كان عام 2016 عاماً حافلاً بالأحداث. فقد بدأت الصين السنة مع انخفاض في قيمة اليوان، ثم جاء تصويت الناخبين البريطانيين والأمريكيين بعكس التوقعات، ووافقت منظمة أوبك على أول تخفيض في الإنتاج خلال ثمان سنوات، وألغت الهند ما يقرب من 90.0% من عملتها المتداولة. والآن بعد أن أصدرت معظم البلدان أرقام الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع من عام 2016، توفرت لدينا قراءة نهائية عن النمو العالمي للسنة التي هيمنت عليها الصدمات. وليس من المستغرب أن النمو تعثر منخفضاً إلى 3.1% في عام 2016 من 3.4% في عام 2015، وهي أبطأ وتيرة للنمو منذ الأزمة المالية العالمية. ولكن تلا ذلك تسارع للنمو بحدود نهاية العام.
وقد أظهر الربع الأخير من عام 2016 أول ارتفاع ربع سنوي في النمو العالمي خلال سنتين، وقادت هذا النمو كل من الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة. وخلاصة القول أنه في حين تراجع النمو الإجمالي في عام 2016، فإن قوة الدفع القوية من النصف الثاني، ولا سيما من الاقتصادات المتقدمة، حملت بشريات للنمو في عام 2017.
وفي الاقتصادات المتقدمة، تعكس قصة النمو تحولات دورية قوية بعد نمو ضعيف في النصف الأول في كل من الولايات المتحدة واليابان بصفة أخص. في الولايات المتحدة، يعود انخفاض النمو في النصف الأول من العام لأسباب انخفاض النفقات الرأسمالية في قطاع الطاقة، وتراجع المخزون بشكل أكثر حدّة من المتوقع، والتأثير السلبي لقوة الدولار على الصادرات. أما في اليابان، فقد تراجع النمو بفعل تباطؤ الصادرات بسبب الارتفاع السابق في قيمة الين وضعف الطلب الصيني على الواردات وانعكاساته السلبية على الشركاء التجاريين الرئيسيين الآخرين لليابان. ولكن في النصف الثاني من العام، أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى تلاشي الآثار السلبية على الاستثمار في الطاقة في الولايات المتحدة، كما قاد ضعف قيمة الين إلى إنعاش الصادرات اليابانية. وبعيداً عن الولايات المتحدة واليابان، تعززت الاقتصادات المتقدمة الأخرى في النصف الثاني من عام 2016. فقد أدى ارتفاع الطلب الكلي الناجم عن تحفيز ات السياسة النقدية إلى زيادة النمو في منطقة اليورو، كما أن ارتفاع أسعار السلع الأولية قد أفاد المنتجين في دول مثل أستراليا وكندا والنرويج، وتعزز الأداء الاقتصادي في المملكة المتحدة بفضل الزيادة في الاستهلاك والطلب الخارجي.
لكن القصة بالنسبة للأسواق الناشئة كانت أكثر تعقيداً. هناك ثلاثة عوامل رئيسية تفسر التراجع العام في النمو ثم ارتفاعه خلال الربع الأخير من 2016.
أولاً، تواصل تباطؤ النمو في الصين، لكن بوتيرة أكثر تنظيماً مما كان متوقعاً في البداية، بل وحققت الصين زيادة في النمو خلال الفصل الرابع بفضل تحفيزات مرتبطة بالسياسة النقدية. وانخفض النمو إلى 6.7% خلال الفصول الثلاثة الأولى من العام قبل الارتفاع بشكل طفيف إلى 6.8% خلال الفصل الأخير.
ثانياً، دخلت البلدان المنتجة للسلع كالبرازيل وروسيا في مرحلة ركود طويلة بسبب تراجع أسعار السلع وتواصل ذلك خلال النصف الأول من العام عندما بلغ انخفاض الأسعار مستويات قياسية لم تسجل منذ عدة سنوات. لكن أدى التعافي اللاحق في أسعار السلع خلال النصف الثاني من 2016 إلى دعم النمو في هذه البلدان وساعد روسيا على الخروج من مرحلة ركود دامت سنتين في الربع الأخير من 2016.
ثالثاً، تعافت البلدان التي لها علاقات تجارية قوية مع الولايات المتحدة، مثل المكسيك، بموازاة النمو القوي في الولايات المتحدة خلال العام بعد أن عانت من ضعف الطلب الأمريكي على الواردات في وقت مبكر من عام 2016.
في الختام، يجب التأكيد على أن منحى النمو في 2016 له تأثير كبير على النمو عام 2017. وقد بدأ النمو في الاقتصادات المتقدمة يكتسب الزخم أخيراً بعد سنوات من السياسات النقدية الميسرة على نحو مفرط. ويبدو أن الحقبة التي هيمن عليها انكماش الأسعار في طريقها للانتهاء والمؤشرات الاحصائية الأولية للربع الأول من 2017 تشير إلى ارتفاع معدلات النمو والتضخم في مختلف الاقتصادات المتقدمة. ومن ناحية أخرى، يرجح أن يظل النمو في الأسواق الناشئة هشاً، ولكنه سيستفيد على الأقل من ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتزايد الثقة في الاقتصاد الصيني المتباطئ بانتظام وانتعاش الاقتصاد الهندي عقب عملية تغيير الأوراق النقدية. وبشكل عام، يمكن القول أن النمو العالمي قد خرج من حالة الركود.
لعله الهدوء الذي يسبق العاصفة