هناك خلط حاليا بين نظامين لخدمات المناطق في البحرين. بين نظام المحافظات الذي يستمد صلاحياته وقوته من السلطة التنفيذية، ونظام البلديات الذي يستمد قوته من الانتخاب المباشر من الشعب. ومع مرور الايام يبدو ان نظام المحافظ والمحافظة بدأ يسود على حساب نظام البلدية ورئيس البلدية.
وزارة الداخلية مسئولة عن المحافظ والمحافظة، ووزارة البلديات مسئولة عن العلاقة بين الحكومة والمجالس البلدية. المحافظ والمحافظة لديهما امكانات مادية ووسائل اتصال لتخليص معاملات اكثر من تلك المتوافرة لرئيس البلدية ومجلس البلدية. المحافظ لديه موازنة يتصرف فيها بحرية أكبر ويستطيع توجيه سياسة معينة داخل المحافظة. اما رئيس البلدية فليست لديه تلك الصلاحية وعليه ان يمرر ما يطلبه من خلال جهاز اداري لم تكتمل هيئاته بعد ولا يعرف امكاناته الحقيقية.
ان الانظمة المعتمدة في الدول المتقدمة لخدمة المناطق متنوعة. ففي كل من بريطانيا والولايات المتحدة توجد عدة انظمة داخل البلد الواحد، وقد أحصيت ثلاثة انواع من الانظمة في الولايات المتحدة، وكذلك في بريطانيا. ولكن الاجراءات واضحة بالنسبة لهم وبالتالي فإن تعدد الانظمة لا يلغي بعضها الآخر. فهناك نظام يعتمد على مجلس بلدي يتم انتخابه من عامة الشعب، ثم يقوم ذلك المجلس بانتخاب رئيس المجلس البلدي وتصبح الامور بيد المجلس البلدي ورئيسه.
وتشمل صلاحيات المجلس البلدي، في بريطانيا مثلا، كل التعليم الابتدائي والثانوي الى ما قبل الجامعة، وكل الخدمات الصحية الى ما قبل المستشفيات المركزية، وخدمات الدفاع المدني والاسكان الى ما قبل المشروعات الكبرى، بالاضافة لباقي الخدمات البلدية المعروفة. ويوجد في بعض الاحيان نظام «العمدة» المعين من قبل الدولة (ويتحدث باسم الملكة في بريطانيا)، ولكن العمدة المعين ليست لديه صلاحيات تنفيذية، وانما هو رمز للمدينة يحضر لافتتاح مركز ما نيابة عن الملكة أو لاستقبال وتوديع شخصيات مهمة أو للتحدث بصورة رمزية عن المنطقة.
وأخيرا استحدث نظام «العمدة المنتخب» وتم تجريبه في لندن فقط، وهو تقليد لنظام «العمدة المنتخب» لمدينة نيويورك. والعمدة المنتخب له صلاحيات تنفيذية واسعة تصل الى درجة ان عمدة لندن حاليا يشبه عمدة نيويورك وهو بذلك أهم شخصية تنفيذية في العاصمة البريطانية بعد رئيس الوزراء. وللعمدة المنتخب صلاحيات كبرى. إذ يتدخل في شئون الخدمات الكبرى للمدينة (وحتى المواصلات تصبح تحت سيطرته) لانها تخضع في جوانب من عملها الى شئونه كمسئول أول عن التسهيلات الحياتية. ومع ذلك فإن عمدة لندن لا يتدخل في شئون البلديات المختصة بالمنطقة داخل العاصمة لانها تبقى بيد المجلس البلدي.
تعدد الانظمة ليس عيبا، وانما العيب في اختلاط صلاحياتها وبالتالي تنافسها بطريقة يلغي واحد منها الآخر. فلدينا الآن نظامان، واحد منهما (المحافظات) لديه قدرات هائلة مقارنة مع القدرات المحدودة للبلديات، وهناك شبه ازدواجية في الادارة، اذ ليس مِن المحدد مَن الذي يشرف على ماذا بالنسبة للمنطقة؟ وليس معلوما ما اذا كان المجلس البلدي بمثابة مجلس له صلاحياته المتكاملة أم ان تلك الصلاحيات ستضعف لصالح المحافظة.
من المفترض أن ينظم العلاقة بين المحافظة والبلدية البرلمان المقبل، على أساس أن البرلمان له سلطة تشريعية تسمو على المؤسسات الاخرى. البرلمان قد يستطيع تنظيم ومراقبة عمل البلديات، ولكن السلطة التنفيذية لديها نظام محافظات يتبع وزارة الداخلية ولديها ايضا وزارة بلديات. وهذا يعني أن البرلمان عليه أن ينـظر الى خدمات المناطق بصورة شاملة لمنع الاستنساخ في الادارات. وبالامكان تحديد مجالات وصلاحيات كل نظام وابعاد حال التنافس الحالية التي تضر بالنظامين ولا تخدم المواطن كما ينبغي
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 81 - الإثنين 25 نوفمبر 2002م الموافق 20 رمضان 1423هـ