على رغم المعارضة العربية الرسمية والشعبية للحرب الاميركية على العراق، وعلى رغم صدور القرار 1441 الذي نزع فتيل الحرب كما يبدو مؤقتا، فإن شبحها مازال يجول في سماء المنطقة منذرا بوقوع هذه الحرب وكأنها أمر محتوم لا مناص منه.
بالطبع الحرب هي ممارسة السياسة، ولكن بوسائل ساخنة، ولكن لا يعني ذلك انها شيء مقدّر على العراق والمنطقة، بل يمكن ممارسة السياسة عن طريق بدائل غير الحرب، لأن هذه الاخيرة إن وقعت فإن الكلفة ستكون باهظة جدا، وغير محسوبة النتائج.
إلا أن الحرب على العراق فيما نعتقد ليست قرارا آنيا من قبل الادارة الاميركية، بل هو قرار سابق - حتى على ادارة بوش الحالية - مرتبط بالاستراتيجية الاميركية في العراق أولا، والمنطقة ثانيا، وعلى الصعيد الكوني ثالثا. وطالما أن قرار الحرب على العراق مرتبط بالاستراتيجية الاميركية - الاقتصادية والعسكرية والسياسية والجغرافية - فإن الممانعة العربية بشقيها الرسمي والشعبي والدولية ايضا وكذلك القرار الاخير كل هذه العوامل - حتى لو أجلت الحرب - فإن التأجيل يدخل في خانة الاستعداد المحموم من قبل الادارة الاميركية، وليس لمنعها. ففي حين يعتقد بعض المراقبين أن القرار الاخير الصادر من مجلس الأمن قد جنب العراق حربا ماحقة لا تبقي ولاتذر، يعتقد آخرون أن هذا القرار اشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفة، لا بل هو في جوهره وفحواه قرار اميركي بموافقة دولية تسمح للاميركان بشن الحرب وتحقيق مآربهم في العراق، وتاليا في المنطقة وبغطاء دولي.
اذن فالحرب الاميركية على العراق قادمة لامحالة، وقرار الحرب على هذا البلد داخل ضمن السياسة الاستراتيجة الاميركية القريبة والبعيدة المدى، حتى ان مخطط كيفية حكم العراق بات معروفا وجاهزا لدى الادارة الاميركية.
وعندما نقول «الاسباب اميركية»، معنى ذلك ان العراق حتى لو نفذ كل ما يطلب منه فلن يفلت مما هو مقرر سلفا في الدوائر الاميركية.
بهذا المعنى فإن قرار مجلس الامن 1441 حتى لو بدا مبددا لخيارات الحرب، فإن حقيقة الامر أنه مقدمة لهذه الحرب، كما أن موافقة العراق غير المشروطة على القرار لن تمنع قيام لجنة التفتيش نفسها بايجاد الذرائع، ولو من خلال هفوة عراقية لتقديم تقرير بعدم حسن السيرة والسلوك للعراق كمبرر يضاف إلى بقية المبررات الاميركية لشن العدوان المرتقب.
بالخلاصة، لا يعني ذلك ان الحرب لا يمكن تجنبها، بل يمكن ذلك إذا ما توافرت جملة من العوامل بعضها خاص بالقيادة العراقية كأن تقوم بعملية إصلاح سياسي شامل، وبعضها خاص بدول المنطقة ويتمثل ذلك في الوقوف في وجه السياسة الاميركية في المنطقة المعادية للعرب بوجه عام، والبعض الآخر مرتبط بالادارة الاميركية فيما لو انتهجت سياسة عقلانية ومتوازنة في المنطقة وعالجت الأمور المتفجرة فيها بعيدا عن سياسة الكيل بمكيالين، الا ان ذلك ابعد ما يكون عن الادارة الحالية، لذا فإن خيارات الحرب ومقوماتها هي الأرجح. ويمكن القول ان مصير العراق وربما المنطقة اصبحا في مهب الريح، فالمصالح الاميركية فوق كل اعتبار
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"العدد 81 - الإثنين 25 نوفمبر 2002م الموافق 20 رمضان 1423هـ