العدد 82 - الثلثاء 26 نوفمبر 2002م الموافق 21 رمضان 1423هـ

الديمقراطية تحتاج إلى علاقة متطورة بين الحكومة والمواطن

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

هناك اتجاهان دوليان في مفهوم «المواطنة»، واحد منهما ترى شواهده في بلاد مثل الولايات المتحدة الاميركية، والآخر ترى شواهده في بلاد مثل فرنسا. النظرة الأولى تدفع باتجاه مفهوم اقتصادي للمواطنة، وتركز على ان المواطن مثله مثل الزبون في السوق. فالمشتري في السوق يفكر في مصلحته الخاصة بحثا عن أفضل السلع وارخصها ويحدد بعد ذلك مقدار صرفه واستهلاكه للمنتجات والخدمات. وبالتالي يجب ان تتعامل الحكومة معه كما يتعامل صاحب الدكان مع الزبون، اي ان على الحكومة ان توفر افضل الخدمات بأقل كلفة، وان اختيار حكومة ما او برنامج حكومي معين يتطلب اقناع المواطن بأن ذلك من مصلحته الحياتية الاقتصادية المباشرة.

الاتجاه الآخر يرى ان المواطن جزء من ارادة محورية للوطن، وان القرار الذي يتخذه المواطن يجب ان يركز على شرعية او عدم شرعية هذا الامر أو ذاك من خلال ارتباطه بالإرادة العامة المتمثلة في الجسد السياسي الممثل للأمة تمثيلا حقيقيا. وكلا الاتجاهين يصران على ان الهدف الاساسي هو سمو دور المواطن في العملية السياسية لأنه مصدر الشرعية للسلطة السياسية.

ومقارنة تلك الطروحات بما يطرح من مفهوم للمواطنة في بلداننا توضح ان الفرق بين ما هو مطروح لدينا وما هو مطروح لدى الآخرين يكمن في ان النظرة السائدة للمواطن تختلف كثيرا. فالمواطن في بلادنا العربية والاسلامية عادة ليس له اعتبار في تسيير الشأن العام. ولذلك فإن «دمقرطة» الشأن السياسي من شأنها ادخال رأي المواطن مكونا اساسيا في القرار السياسي. وعلى هذا الاساس فإن الفعاليات المختلفة في البحرين ساندت المشروع الاصلاحي الذي دشنه عظمة الملك، لانه يسعى لتفعيل دور المواطن في الحياة العامة.

على ان المواطن الذي يعامل كالزبون في الولايات المتحدة وأن الحكومة يجب عليها توفير افضل الخدمات والسلع له وإلا تم تغييرها، والمواطن الذي يعامل وكأنه جزء من الارادة العامة للأمة التي تعطي الشرعية او عدم الشرعية كما هو في فرنسا، لاوجود له في البحرين، لأن طبيعة الامور السياسة ربما تختلف. فلدينا مثلا القطاع العام الذي يسيطر على معظم نواحي الحياة ويسيطر ايضا على الحياة الاقتصادية لأن الدولة تملك الصناعات والشركات الكبرى. وعلى هذا الاساس نشأت ثمة علاقة اخرى بين الحكومة والمواطن. فالمواطن ينظر إلى الدولة كالبقرة الحلوب التي يجب ان تعطيه كل شيء وان لا تفرق ضده في العطاء. والبقرة الحلوب ستكون محبوبة للمواطن مادامت تعطيه ما يريد والحكومة مضطرة إلى ان تواصل توفير هذا العطاء حتى لو أضر ذلك بمفاهيم الاقتصاد التي تتطلب شيئا آخر.

واذا كانت الحكومة لا تنوي استخدام القوة لقمع متطلبات هذا المواطن، فإنها تجد نفسها في زاوية محرجة دائما لأنه مهما وفرت من عطائها فمازالت هناك انتقادات بأنه لا يكفي ومازالت هناك اتهامات بأن البعض يستنزف هذه البقرة الحلوب ويترك للآخرين القطرات والفضلات. والمشكلة في هذه النظرة هي ان المواطن لايشع ان الحكومة نابع من ارادته ويصبح دوره استهلاكيا في الدرجة الأولى واتكاليا في كل شئونه على تلك البقرة التي يجب عليها ان تضخ ما يريد. اما الحكومة فهي متورطة بين متطلبات الاقتصاد والادارة من جانب ومتطلبات العلاقة بينها وبين المواطن. ولعل من اسباب تلك العلاقة ان المواطن لم يتعود على ان يتم سؤاله والأخذ برأيه في قضايا الوطن الاستراتيجية. وبديلا عن ذلك فانه يتم «تعويضه» من خلال العطاءات.

غير اننا لا يمكن ان نخلق حياة سياسية فاعلة إلا اذا تجرأنا وبدأنا عملية إصلاحية داخل الحكومة وداخل المجتمع. فالمواطن يلزم ان يُنظر إلى دوره ليس كمستهلك للمنح والعطاءات، وانما كمصدر للشرعية. وبالتالي فإن على المواطن الاستعداد لتحمل مسئولية القرار الذي شارك في صنعه. من جانب آخر، فإن الحكومة عليها ان تتعامل مع المواطنين على اساس تقديم الخدمات بحسب القرارات الصادرة عن الهيئات التمثيلية للمجتمع، وانها لاتملك الناس. والحكومة بعد ذلك يمكنها ادخال بعض مفاهيم السوق، وهذا ما تفعله عدد من الحكومات (مثل الحكومة البريطانية والحكومة الايطالية) التي تفرض على كل وزارة ودائرة ومستشفى عرض مؤشرات شهرية ودورية تثبت ان الخدمات المقدمة تحصل على رضا المواطنين

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 82 - الثلثاء 26 نوفمبر 2002م الموافق 21 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً