مِثْلُ الجامع الضخم الذي أمر الرئيس التركي طيب أردوغان بتشييده على قمة واحد من أعلى تلال إسطنبول؛ يأمل مؤيدو الرئيس التركي أن يكون استفتاء على تعديلات دستورية غد الأحد (16 أبريل/ نيسان 2017) تتويجاً لمسعاه لتغيير تركيا.
وقد يأتي الاقتراع، الذي يدلي فيه ملايين الأتراك بأصواتهم لاتخاذ قرار بشأن استبدال نظام الديمقراطية البرلمانية برئاسة تنفيذية، بأكبر تغيير في نظام الحكم في بلادهم منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية قبل نحو قرن من الزمان. وستكون لنتائج الاستفتاء تبعات تتخطى حدود تركيا.
لم تكن تركيا، وهي واحدة من دولتين مسلمتين فقط في حلف شمال الأطلسي، في أي وقت في التاريخ الحديث محورية بهذا الشكل مثل الآن فيما يتعلق بالشئون العالمية من الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في سورية والعراق إلى أزمة المهاجرين في أوروبا وتأرجح ولاءات أنقرة بين موسكو وواشنطن.
وقسمت الحملة الانتخابية الدولة التي يقطنها 80 مليون نسمة وامتدت الانقسامات إلى الجاليات التركية الكبيرة التي تعيش في أوروبا. واتهم أردوغان قادة أوروبيين بالتصرف مثل النازيين لمنعهم مؤتمرات انتخابية على أراضيهم متعللين بأسباب أمنية، فيما قال معارضوه في الخارج إنهم تعرضوا للتجسس على شئونهم.
ويرى مؤيدو أردوغان المتحمسون أن مسعاه للحصول على صلاحيات أوسع هو مكافأة مستحقة لزعيم أعاد القيم الإسلامية إلى قلب الحياة العامة وساند الطبقة العاملة المتدينة وأنشأ مطارات ومستشفيات ومدارس.
ويخشى معارضون من ميل إلى الاستبداد تحت حكم رئيس يرونه أدمن السلطة ولا يتسامح مع المعارضة ومن انسحاب تدريجي من المبادئ العلمانية التي أرساها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك ومن إبعاد بلادهم أكثر عن القيم الغربية بشأن الديمقراطية وحرية التعبير.
وقال إرجين كولونك (65 عاماً) وهو مهندس مدني يرأس رابطة مساجد في إسطنبول تمول الجامع الجديد على تل جامليجا بالمدينة: «على مدى الخمسة عشر عاماً الماضية حقق كل شيء اعتبر من قبل مستحيلاً بالنسبة للأتراك... سواء في ذلك الجسور... الأنفاق تحت البحر... الطرقات... المطارات».
وفي مكتب كولونك على تل جامليجا، الذي كان يوماً منطقة للصيد للعثمانيين الأثرياء والآن أصبح موقعاً للاستمتاع بمشهد يطل على المدينة يرتاده الكثيرون، حمل الجدار صورة موقعة لأردوغان بجوار لوحتين لأتاتورك والسلطان عبدالحميد العثماني.
لكنّ معارضي أردوغان الذين يشملون ليبراليين علمانيين وأكراداً يميلون نحو اليسار وحتى بعض القوميين يعتبرون أن إحكام قبضته على السلطة يشكل ما قد يكون خطراً وجودياً.
وقالت نورتين كاياجان (61 عاماً) وهي ربة منزل من مدينة إزمير على بحر إيجه وهي تحضر تجمعاً صغيراً رافضاً للتعديلات الدستورية في ميناء للعبارات في إسطنبول: «إنه يحاول تدمير الجمهورية وإرث أتاتورك».
واعتلى أردوغان الرئاسة في 2014 وهو منصب شرفي إلى حد كبير وقتها بعد أن ظل رئيساً للوزراء لأكثر من عقد من الزمن وبقي منذ ذلك الحين مهيمناً على السياسة بقوة شخصيته ولم يخفِ طموحه في امتلاك صلاحيات أوسع.
وركب موجة من الوطنية منذ محاولة انقلاب فاشلة في يوليو/ تموز مصوراً بلاده في صورة المعرضة للخطر من خليط من قوى خارجية وبحاجة لقيادة قوية للدفاع عنها في وجه تهديدات من «داعش» والمسلحين الأكراد وأعداء بالداخل سعوا للإطاحة به وداعميهم الأجانب.
وأظهر استطلاع للرأي بعد أسبوعين من محاولة الانقلاب الفاشلة أنه يحظى بنسبة تأييد تبلغ الثلثين تقريباً وهي الأعلى التي يحظى بها على الإطلاق لكن استطلاعات أجريت في الآونة الأخيرة تشير إلى سباق أشد احتداماً. وأشار استطلاعان للرأي أمس الأول (الخميس) إلى أن أغلبية بسيطة ستصوت بنعم إذ قدر التأييد له بأكثر قليلاً من 51 في المئة.
ويقر القائمون على استطلاعات الرأي بأن هناك أصواتاً رافضة قد تكون مختفية في نتائجهم بين مؤيدين تقليديين لحزب العدالة والتنمية الحاكم القلقين من نزعات أردوغان السلطوية وهي أرقام يصعب تقديرها وخاصة بعد فصل أكثر من 120 ألف موظف مدني أو إيقافهم عن العمل منذ محاولة الانقلاب الفاشلة.
العدد 5334 - الجمعة 14 أبريل 2017م الموافق 17 رجب 1438هـ