«ليس بيني وبين عناق الحور العين إلا أن أقاتل فأقتل»، تلك العبارة قيلت وما تزال تقال، بصيغة أو بأخرى من قبل من يعشق الموت، مجاهداً مؤمناً بفتوى شرعية حقاً كانت أم باطلاً. فأما الجهاد الحق عند الله فلا جدال فيه، وإنما الحديث هو بشأن الفتاوى الباطلة في جواز القتل بدون حق، ويبدو أن المجاهدين في هذا الزمان الذين يقتلون الأبرياء لم يكتفوا بوعد الآخرة لهم بالحور العين كما يعتقدون، فاستحّبوا الدنيا على الآخرة، وعانقوا الحور العين مسبيّات ومسترقّات، وجوارٍ تباع وتشترى وتُعار وتؤجّر، كما هو حاصل اليوم في ظل دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام.
وشملت تلك الاعتداءات نساء وبنات المسلمين وغير المسلمين، وتمّ توثيق ما جرى بشتى وسائل الإعلام وشهادات الضحايا، مع العلم عندهم أن الرجل من أهل الجنة ليزوّج خمس مئة حوراء، وأربعة آلاف بكر، وثمانية آلاف ثيّب، يعانق كل واحدة منهن مقدار عمره في الدنيا (رواه الإمام المحدث الألباني، عند حديث رقم 6103 وضعّفه)؛ ولكن الشهيد في حديث آخر له سبع خصال منها أنه يزوّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، (وهو من حديث المقدام مخرج في أحكام الجنائز، ص 35- 36). والسؤال الوارد: فلماذا طمعوا في حور الدنيا الفانية وما اكتفوا بحور الآخرة؟
يبدو لي أن العقد الجنسية وما يختزنه العقل الباطن منها قد فعلت فعلها عند هؤلاء. وجنة الله التي وعد بها المجاهدين في سبيله، فيها الكثير من المتع الأخرى من جنات وقصور تجري من تحتها الأنهار، وسرر وأرائك، وأنهار من عسل مصفى، وأنهار من خمر لذّة للشاربين. بل فيها كل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون. والسؤال: لماذا صار التركيز من قبل هؤلاء في هذا العصر المتحضّر على الحور العين دون غيرها من لذائذ الجنة ومتعها؟ ألأنّ الإغراء الجنسي هو ما يغري الشبان ويحفزهم لبذل الأنفس؟
لقد نشأ جدل واسع بين الأصوليين بشأن استخدام أشرطة «الحور العين» لتجنيد مقاتلين للجهاديين التكفيريين تحبب لهم عشق الموت، ومعظمهم من الشبان المتحمسين. وقد كتب محمد الشافعي في ذلك صفحة في صحيفة «الشرق الأوسط» (العدد 9069، 27 سبتمبر/ أيلول 2003)، بشأن أشرطة وخطابات تشجّع على الجهاد، لنيل الشهادة والتمتع بالحور العين في الجنة. أوجزها فيما يلي:
- تمّ تداول إصدار جديد يحمل اسم «الحور العين» في ثلاثة أشرطة صوتية، من تأليف عدد من مشايخ الحركات الأصولية في منطقة الخليج، والهدف هو تجنيد مقاتلين لمصلحة تنظيم «القاعدة».
- بثّ «المنتدى الجهادي» بموقع «منتديات باسم الايمان» شرائط عليها إعلان يقول «سنبحر في عالم الحور العين ووصفهن ووصف جمالهن وذكر قصص الذين اشتاقوا لقاء العدو ومعانقة الحور العين.. نسأل الله أن لا يحرمنا هذا النعيم».
- أن الإسلاميين المتشددين منذ أكثر من 25 عاماً يرددون نشيداً جهادياً ويحلمون به ليل نهار، يقول: «النور عيوني والحور ملك يميني وكالملاك أنني في جنة وعيون».
- ذكر أصولي سوري أن الأشرطة الصوتية وأوصاف الحور العين يحفظها المحسوبون على التيارات الجهادية عن ظهر قلب. وأشاروا إلى حورية شهيرة اسمها «العيناء»، ينتظرها المجاهدون لو أسفرت وجهها لأطفأ نور وجهها قرص الشمس.
في العصر الجاهلي وفي بيئة الصحراء الحارقة وسعي الظمآن وراء سراب يحسبه ماء، «وللشمس فوق اليعملات لعاب»، (المتنبي) يصبح وعد الله الحق بما في الجنة مما سبق ذكره– يصبح كل ذلك نعيماً مشخّصاً يبعد الشعور بالحرمان ويحبّب التقرب إلى الله بالإيمان.
ولا أزعم أن عرب الجاهلية دخلوا في الإسلام طمعاً في الجنة بلا إيمان بالواحد القهار، فقد عرف على لسان شعرائهم وخطبائهم أنهم كانوا يؤمنون بإله واحد، وأنهم اتخذوا الأصنام واسطةً للتقرب إلى الله الواحد، كما ورد في القرآن الكريم: «ما نعبدهم إلاّ ليقربونا إلى الله زلفى»، لكن قريش أبت الإيمان بنبي الإسلام، إذ كان عظماؤهم ورؤساؤهم يطمعون أن تجيء الرسالة فيهم لا في محمد من بني هاشم: «وقالوا لولا نُزّل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم». وعوداً إلى موضوع الحور العين عند عرب الجاهلية، أرى أن أغلب الظن أنها لم تكن عندهم من أهم المغريات في الآخرة، بالنسبة للمتع الأخرى التي كانوا يفتقدونها في صحرائهم ودنياهم. كانوا في دنياهم يتزوّجون من النساء ما شاءوا، وكانت لديهم سبايا ما وسعهم القتال والسبي، رغم أنهم كانوا يفرّقون في التعامل ما بين الحرة المسبية والجارية. ولديهم جوارٍ ومحظيات تباع وتشترى في الأسواق لمن لا يعوزه مال أو متاع.
كان لديهم حب للجنس نعم، أما أنهم كانوا يعانون من عقد جنسية كما هو الحال في هذا العصر فلا أظن ذلك. المرأة الحرة أو المتزوجة كانت عند العربي شرفاً وعرضاً وأم بنين وربة بيت، لها مقام وأمر ونهي. وإذا خاطبها قال: «ياربة البيت قومي غير صاغرةٍ .... ضمّي إليك متاعَ القومِ والقربا».
وإذا جئنا إلى عصور ما بعد النبوة، وعصور الفتوحات الإسلامية في عهود الخلافات المتعاقبة، وصولاً إلى الخلافة العثمانية، لا نجد مبرراً لوجود العقد الجنسية والحرمان في أزمان كان الجنس فيها متاحاً ومشاعاً بشتى الصور والمظاهر، مسنوداً بفتاوى دينية غريبة لا تكاد تصدق.
في هذا العصر، وفيما يلي نماذج مما وجدته في المرويات عن تلك الفتاوى:
1.الزواج بالأربع كان هو السائد، والأسواق مليئة بالجواري والعبيد بعد كل غزوة من غزوات الفتح الإسلامي، توزع على المقاتلين وغيرهم. وتباع وتشترى وتؤجر مباشرةً أو بواسطة نخاسين متخصصين في هذه المهنة، كما نقرأ بهذا الصدد أيضاً «إذا وطيء الجندي المجاهد جارية من إماء المغنم قبل القسمة فلا يقام عليه الحد لوجود شبهة، حيث لا يُقام حدٌّ في أرض الحرب، ولا في حال الغزو حتى لا يلحق بالعدو»، («الفقه على المذاهب الأربعة» للجزيري، كتاب الجنود، زنا المجاهد، ص 1196، الطبعة الأولى لدار ابن حزم، بيروت).
2.موضوع تأجير الجارية لفت نظري، فقرأت عن فتوى تقول بجواز تأجير الجارية على ثلاثة وجوه: أن يستأجر المشتري من البائع النصف الأعلى من السّرة فما فوقها ولا شأن له بغير ذلك؛ أن يستأجر نصفها الأسفل من السّرة فما تحتها فقط، أن يستأجر الكل من الجارية إذا قدر على الثمن.
3.وأوجد بعضهم حيلة شرعية تجاه من يصّر على تأجيرها فقط؛ لأنه متعلق بحسنها وجمالها، ولا يقبل بيعها بسعر سوق النخاسة. فقالوا: يستأجرها ثم يدخلها في مكمن سري ويغلق عليها الباب ثم يزعم أنها ماتت أو اختفت، فيطالب المؤجر بثمنها فيدفع له ويوثق ذلك.. وبعد أيام يصرح بأنه وجدها حية فتصبح ملكه!
4. وهناك فتوى أغرب من كل ما ذكرت تنسب إلى عطاء ابن رباح، ويُقال أنه الفقيه الذي انتهت إليه فتوى أهل مكة، وأنه أدرك مئتين من الصحابة، وفحواها بجواز إعارة الفروج (إعارة الفروج، الشرح الكبير، أبو البركات، ج 3، ص 250). كأن يُعير زوجته أو جاريته إلى رجل آخر، فيحل له أن يتمتع بها أو أن يصنع بها ما يريد حتى يرجع من سفره فيستعيدها منه! (نقلا عن عامر الأمير، الحوار المتمدن، العدد 1892، 21 / 4/2007).
ولا تخلو بعض المرويات عن الحور العين من طرائف وقصص وهذه بعض منها:
قال قاسم بن عثمان الخزاعي: رأيت في الطواف حول البيت رجلاً فأعجبني حاله، فتقرّبت منه فإذا هو لا يزيد على قوله «اللهم قضيت حاجة المحتاجين وحاجتي لم تقض». فقلت له: مالك لا تزيد على هذا، فقال: سأحدّثك حديثاً علّ الله أن ينفعك به. كناّ سبعة رفقاء من بلدان شتى، غزونا أرض الروم فوقعنا كلنا في الأسر، فاعتزل بنا بعض الروم إلى موضع ليضربوا أعناقنا، فبينما نحن على تلك الحال نظرت إلى السماء فإذا سبعة أبواب مفتّحة على كل باب جارية من الحور العين. مع كل حوراء طست ومناديل! فقيّد رجل منا فضُربت عنقه فرأيت واحدةً منهن قد هبطت إليه ومسحت دمه بتلك المناديل، ثم عادت وأغلق باب. وهكذا حتى ضربت أعناق الستة وبقيت أنا ونظرت إلى السماء، فإذا لم يبق إلا باب وجارية، فلما قمت لتضرب عنقي استوهبني أحد الروم، فوهبت له، وعفي عني، فسمعتها تقول: أي شيء فاتك يا محروم! ثم أغلقت الباب وأنا أنظر... فلم أزل متحسراً حتى ألقاه».
وأضيف على كل ذلك مستدركاً، قد تكون تلك الفتاوى عرضةً للأخذ والرد بين الفقهاء؛ ولكن الثابت الذي لا ينكر أن المرأة في التراث الإسلامي العقيم كان يُنظر إليها وكأنها مجرد جسد للمتعة، وسلعة تباع وتشترى وتعار، أو جزء مما يملكه الرجل ضمن الموجودات المنقولة. أو بعبارة أخرى كما ورد في موقع «إسلام وب»، في فتوى شرعية تحمل رقم 6186 «أحكام الأسرى» بهذا النص: «الشراء ممن يملكها ملكاً صحيحاً معترفاً به شرعاً، وكذا الهبة والوصية وغير ذلك من صور انتقال الأموال من مالك إلى آخر، ولو كان البائع أو الواهب كافراً ذمياً أو حربياً، فيصح ذلك».
وختاماً، فقد وجدت خير ما اختتم به مقالي عن الحور العين وذهابهن بعقول المجاهدين في هذا الزمن، ما روي عن قول إمام المتّقين علي ابن أبي طالب (ع) في الإيمان وطاعة الرحمن: «اللهم أني ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك؛ ولكني عبدتك لأنك أهلٌ لذلك، وابتغاء رضوانك ورحمتك ومغفرتك».
إقرأ أيضا لـ "تقي محمد البحارنة"العدد 5336 - الأحد 16 أبريل 2017م الموافق 19 رجب 1438هـ
أحسنت يا أستاذ ..... عقول متعفنة وفهم خاطئ للدين ويجبرون الناس على اتباعهم .. ان هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا .
أطال الله في عمرك وألبسك ثوب العافية
سلمت يداك أستاذنا العزيز...
مقال جميل اللهيعطيك طول العمر و وافر الصحة لإثراء الساحة الثقافية