا البعض ونحن نحمل كل هذه القواسم المشتركة من قبلة واحدة وقرآن واحد ونبي واحد؟ لماذا نحن العرب نتناسى كل هذه القواسم المشتركة ونلتجئ إلى القضايا التي تسبب الفرقة.

وإني لأعجب لتلك الجماهير التي بدأت تتكدس أمام شاشات التلفاز داخلة في لعبة تسجيل الأهداف متناسية كل القضايا الجوهرية التي تعاني منها، من قضايا سياسية حيث اختطاف القرار السياسي للولايات المتحدة أو قضايا اقتصادية حيث العولة وتفقير المسلمين أو القضايا الثقافية حيث تسطيح الوعي وفرض ثقافة غربية استهلاكية.

على علماء المسلمين ومفكريهم أن يتصدوا لكل هذه الأطروحات الطائفية المنفرة، ويجب أن يقولوا كلمتهم في ذلك. فهذه قناة أفلست فجاءت لتجرنا إلى حروب كلامية معلنة قد تسبب حروبا أهلية وخصوصا في بعض الدول القائمة على التشنج الطائفي والعرقي والمذهبي كما هو حاصل في باكستان وغيرها.

هل ستتحمل مثل هذه القناة المسئولية لو وقعت فتنة طائفية في مثل هذه الدول وخصوصا بعد نومها لأكثر من عام وبعد أن هدأت؟

الأستاذ حسن البنا يقول: «علينا أن نتعاون في ما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا في ما اختلفنا فيه».

إن القضايا التاريخية لا يمكن أن تحسم، فكل يحمل تصوره وموقعه الذي يستقي منه معلوماته، وكل له حججه وتصوراته، وإنك لتجد في المذهب الواحد ذاته الكثير الكثير من الاختلافات الفقهية والاجتهادات الفرعية، فإذن لماذا كل هذه المكابرة ضد بعضنا؟ ولماذا كل هذه النرجسية والغرور لتركيع الآخر؟ هذا يريد أن يفرض تصوره وذاك يحاول أن يثبت نظريته، وماذا سيدخل في جيب الإسلام؟ وما هي الانعكاسات العالمية والرياح الكبرى «العملاقة» التي ستنتج بعد كل هذه التنظيرات التسطيحية والفاقدة لألف باء الوعي؟ هل هذه أولوياتنا نحن كمسلمين؟ ألا تدل مثل هذه البرامج على الإفلاس الذي نعيشه والفقر بوعي تراتبية الأولويات؟ ألا يدل على أننا أناس ضعاف بالإمكان جرنا إلى أي معركة وهمية؟ ألا تدل على سهولة انجرارنا وضيق أفق هذه الأمة التي تذهب مستسلمة إلى الدخول في معركة هابطة قديمة دائما ما تكون على حساب الأولويات؟ العالم الغربي وصل إلى العالم الآخر وغزا المحيطات ونحن مازلنا مختلفين على قضايا «البيضة والدجاجة» أيهما تسبق الأخرى؟

هذه هي انشعالاتنا في «قص الشارب»، في «المشي والرأس إلى الأرض» في طبيعة «لون الجلباب»، وفي أي «طريقة نستخدم المسواك»!، لكن في القضايا المصيرية والجوهرية فطابعنا يغلب عليه النوم! وليس غريبا علينا ذلك، فإننا لو استقرأنا أكثر خطبنا العصماء لوجدناها أبعد ما تكون عن الثقافة الواعية والمتزنة! فالكثير منها قائم على التسهيل والتسطيح والإنشاء ومستحبات شرب الماء وقضايا النميمة والغيبة. تلك هي منابرنا، فكيف سيكون عامة الناس؟

إننا نفتقر إلى المنابر الجادة، وهذه هي بعض إفرازاتها

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 82 - الثلثاء 26 نوفمبر 2002م الموافق 21 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً