العدد 81 - الإثنين 25 نوفمبر 2002م الموافق 20 رمضان 1423هـ

في انتظار الإشارة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اخبار الاراضي المحتلة في فلسطين ليست مريحة. والجديد فيها أن أريل شارون في وضع حرج سياسيا فهو يخوض اكثر من معركة في مرحلة تستعد فيها «اسرائيل» لاجراء انتخابات عامة في الشهرين المقبلين.

شارون يتعرض لضغط من تكتل الليكود لانتهاج سياسة اكثر تطرفا يقودها بنيامين نتنياهو، ويتعرض لضغوط من منظمات عنصرية تطرح شعارات طرد الفلسطينيين كشرط لاستمرار التعاون معه ودعمه في رئاسة الحكومة.

هذا من جهة يمينه، ومن جهة يساره هناك محاولات لاعادة تجديد حزب العمل في اطار استراتيجية سياسية شبه واضحة تتناول الجوانب المسكوت عنها وتحديدا الانسحاب من الاراضي المحتلة في العام 1967 وتفكيك المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة واعادة تجميع المستوطنين في المناطق المحتلة في العام 1948.

حتى الان لم تتفق قيادة حزب العمل على هذه الاستراتيجية الواضحة الا انها تطرح للمرة الاولى مشروع افكار لاتزال في مرحلة اعدادها وطبخها. فهذه الافكار هي مسودة مشروع اذا اتفقت عليه قيادة العمل ونالت موافقة القاعدة عليه ستتحول إلى خطة انتخابية وفي حال انتخب حزب العمل على اساسها تتحول إلى خطة حكومية يجري تنفيذها في السنوات المقبلة.

إذا شارون في وضع حساس جدا. فهو يسير على حد السيف. فهناك اتجاهات عنصرية على يمينه تضغط عليه لطرد الفلسطيني والاستيلاء على ارضه وقراه ومدنه وتوزيعها على المزيد من المستوطنين الذين يتم استجلابهم من الخارج (الارجنتين وفرنسا). وهناك اتجاهات تسوية على يساره تضغط نفسيا على الشارع الاسرائيلي باتجاه فك الارتباط النهائي مع الفلسطينيين من طريق الانسحاب من الضفة والقطاع وتركها نقية صافية للدولة الفلسطينية.

الاحتمال الثاني افضل لكنه يطرح ضمنا سلسلة افكار منها مثلا طرد الفلسطينيين من اراضي 1948 إلى «دولتهم الجديدة» في اراضي 1967 ويتم تبادل مناطق السكن والاقامة. فالمستوطن في الضفة والقطاع يسكن في مناطق الفلسطيني في أراضي 1948. والفلسطيني المطرود من ارضه يقيم في مستوطنات الضفة والقطاع التي يفترض ان يغادرها المستوطنون.

الخلاف الظاهر بين مشروع الليكود والمنظمات المتحالفة معه وبين مشروع العمل والاحزاب المؤيدة له يتفق كما يبدو على دولة نقية لليهود ودولة نقية للفلسطينيين، والفارق الظاهر بينهما ان الليكود يضغط باتجاه بسط الدولة الاسرائيلية سيطرتها على كل فلسطين وطرد الفلسطيني إلى الاردن لاقامة دولته هناك. بينما العمل يميل إلى الاخذ بالجانب الاقل خطورة اي سحب المستوطنين من اراضي 1967 وطرد الفلسطينيين من اراضي 1948، وانفراد كل فريق بدولته من دون اقليات محلية غير متجانسة مع الفضاء السياسي العام للغالبية.

كل هذه المنازعات السياسية الداخلية أو النقاش الحزبي بين الاطراف الحاكمة والمعارضة في «اسرائيل» تجعل من اخبار الاراضي الفلسطينية المحتلة غير مريحة.

فالسجال المذكور يتم على وقع مواجهات يومية دامية بين قوات الاحتلال والحركات الفلسطينية المقاومة. وبسبب ضغوط اجواء الانتخابات يرى شارون ان كل عملية فدائية تعني قوة اضافية لحزب العمل والمزيد من اضعاف مشروعه. لذلك فإن ردود شارون دائما اكبر بكثير من حجم العملية. فبعد كل هجمة فلسطينية صغيرة أو كبيرة يرد عليها بهجوم شامل أو بحرب مدن وشوارع واعادة احتلال ثم انسحاب واعادة احتلال ثم اعادة انسحاب. هذه السياسة المجنونة فقدت حيويتها وبسبب تكرارها دخلت منطقة فراغ وباتت اقرب إلى الملل منها إلى انتاج موازين قوى جديدة تغير المعادلة الداخلية أو معادلة الصراع بين الحق الفلسطيني والاحتلال الصهيوني.

أخبار الارض المحتلة غير مريحة وكذلك شارون اصبح في وضع محرج إذ إنه الآن يمر في الوقت الصعب في فترة شديدة الخطورة. فهل هجمات شارون المملة هي مجرد تكتيكات للتدريب على ضربة كبيرة يستعد لها قبل الانتخابات النيابية في شباط/ فبراير المقبل أو انه ينتظر اشارة لتنفيذها لحظة اندلاع الحرب الكبرى على العراق؟ ام ان ضرباته العسكرية فقدت وظيفتها السياسية ولم تعد تخيف الشعب الفلسطيني وترهبه كما انها لم تعد تلاقي القبول المطلوب شعبيا من الناخب الاسرائيلي بعد ان دفع كلفة اقتصادية - مالية عالية الثمن من دون مردود سياسي؟

الجواب يستدل عليه في نقطتين: الاولى جرأة حزب العمل واستعداد قيادتة للمرة الاولى منذ سنوات طرح فكرة الانسحاب الشامل من الاراضي المحتلة 1967 وتفكيك المستوطنات في الضفة والقطاع. هذه النقطة تدل على ان الشارع الاسرائيلي بات في وضع يسمح للناخب الاستماع إلى لغة تفاوضية غير لغة شارون المجنونة.

النقطة الثانية طلب حكومة شارون من ادارة البيت الابيض ضمانات قروض يصل حجمها إلى عشرة مليارات دولار. هذا الكم الهائل من المال يطرح سؤالا: من اجل ماذا يريده شارون؟ تمويل آلة الحرب او إنفاقه على هجرات جديدة أو تهجير جديد للفلسطينيين؟

أخبار الارض المحتلة غير مريحة... والمجنون شارون يمر في وضع حرج وفترة صعبة منتظرا الاشارة. وهنا خطورة المسألة واخطر ما فيها الانتظار

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 81 - الإثنين 25 نوفمبر 2002م الموافق 20 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً