العدد 79 - السبت 23 نوفمبر 2002م الموافق 18 رمضان 1423هـ

الجنون الإسرائيلي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حادث اغتيال المسئول الدولي - البريطاني في مخيم جنين ومحاولة اغتيال الناشطة الارلندية في مجال حقوق الانسان يكشفان عن جوهر القضية الفلسطينية وتداعياتها التاريخية. هذا الجانب هو الاول في المشكلة. اما الثاني فإن الحادثين يشيران إلى درجة التوتر التي وصلت اليها «اسرائيل» في مسألتي الهوية والامن.

حادث الاغتيال ومحاولة الاغتيال وقعا في مخيم جنين الذي شهد اكبر مجزرة في فلسطين منذ عام النكبة 1948.

وتمت المجزرة في ظل حكومة شارون الائتلافية. واعقبتها محاولة جرف المخيم وازالة معالم الجريمة بتغطية سياسية اميركية وصلت إلى حد استخدام نفوذها في الامم المتحدة ومجلس الأمن لمنع ارسال لجنة تحقيق في الكارثة الانسانية التي حلت بجنين.

مقابل منع أو تعطيل ملف التحقيق في الجريمة الاسرائيلية لجأت الدول الكبرى إلى تعويض الفلسطينيين بالمساعدة على اعادة بناء المخيم وازالة اثار العدوان على السكان. وحادث اغتيال البريطاني المكلف من قبل اللجنة الدولية بالاشراف على ورشة اعادة بناء المخيم هو رسالة واضحة من قبل حكومة شارون المتطرفة برفض أي مسعى، حتى لو جاء من دولة صديقة، لتجديد أو تشييد المخيم الفلسطيني في ارض يرى شارون انها ملكه وانه لا يجوز اعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

فالجريمة وقعت وهو لا يعترف بمسئوليته عنها بل يحمل المخيم مسئولية عمله. حكومة شارون تكذب وهي تعرف انها تكذب والعالم يعلم اكاذيب الحكومة الاسرائيلية... والعالم لا يستطيع او لا يريد ان يفعل ما يكشف الحقيقة، ويكتفي بدفع المساعدات الانسانية لتبرير سكوته.

ما يحصل في جنين حصل في فلسطين. فالقضية كلها قامت تاريخيا في السياق ذاته الذي وقعت فيه جريمة المخيم. ومع ذلك فالرد الدولي على تلك الاعمال كان الصمت.

مسألة جنين تشبه قضية فلسطين. «اسرائيل» تدرك انها ليست على حق، وانها سرقت ارض غيرها واحتلتها بدعم خارجي وعلى كل المستويات السياسية والدبلوماسية واللوجستية والاقتصادية. هي تعرف الحقيقة ويعرف من يدعمها وينصرها ماذا حصل، ولماذا حصل، وما يجب عمله الان ومستقبلا؟ ومع ذلك اتبع العالم سياسة الصمت والتجاهل.

ما يقع في جنين وقع في فلسطين. فالحكومات الاسرائيلية على انواعها (وبعض العالم على انواعه) لا ترى ان فلسطين هي ارض الفلسطينيين، وانها اعتدت على اهلها، واحتلت مدنهم وقراهم... بل انها كانت «ارض الميعاد» أخذت منهم عنوة منذ الاف السنين، وهم الان عادوا إلى ارض اجدادهم كما وعدهم «يهوه». واعيد تجديد الوعد في عهد الانتداب البريطاني من قبل وزير خارجيته آنذاك اللورد بلفور.

جنين مثلها مثل فلسطين في القياس الصهيوني. فاهل جنين برأي قادة «إسرائيل» اغتصبوا المدينة كما هو حال فلسطين. وتنفيذا للوعد يجب ان يخرجوا منها وإلا دفعوا الثمن. هذه الايديولوجيا هي الجنون بعينه. ومع ذلك هناك في الغرب بعض الجهات الاوروبية والاميركية تتفهم هذه النزعة العدوانية وتبررها تاريخيا وتعطيها القوة والمال لاستكمال ما بدأته «اسرائيل» في فترات سابقة.

بعض العالم فعلا في حال جنون. وهذا البعض يريد التخلص من مشكلة داخلية عن طريق طردها إلى الخارج. والصهيونية شكلت اداة من ادوات المساعدة على اقتلاع (طرد) اليهود من بلدانهم واعادة تجميعهم في «ارض الميعاد». وحتى تتم المسألة لا بد من تنفيذ الطرد الثاني وهو اقتلاع الفلسطينيين من فلسطين وابن جنين من جنين.

بعض العالم في حال جنون فعلا، الا ان الجنون في «اسرائيل» وصل درجة الغليان. فالاحزاب الاسرائيلية وضعت مسألة «الهوية» على رأس أولوية اهتماماتها، وبعدها موضوعة «الأمن» والخوف من دول الجوار. وحتى تكتمل عناصر الجنون كان لابد من تحديد سلسلة مطالب واقتراحات للقبول بالصلح منها طرد الفلسطيني من ارضه والاستيلاء عليها لمصلحة المهاجرين اليهود (المهجرون من دول العالم).

حادث اغتيال البريطاني في جنين ومحاولة اغتيال الناشطة الارلندية يصبان في دائرة الجنون نفسها. واخطر درجات الجنون حين تصل ثقة المجنون بعقله إلى حد اعتبار نفسه العاقل الوحيد في العالم... وما على العالم إلا القبول بتنفيذ ما يراه مناسبا. والمخالفة تعني الموت اغتيالا.

ما حصل في جنين ضد الفلسطيني اولا ثم البريطاني والارلندية ثانيا ليس مصادفة. ما حصل رسالة واضحة للهيئات والمنظمات الدولية بان جنين، مثلها مثل فلسطين، ليست لاهل جنين

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 79 - السبت 23 نوفمبر 2002م الموافق 18 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً