إن عملية سرد التطور السياسي للدولة العيونية يسلط الضوء على مناطق كانت ذات أهمية في البحرين في تلك الحقبة، فمن خلال ما قمنا بعرضه في الحلقة السابقة، لاحظنا مدى أهمية الساحل الشرقي للبحرين، وخصوصاً جزيرة سترة، وكيف أنها كانت محل أطماع ملك جزيرة قيس، وهذا يعني أن الساحل الشرقي في تلك الحقبة كان يحتاج إلى تحصين وإلى تواجد معسكرات ثابتة بالقرب منه، وهذه النقطة سنعود إلى التأكيد عليها لاحقاً؛ حيث إن هذا الساحل لم يسلم من اعتداءات لاحقة حدثت في الفترة نفسها.
هذا، وقد توقفنا في الحلقة السابقة عند فترة تولي الأمير علي بن الحسن على القطيف وأوال، وقد كانت فترة ملْكه جِدُّ قصيرة، لم يحدد امتدادها في المراجع، وقد كان أخوه الزير قائد جيشه، وملازمه في التنقل بين القطيف وأوال، إلا أن الحال لم تستمر طويلاً حيث غدر الزير بأخيه في أوَال قرابة العام 1179م؛ وذلك عندما دخل «في المسجد المعروف بسبسب من صدد، فقتل الزيـر أخاه الأمير علي بن الحسن، ثمّ بعده مَلَك الزير بن الحسن بن عبد الله بن علي وكانت مدّة مُلْكه سنتين وأَشْهُراً وقد مات مقتولاً قرابة العام 1180م (الجنبي وآخرون 2012، ج5، ص 2989 - 2990)، (الشرعان 2002، ص 69).
من خلال تفاصيل مقتل الأمير علي بن الحسن تتضح لنا مدى أهمية الساحل الغربي للبحرين، وهو ما يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتفصيل.
سبسب وصدد في الفترة العيونية
بدأت آثار الاستيطان، في الحقبة الإسلامية، في الظهور على امتداد الساحل الغربي بدءاً من القرن الحادي عشر الميلادي؛ حيث تشير نتائج المسوحات الآثارية إلى أن أقدم المناطق التي ظهرت بها آثار استيطان في الحقبة الإسلامية على الساحل الغربي هي كرزكان والمنطقة المحيطة بعين إصخارى؛ حيث تم العثور على لقى أثرية في هذه المناطق تعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي، أي بداية الحقبة العيونية في البحرين (Larsen 1983, appendix 2).
يذكر، أن الدولة العيونية (1077 - 1239 م) اهتمت كثيراً بالزراعة، وإعادة تطوير العيون الطبيعية. وتؤكد الدراسات الآثارية أن نظام الثقب والأفلاج تمت إعادة العمل به في فترة هذه الدولة (Larsen 1983, pp. 87 - 88). ومن هذه العيون التي تم الاهتمام بها عين إصخارى التي تغذي نظام الثقب والأفلاج الذي تستفيد منه القرى المجاورة كشهركان وصدد ودار كليب. هذا، ويرجّح وجود ميناء تجاري في منطقة ما على الساحل الغربي، ليسهل عملية تنقل العيونيين بين أوال والقطيف، ولكن، وللأسف الشديد فإنه، في الوقت الراهن، لا توجد أي آثار إسلامية قديمة في هذه المنطقة، وكل ما يوجد هو جزء بسيط من بقايا العيون، وبقايا قليلة من نظام القنوات تحت الأرضية.
يذكر، أن اسم صدد، الذي ذكر في شرح ديوان ابن المقرب، لازال معروفاً حالياً كمسمى لقرية تقع على الساحل الغربي، وكذلك يوجد هناك مسجد معروف باسم مسجد سبسب، إلا أنه لا يقع في قرية صدد بل في قرية دار كليب، المجاورة لقرية صدد حالياً. وربما كانت المنطقة الساحلية بأكملها، التي تشمل صدد ودار كليب، كانت تعرف باسم صدد ثم تقلصت حدود الاسم ليقتصر على منطقة صغيرة بعينها. وقد كانت صدد بمثابة ميناء في الماضي، وكانت بها أملاك وبساتين للأمراء العيونيين، كما كانت لهم أملاك في المنطقة المجاورة لقرية كرزكان، كما سنوضح لاحقاً.
سَبْسَب ومسجد سَبْسَب
ذكر في مخطوط شرح ديوان ابن مقرب العيوني «مسجد سبسب»، وربما يكون المقصود هو المسجد المعروف اليوم بهذا الاسم والذي يقع في قرية دار كليب. وأما سبسب فقد زعم البعض أنها كانت قرية قديمة، وقد ذكر سبسب سالم النويدري في بحثه «معجم مناطق البحرين» والذي نشر في المجلد الثاني من كتاب «موسوعة تاريخ البحرين»، وجاء فيه أن سبسب كانت قرية قديمة وأنها كانت تقع جنوبي قرية (دار كليب)، وفيها مزار (الشيخ محمد السبسبي) أحد علماء البحرين في العصور السابقة». كما ينقل الجنبي عن مخطوط «تاريخ المدن والجزر السواحلية في الخليج الفارسي» الذي ألفه محمد إبراهيم كازروني في الفترة (1871 - 1885م)، ورود اسم قرية «سَبْسَب» والتي تقع في جزيرة أوال، وجاء عنها إنها بلدة قديمة وبها مسجد فخم ينسب بناؤه إلى الإمام الحسن المجتبى - عليه السلام - وذكر أن أحد خواصه - أي الإمام الحسن - مدفون فيه (الجنبي وآخرون 2012، ج5: ص 2990). وقد علق الجنبي على قول كازروني السابق بقوله: «فهو - على ما يبدو لي - من باب إسقاط الأسماء المتشابهة على بعضها وهو كثيرٌ في المنطقة، ويتراءى لي أن الذي بنى هذا المسجد ربما يكون الأمير الحسن بن عبدالله بن علي العيوني، والد الأميرين علي والزير ابني الحسن المذكورين هنا من قبل صاحب النبذة، ولعل قول الكازروني في هذا المخطوط عن مسجد سبسب أن أحد خواص الأمام الحسن مدفون فيه ربما يكون المعني هو الأمير علي بن الحسن بن عبدالله العيوني قتيل أخيه الزير في هذا المسجد» (الجنبي وآخرون 2012، ج5: ص 2990 - 2991).
أياً كان، سواء كان المسجد المذكور في المخطوطة هو ذاته مسجد سبسب الحالي أم لا، تبقى هناك حقيقة أن منطقتي صدد ودار كليب كان بالقرب منهما ميناء، وأن بها أملاكاً للعيونيين، وأن بها مسجداً يصلي فيه الأمير العيوني، ولا بد من وجود تبعيات أخرى، كجيش، أو قلعة أو قصر، ولا بد من وجود كثافة سكانية في هذه المنطقة، فهاتان المنطقتان، وبلا شك، كانتا ذات أهمية في فترة الدولة العيونية. وبالتالي، فكلا الساحلين الشرقي والغربي للبحرين كانت لهما أهمية في تلك الحقبة، ومن الضروري تواجد جيوش أو نوع آخر من الحماية في هذه المناطق، فهل كان يوجد بها؟ يتبع.