رأى إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن من أعظم الخيانة وأقبح الأعمال أن يشرفك الله ـ أيها المسلم ـ بحمل أمانة عملٍ من أعمال المسلمين، ثم تتخذ من ذلك العمل مطيةً لجمع الأموال ونيل المصالح الخاصة بالخيانة والنهب والسلب والتحايل على ما ليس بحق.
القطان في خطبته يوم أمس الجمعة (14 أبريل/ نيسان 2017)، والتي عنونها بـ «التحذير من المكاسب المحرمة»، أكد أن أية وظيفة من الوظائف كبيرة أو صغيرة فهي أمانةٌ عظيمة، ومسئولية كبرى، لا يجوز بأي حالٍ من الأحوال أن تجمع الأموال بسببها، أو أن تتكسب بواسطتها، فالحذر الحذر من ذلك».
وأشار إلى أن «الفساد الإداري والمالي قد انتشر على نطاق واسع في أكثر بلاد المسلمين، وأدى بهم إلى ما ترون من الكساد الاقتصادي والتخلف والانحطاط، والفقر والحاجة، والصراع والتشاحن، وضعف الديانة وفساد الأخلاق؛ حتى أن عفيف اليد في بعض المجتمعات المعاصرة، غريب بين أقرانه، وغاب السؤال المشهور للخونة والغالين: من أين لك هذا؟ وحل مكانه القول عن المتعففين: فلان ضيع على نفسه الفرصة بمثاليته، ولو كنت مكانه (هكذا يقول بعض الغافلين) لأصبحت من أثرياء الناس، وأضحى كثير من هؤلاء الذين ضعف دينهم، ومرجت عهودهم، وفسدت ذممهم، هم سراة الناس وقدوتهم بما يملكون من مال وجاه، وكبروا أربعاً على مجتمعات يكون أهل القدوة فيهم هم السراق والنهاب، وأكلة الحرام، وأهل الغلول والخيانة للأوطان والشعوب».
واعتبر أن «هذا الفساد العظيم أدى إلى تعطيل مصالح العباد في كثير من ديار أهل الإسلام، وظلمهم بغير وجه حق، فمن يملك الوظائف يغلها فيحبسها على بنيه وقرابته، وأهل عشيرته وجماعته، ولو كان في الناس من هم أولى بها منهم، ويحرم منها الأكفاء من أبناء المسلمين».
وأفاد بأن «الله عز وجل فطر الخلق على حب المال، وركب في الطباع الحرص على طلبه وتحصيله؛ لأن به قوام حياة الناس وانتظام أمر معايشهم وتمام مصالحهم. وقد جاء الشرع الحنيف بالحث على السعي في تحصيل المال واكتسابه على أنه وسيلة لغايات محمودة ومقاصد مشروعة، وجعل للحصول عليه ضوابط وقواعـد واضحة المعالم، لا يجوز تجاوزها ولا التعدي لحدودها كي تتحقق منه المصالح للفرد وللجماعة».
وأضاف «أوجب الدين الإسلامي الحنيف على المسلم أن يطلب المال ويسعى في أسباب تحصيله مما أذن الله به وشرعه من طرق الكسب الحلال والعمل المباح، حتى يستغني المرء به عن ذل السؤال للغير والحاجة للخلق، فطلب الرزق وتحصيله شرف للمؤمن وعزة للمسلم، به تصان الأعراض وتحفظ الكرامة، وبه يستعان على كثيرٍ من أعمال البر والخير والطاعة، فنعم المال الصالح للمرء الصالح».
وأوضح أن «الكسب الطيب والمال الحلال ينير القلب، ويشرح الصدر، ويورث الطمأنينة والسكينة والخشية من الله، ويعين الجوارح على العبادة والطاعة، ومن أسباب قبول العمل الصالح وإجابة الدعاء. أما الكسب الخبيث فإنه شؤم وبلاء على صاحبه، بسببه يقسو القلب، وينطفئ نور الإيمان، ويحل غضب الجبار، ويمنع إجابة الدعاء. المال الحرام مستخبث الأصول، ممحوق البركة والمحصول، إن صرفه صاحبه في برٍ لم يؤجر، وإن بذله في نفعٍ لم يشكر، ثم هو لأوزاره محتمل وعليه معاقب. قال بعض الحكماء: شر المال ما لزمك إثم مكسبه، وحرمت أجر إنفاقه».
ونبه إلى أن «المكاسب المحرمة لها آثار سيئة على الفرد والمجتمع، فإنها تضعف الديانة، وتعمي البصيرة، ومن أسباب محق البركة في الأرزاق، وحلول المصائب والرزايا والنكبات، وحصول الأزمات المالية المستحكمة والبطالة المتفشية، وانتشار الإحن والشحناء والعداء والبغضاء بين الناس».
وأردف أن «مما يؤسى له عظيم الأسى أن في الناس من لا يتحاشون عن اكتساب المال الحرام وتحصيله من أي طريق وعبر أية وسيلة، إذ ليس لهم هم إلا تكديس الأموال وتضخيم الثروات، فالحلال في عرفهم ما قدروا عليه، والحرام ما تعذر وصولهم إليه، يسلكون في طلبه مسالك معوجة وطرقاً مظلمة، وسبلاً مشبوهة. بل وقد لا يكترثون من المجاهرة بالمكاسب الخبيثة والاستيلاء على الأموال المحرمة التي لا شبهة في تحريمها، حتى أصبح هذا المسلك المشين لشيوعه وانتشاره ظاهرة مألوفة في كثير من مجتمعات المسلمين، حيث فشا فيها أكل الربا وتعاطي الرشوة ولعب القمار والغصب والسرقة والاختلاس والمتاجرة بالمحرمات كالخمور والمخدرات والعاهرات ونحوها، وفتح بيوت الدعارة، وممارسة السحر والشعوذة، وتطفيف المكاييل والموازين والغش والخداع في البيوع والمعاملات، وإنفاق السلع بالأيمان الفاجرة، وأكل أموال اليتامى والقاصرين، والاستيلاء على الحقوق والممتلكات، واختلاس الأموال الخاصة والعامة، بأساليب مختلفة وسبلٍ متنوعة، بلا خوفٍ ولا وجل من الله ولا حياءٍ من عباد الله، في صور مهينة من صور البطر والأشر والجشع والطمع لدى بعض النفوس، حين يضعف فيها وازع الإيمان، وتتحلل من المروءة ومكارم الأخلاق».
وخاطب القطان الموظفين والعمال والتجار والصناع والسماسرة والمقاولين والمسلمين والمسلمات، قائلاً: «حقٌ علينا وعليكم تحري الحلال والبعد عن المشتبه، احفظوا حقوق الناس، أنجزوا أعمالهم، أوفوا بالعقود والعهود، اجتنبوا الغش والتدليس والرشاوى، والمماطلة والتأخير، اتقوا الله جميعاً، فالحلال هنيءٌ مريءٌ ينير القلوب، وتنشط به الجوارح، وتصلح به الأحوال، وتصح به الأجسام، ويستجاب معه الدعاء».
العدد 5334 - الجمعة 14 أبريل 2017م الموافق 17 رجب 1438هـ