اشتهرت سباقات الفورمولا 1 باعتبارها السباقات الأكثر سرعة وقوة على مستوى العالم حتى طغت جماهيريتها وشهرتها على جميع سباقات المحركات الأخرى من خلال ما تتمتع به اللعبة من مميزات تعطيها أكبر قدرة من الاثارة.
سباقات الفورمولا 1 وعلى مدار تاريخها الطويل اعتمدت أساليب عدة في جذب الجماهير، غير أن الأسلوب الأكثر نجاعة كان الحوادث المميتة على مأساويتها وكذلك الاصطدامات القوية التي تشكل محور أحاديث متابعي الفورمولا 1.
هذه السباقات مثلت وعلى مدار سنوات متعاقبة واحدة من أكثر الرياضات خطورة على مستوى العالم، وجميعنا يعلم العلاقة الطردية الموجودة دائما بين زيادة درجة الخطورة وزيادة الاثارة، وبالتالي زيادة الجماهيرية.
المسئولون على الفورمولا 1 وبعد سلسلة طويلة من الحوادث والاصابات وحالات الوفاة، وخصوصا بعد مقتل المتسابق البرازيلي الأسطورة سينا في سباق سان ماينو العام 1994 درسوا اجراءات السلامة بصرامة محولين الفورمولا 1 إلى رياضة تؤمن بالسلامة في المقام الأول.
البرازيلي سينا نفسه كان أول من قاد ثورة تصحيح في إجراءات السلامة في يوم مقتله، وذلك بسبب وفاة متسابق نمساوي في اليوم الذي سبق وفاة سينا، وذلك خلال التجارب الحرة لسباق سان مارينو، إذ بادر سينا في يوم وفاته إلى عقد اجتماع ضم جميع السائقين للمطالبة باجراءات سلامة أكثر صرامة في الفورمولا 1، ولكنه في اليوم نفسه لقي حتفه عندما خاض السباق الرئيسي.
البرازيلي ايرتون سينا بطل العالم في ذلك الوقت كان يسير بسرعة 300 كلم في الساعة عندما اصطدم بأحد الحواجز، وكان من خلفه الألماني الأسطورة مايكل شوماخر الذي ورثه على عرش الفورمولا 1.
ذلك الحادث الشهير والذي تلا حادث مقتل المتسابق النمساوي بيوم واحد شكل صدمة كبيرة ليس على صعيد الفورمولا 1 فقط وإنما على صعيد الرياضة العالمية في ظل الجماهير الكبيرة التي تابعت السباق مباشرة وشاهدت بعدها لقطة مقتل سينا عدة مرات لاحقا.
شكل هذه الحادث نقطة تحول كبيرة في سباقات الفورمولا 1 وصدمة بالغت التأثير جعلت من الثورة التصحيحية التي بدأها سينا في يوم وفاته منطلقا لتغييرات كبيرة في اجراءات السلامة بالفورمولا 1.
هذه التغييرات هي التي أدت إلى الحالة التي وصلنا إليها اليوم من إجراءات مشددة قللت بنسبة كبيرة جدا من الحوادث ولكنها قللت في الوقت نفسه بنسبة كبيرة جدا من الاثارة.
الفورمولا 1 أصبحت رياضة أكثر سلامة وأقل اثارة، فالتجاوزات التي اشتهرت بها هذه السباقات قلت بنسبة كبيرة والحوادث هي الأخرى قلت وإن حدثت فهي عادة ما تكون تحت السيطرة بفضل إجراءات السلامة العالية.
مشكلة الفورمولا 1 أنها سباقات بنيت في الكثير منها على مستوى الاثارة العالي وعلى القوة والجرأة، وهي وإن حققت تقدم هائل في السلامة إلا أنها من الصعوبة أن تواكب وتراكم الجماهيرية نفسها بهذه الاجراءات الصارمة.
بالفعل مفارقة عجيبة في هذه الرياضة التي كانت تتنفس خلال السنوات الماضية بوجود الأساطير التي واكبت عصر التسعينات وخصوصا الأسطورة الألمانية مايكل شوماخر الذي مثل ابتعاده بلا شك نقطة تحول في الفورمولا 1.
هذه الرياضة باتت بحاجة إلى أسطورة جديدة تعيد لها الكثير من الحيوية والاثارة وهناك بالفعل عدة مشاريع قادمة قادرة على التحول إلى أساطير في اللعبة.
جماهيرية الفورمولا 1 وخصوصا من خلال انتشارها العالمي خارج أوروبا وأميركا بالوصول إلى أسواق جديدة في الشرق الأوسط وشرق أسيا لم تقل وإنما ازدادت من خلال اتباع سياسة الوصول للاسواق الجديدة وهي سياسة مبتكرة تحولت من خلالها الفورمولا 1 إلى ماركة عالمية مسجلة تطوف جميع قارات العالم.
معادلة الموازنة بين أكبر قدر من الاثارة وأكبر قدر من السلامة هي معادلة صعبة تعتمد في الاساس على وجود الأساطير وعلى السرعة الفائقة بأقل قدر من الاحتكاكات وهي ما تسير عليه اللعبة في الوقت الحالي.
غير أن الأمور قد تتغير مع وصول الإدارة الجديدة للفورمولا 1 بقيادة الأميركي تشيس كاري الذي يبحث عن تغييرات كبيرة في هذه المسابقة بغية جدب جماهير إضافية إليها وهو ما قد يدفعه إلى تجاوز الكثير من إجراءات السلامة الصارمة.
الجميع بات يترقب التغييرات التي يمكن أن تدخلها الإدارة الجديدة للفورمولا 1 على المدى الطويل، إذ إن هذه التغييرات هي التي ستشكل مستقبل اللعبة في العالم.
العدد 5336 - الأحد 16 أبريل 2017م الموافق 19 رجب 1438هـ