أثارت ندوة «وعد» بشأن التسامح ـ الثقافة الغائبة، كثيرا من اللغط والاتهامات، وللأسف من نواب حاليين وسابقين وغيرهم، وحيث أثارت عناوين الخبر الصحافي في جريدة «الوسط» مشاعر البعض دون الرجوع للندوة والدراسة بشأن التسامح في مناهج التعليم، لذا سأوضح بعض المحاور، مع تأكيدي بأن جميع الاتهامات الماسة بكرامتي لن أسكت عنها، فأنا (لست طوفة هبيطة) وقبل الآخرين ممكن أن أرفع قضايا ضدهم، ولكن لست حاقداً ولا أريد ربحاً، ولأنني مؤمن بالتسامح فلن أقوم بمثل هذا الفعل، إلا إذا الطرف الآخر واصل مسيرته الحاقدة، حينها لن أتردد في الدفاع عن كرامتي وإنسانيتي وحقوقي والتشهير بي والازدراء بأفكاري.
لنرجع لموضوع الندوة، حيث إنها نتاج دراسة عميقة في منهج المقارن بين مواد التربية الوطنية ومواد التربية الإسلامية، اطلعت على جميع مواد التربية المواطنة من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية، ومنها كتاب «التربية المواطنة، النظام السياسي في مملكة البحرين ـ للمرحلة الثانوية، الطبعة الثانية 2010م»، ومحتوى الكتاب التربية المواطنة وحقوق الإنسان، والنظام السياسي في البلاد، والدستور والميثاق، وفي هذا الكتاب مقولات لجلاله الملك بشأن أهمية الانتماء الوطني، وفي هذا الكتاب تأكيد واضح للحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية السياسية، بما فيها حقوق المرأة ومساواتها ودورها في المجتمع، ولذا كان هذا الكتاب منصفاً وعادلاً لحقوق الإنسان ومساواة المرأة بالرجل وحقوق الطفولة، وسرد الكتاب مبادئ حقوق الآخرين وقبول التعايش وحق الاختلاف، وعليه فهذا الكتاب وبقية كتب التربية الوطنية تؤكد على مبادئ حقوق الإنسان والحرية والمساواة. هي إذاً مواد جميلة تربي الأجيال الشابة على احترام المبادئ الواردة في الدستور والميثاق وقيم التسامح.
ضمن دراستي قارنت هذه المناهج الوطنية بمواد المنهج الإسلامي، فوجدت التناقض الفاضح!
كتب التربية الإسلامية (دراسات في العقيدة الإسلامية ـ الطبعة الثالثة 2001م) و(التربية الإسلامية ـ الطبعة السادسة 1991) و(التربية الإسلامية للصف الثالث ثانوي ـ الطبعة العاشرة 1992) وهي كتب جميلة تحاول تفسير الآيات والأحاديث من خلال منهج العموميات والبحث عن المشتركات والابتعاد عن الاختلافات المذهبية، ولكن للأسف الشديد هناك كتب تتعارض مع هذه القيم المتسامحة وتدرس للطلبة كتاب «الإسلام والقضايا المعاصرة «للمرحلة الثانوية ـ إدارة المناهج 2003م».
على رغم أنه يناقش تكريم الإنسان في الإسلام، وحقوق الإنسان في الإسلام، والإسلام والعولمة، والغزو الثقافي، والإرهاب في الإسلام، والإسلام والديمقراطية... إلخ، وكل هذه المحاور تدعو للمساواة بين الناس وحفظ كرامة الإنسان والتسامح مع غير المسلمين من أهل الكتاب، ولكن الكتاب يؤكد على التالي:
1- الكتاب يؤكد على ضرورة القصاص، في حين قوانين البلاد ومواد التربية الوطنية تؤكد على العقوبة للسارق والزاني وشارب الخمر دون المساس بآدمية الإنسان، وهنا خلافي بشأن قوانين البلاد التي تؤكد على العقوبة بالحبس والغرامة ومثل هذا الطرح وعلينا حسم هذا التناقض، رجاءً.
2- في هذا الكتاب يهاجم العولمة باعتبارها استغلالا وإمبريالية ويعتبر صراع الأقوياء من الدول رحمة لنا، ويهاجم العولمة الاقتصادية وانها استغلال لنا، في حين مواد دراسية أخرى في التربية الوطنية والاقتصاد والإدارة العامة تدعو للاستفادة من العولمة الاقتصادية للمزيد من التنافسية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، هنا طرحت سؤالاً بشأن التناقض في تدريس مناهج متناقضة في أذهان الطلبة، الثروة البشرية والأجيال الصاعدة في وطني، أليس كذلك؟ فكيف ندعو في مناهج للاستفادة من العولمة الاقتصادية، وفي مناهج أخرى نهاجم هذه العولمة، أليس في ذلك إرباكا لعقل الطلبة؟
في هذا الكتاب الخطير يهاجم ثقافات الشعوب الأخرى، في حين كتب المواد التربية الوطنية تدعو للسلام العالمي والتسامح والمحبة، بل هذا الكتاب الديني يضيف عولمة جديدة هي «عولمة الدين» حيث يرى هؤلاء المؤلفون (ان نشر العقيدة المسيحية في العالم «تنصير العالم» وبهذا يفرض الغرب إمبريالية دينية) وان هذا التحليل غير دقيق وليس سليما، في ظل انتشار الدين الإسلامي في الغرب من خلال العولمة أكثر من انتشار المسيحية في الشرق!
وعلى رغم هذه التناقضات في هذا الكتاب ينتهي الكتاب بخلاصة الدعوة للوسطية. وفي الكتاب الكثير من القضايا الخلافية، ولكنني سأركز على الموقف من الإرهاب في الإسلام، واتفقت مع المؤلفين بأن من يحارب من أجل تحرير وطنه ليس إرهابياً، ولكن أن يضع الثورة الروسية ضد القيصر عام 1917م، ضمن الحركات الإرهابية كالنازية والفاشية، فهذا ما اختلف فيه مع مؤلفي هذا الكتاب، فالثورة الروسية وإن اختلفتم في مضمونها فهي ثورة ضد الحكم الفاسد وتحقيق العدالة والمساواة للشعب، وليست حركة إرهابية كالنازية والفاشية التي دمرت العالم وأشعلت حروبا عالمية، في حين أن الثورة الروسية حققت عدالة للشعب، وإن اختلفنا معها في مسارها القادم.
الكتاب الخطير الذي يدرس ضمن مواد التربية الإسلامية هو «دراسات في الثقافة الإسلامية» للمرحلة الثانوية ـ إصدار الجامعة الهاشمية في الأردن ـ طبعة خاصة للبحرين 2001م، من تأليف صالح هندي، مضمونة الخطير يتجلى في الآتي:
1- هجومه الشرس على فكرة القومية باعتبارها فكرة يهودية وماسونية تستهدف فرض العلمانية، وإن أهداف القومية إضعاف الرابطة الإسلامية وتحقيق مصالح النفوذ الأجنبي، وجعل «ولاء المسلم لوطنه قبل عقيدته! وتقديم «الكافر» إذا كان من قوميته على المسلم إذا كان من قومية أخرى!».
ووصل المؤلف بأن أمام هذه المخاطر فإن الإسلام يرفض رفضاً قاطعاً القومية كبديل عن الإسلام. هنا أسأل المهاجمين من النواب، هل تحترمون دستور البلاد الذي ينص على أن البحرين دولة عربية إسلامية، وهل قوميتنا العربية مشكوك فيها؟ أتمنى أن تردوا باعتباركم ممثلي «الشعب»!
إن وجود منهج ديني يهاجم القومية هو تشويه لذهن الطالب المطلوب منه أن يتشرب بحب قوميته العربية والوحدة العربية والتكامل، بل المطلوب بأن الإسلام يدعو للوحدة القومية كطريق نحو وحدة الأمة، هذا فضلاً بأن هناك مثل هذا الطرح يتعارض مع مضمون مواد في المناهج في التربية الوطنية والتاريخ والاجتماع والجغرافيا وغيرها التي تؤكد على تعزيز القومية، فكيف يعلم الجيل الصاعد مادة تعارض باقي مواد المناهج؟ عجبي!
في الباب الثالث من هذا الكتاب يهاجم التشريعات الوضعية مع الشريعة الإسلامية، ويعتبر المؤلف بأن «التشريع الوضعي طابعه مادي ولا يعرف معنى للأخلاق فيه»، وهذا الاتهام خطير، وسؤالي لنواب الشعب الذين من المفترض هم يشرعون القوانين الوضعية المنسجمة مع الشريعة، هل تعتبرون القوانين التي تصدرونها غير أخلاقية كما يقول هذا الكتاب؟
في الباب الرابع من هذا الكتاب يؤكد التالي بالنص «أهمية ضرورة وتطبيق نظام الحكم الإسلامي في الحياة، فنظام الحكم في الإسلام هو النظام الذي تشرف على أحكامه وتطبيقها دولة إسلامية تستمد مفهومها من القرآن والسنة النبوية، وهذه الدولة، هي دولة الخلافة الإسلامية، التي يرأسها الخليفة أو الإمام الأعظم أو أمير المؤمنين»، هذا نص واضح في الكتاب، ما رأيكم وهل هي منسجمة مع دستورنا وميثاقنا؟ كيف تربون أجيالنا الشابة بمثل هذه الثقافة المتعارضة مع مواثيقنا، أفيدونا رجاء! فنحن بحسب نص الميثاق والدستور مملكة دستورية تحكمها السلطات الثلاث ومصدرها الشعب، نحن دولة القانون والمؤسسات، أليس كذلك؟
وفي حين مواد التربية الوطنية تؤكد على احترام القوانين ودولة القانون و...إلخ، لتأتي هذه المادة لتشوه ذهن الطالب بقيم لا علاقة لها بوضعنا الراهن.
أليست مثل هذه الدعوات كالخلافة الإسلامية ورئيسها الإمام الأعظم تتشابه مع دعوات الحركات الإسلامية المتطرفة والإرهابية؟
أما الباب الخامس من هذا الكتاب (الأسرة في الإسلام) فينحاز المؤلف لدعوات محافظة غير منسجمة مع المواثيق الحقوقية ولا مع مواد التربية الوطنية، فهو يقول بعدم إجازة قيادة المرأة العمل السياسي أو القضائي و»أن العمل الأصلي للمرأة يجب أن يكون متوافقاً مع فطرتها وهو أن تكون أماً وربة بيت، وأن عملها الأصلي كزوجة وأم حتى قبل العبادة والتطوع»، أيعقل أن نُدرس أجيالنا هذا الطرح وفي مواد التربية الوطنية ودستورنا يؤكدان حق المرأة السياسي وحق ترشيحها وانتخابها وحقها في العمل، كيف نخلق جيلاً مبدعاً يستمع لمادة التربية الوطنية وهو يدعو للمساواة وحق المرأة في العمل ومنه العمل السياسي كما ورد في الدستور والميثاق، وبعد ساعة يدخل مدرس آخر يدعو لتحريم المرأة العمل وأن تربيتها للأبناء أفضل حتى من العبادة؟
أيعقل أن نسكت عن نقد هذا المنهج، أيعقل؟ وحتى هذا الكتاب وهو يشير بحق المرأة في العمل ولكن عملها يجب ألا يعطل دورها كأم وزوجة وأن «مخالطتها كالسهرات العائلية أو السياحة المشتركة أو النوادي المختلطة فهي من الاختلاط الذي لا يقره الشرع»، أي تخلف يعزز في أذهان طلابنا؟ كتاب يحرم حياتنا الاجتماعية، أيعقل؟
الباب الثامن من هذا الكتاب الخطير بشأن التسامح الديني بين المسلمين وغير المسلمين في عصرنا الراهن، فعلى رغم مقدمات فيها تسامح؛ ولكنه يناقض نفسه حين يقول الكتاب «في الدول الإسلامية على غير المسلمين دفع الجزية والخراج والضريبة التجارية «فإذا الضريبة ملزمة وواجبة على جميع المواطنين دون تمييز بينهم على أساس الدين، فإن مفهوم الجزية والخراج أصبح خارج التاريخ الإسلامي المعاصر؟ هو إذاً يطالب بتطبيق الجزية والخراج على غير المسلمين في منطقتنا الممتلئة بالآلاف من الأجانب من غير المسلمين، بل ستدرس هذه المناهج في مدارس الجاليات غير المسلمة، أيعقل؟ أن نطلب الجزية والخراج، الآن أسألكم فقط، ونحن دولة فيها مواطنون من المسيحيين واليهود والبوذيين بعد عمليات التجنيس، فهل نفرض الجزية على مواطنين من غير المسلمين، أيعقل هذا التشويه في عقل الطلبة، وتعزيز الكراهية بدلاً من التسامح؟
وينتهي هذا الباب من الكتاب «بوجوب غير المسلمين بأحكام القانون الإسلامي في المعاملات»، وأرى أن هذه الدعوة تتنافى مع الدستور وتتعارض مع مواثيق حقوق الإنسان، وكان الأجدر أن نطالب بقوانين وضعية منسجمة مع قيم المساواة والعدالة الملزمة للجميع دون تمييز على أساس الدين.
المضحك أنه بجانب هذا الكتاب يدرس كتاب آخر «النظم الإسلامية» في المرحلة الثانوية، وهو كتاب في غاية المرونة، ويدعو بشكل واضح للقضاء على العصبية وتحقيق حقوق المرأة، ومساواتها مع الرجل وحقها في العلم والتملك والميراث وحقها في العمل، وابتعد هذا الكتاب عن استخدام مصطلح «التحريم» نهائياً وإنما استخدم مصطلح «منع الإسلام من ذلك»، وسؤالي كيف نخلق ذهناً لثروتنا البشرية الصاعدة في وجود كتب تتعارض مضمونها في خلق العقل السوي، ومازلتم تتكابرون في عدم المساس بالمناهج وعدم تغييرها؟ أتمنى أن نتوحد من أجل بناء جيل صاعد غير مشوه ذهنياً، منسجم مع روح الميثاق والدستور والمواثيق الحقوقية الدولية وقيم التسامح والمحبة وحق الاختلاف والتنوع، حينها نستطيع أن نقول بأن قطار التنمية الإنسانية المستدامة سينطلق نحو الأمام والتقدم، أتمنى.
اتمنى من وزارة التربية والتعليم المسئولة عن تربية الأجيال الصاعدة أن تعيد مراجعة هذه المتناقضات في المناهج، وتخلق الانسجام والإبداع والتسامح لتخلق جيلاً هم ثروتنا البشرية القادمة، لتكون قادرة على النقد والإبداع دون تعصب وكراهية للتنوع الجميل في مجتمعنا... أتمنى.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"العدد 5338 - الثلثاء 18 أبريل 2017م الموافق 21 رجب 1438هـ
شكرًا اخ عبدالله
الى زائر 10
الكاتب ليس متحامل، وليس هناك ما تصفه بتضارب الأراء، اقرا بتركيز. الكاتب باحث متعمق وناقد في تشخيصه لظاهرة غياب ثقافة التسامح، وقد قدم مقاربة علمية وبعد دراسة من خلال نموذج يسود في الخطاب التربوي التعليمي وما يتضمنه من متناقضات في إطار الكتاب المدرسي للتربية الدينية. دعا لمناقشة الفكرة بالفكرة واحترام العقول وتنقية مناهج التربية بما يتعارض وثقافة التسامح، فاين التضارب وأين التحامل من ذلك؟ سؤال أخير: وضح ما تقصد بـ "من الانصاب التقيد البناء"؟ تحدث بوضوح كي يتمكن الآخرين من مناقشتك.
اتفق جملةً وتفصيلاً على اراء الكاتب، يجب ان يتم تعديل المواد التي تتعلق عن الدين ووجعلها تنسجم مع الحقوق الانسانية. وترك التراث.
الاختلاف ليس مشكله وانما الخلاف على الاختلاف!
فلا يمكن ان يكونا اثنان مختلفان على صواب، فاحدهما على باطل والاخر على باطل و ما هابيل وقابيل الا شر مثال. ولا ابليس وربه الا مثال لا يحتذى بهما . اليس كذالك?
سامحني يا رفيق كنت مخطأ !!
الاعتذار ليس عيبا وانما العيب ان لا يعترف المخطئ بأخطائه. هذه الحاله من التكبر حتى على سيد الادله الاعتراف بالخطييه التي اكترها. فالوزاره من اعلها الي ادناها غير مسؤوله عن أخطاء المسؤولين القدامى. فهل تجد التربيه تعليما يساعد موظفوها منهاجا كافرا افضل من اسلام اليوم الذي لم يبقى منه الا اسمه?
كم نحن بحاجة ماسة للتسامح ، اليوم في ثقافة الشرق الأوسط يتم تصنيف الإنسان بناء على انتمائه الديني أو المذهبي ثم يحددون حقوقه و واجباته بناء على ذلك ! وضع مزري بكل معنى الكلمة.
لقد ماتت الإنسانية.
صح الله للسانك اخ عبدالله
تضارب اراء ليس الا. الكاتب متحامل كثير ومن الانصاف التقد البناء
نعم لتغيير جميع المناهج الدراسية ابتداء من منهج التربية الاسلامية
أحسنت استاذ. مقال رائع