العدد 5333 - الخميس 13 أبريل 2017م الموافق 16 رجب 1438هـ

مبادرة دعوا الطبيعة تتكلم... المشروع الحضاري

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

الطبيعة القيمة الإنسانية وسمفونية الحياة ومصدر الإلهام الإنساني والسعادة البشرية، وإليها تتوجه الأنظار وتشخص أهميتها العقول البشرية الحكيمة في بعد فهمها الإنساني للعمل في ابتكار طرق الحفاظ على معالمها، وصون توازن نظامها الطبيعي، والعقول المسئولة والحكيمة في بعد تشخيصها لأهمية البيئات الطبيعية ومقوماتها الحيوية كثروة مهمة لحياة واستدامة بقاء واستقرار الأمن المعيشي للجنس البشري، تُمعن النظر في البحث عن المخارج المنهجية، وبناء المبادرات التي يمكن أن تساهم في إحداث تحول نوعي في الأنشطة البشرية الواعية في مسارات عملها لصون الأمن البيئي لكوكب الأرض، وتبتكر مُؤسَسَات المخارج والمناهج والتشكيلات التنظيمية والمبادرات الإبداعية، في توحيد الجهود وبناء الشراكة المجتمعية، وتمكين وتحفيز القدرات الاجتماعية في المساهمة الفاعلة في الحراك البيئي، وتعزيز الحوكمة الرشيدة التي تتبنى مبدأ الشفافية والمساءلة في صون معالم النظام البيئي، وإنجاز أهداف المشروع العالمي والوطني للتنمية المستدامة.

البحرين نموذج لذلك الواقع، وتتميز بثرائها النوعي في الحراك المدني البيئي، ويتمثل ذلك في المجموعات التطوعية التي تنشط بفاعلية في دعم مشاريع التنمية المستدامة، ويتوافق الجهد الوطني في بعده الاستراتيجي مع الجهد العالمي في مضمون أنشطته، وفي العمل المؤسس في أبعاد أهدافه لتحقيق جودة المنجز في بناء الثقافة والسلوك المجتمعي الحكيم في العلاقة مع معالم البيئات الطبيعية، وطرق الحفاظ على نقائها ومناهج استثمارها الرشيد والحكيم، بما يعزّز استدامتها كمصدر للحياة على كوكب الأرض، وصون بقاء معالمها كثروة وحق لمعيشة الأجيال الحالية والمقبلة.

وتشير ثوابت دلالات الجهد الوطني للحراك المدني البيئي في بلادنا إلى المؤشر الإيجابي في الوعي المسئول لفئة مميزة في المجتمع الملتزمة بمحددات المسئولية المجتمعية، في الارتقاء بمستوى المسئولية، والوعي المجتمعي في تعزيز فاعلية ثقافة المبادرات الوطنية المُؤسَسَة في أهدافها وبناء البدائل والمخرجات، ضمن خريطة العمل الوطني في ترسيخ واقع أهداف التنمية المستدامة، بما يساهم في تحسين الظروف المعيشية للمجتمعات المحلية، وأنسنة الواقع البيئي للمجتمع.

مبادرة دعوا الطبيعة تتكلم، من المشاريع البيئية الواعدة في بناء منهج مُؤسَس في أهداف الحراك الاجتماعي البيئي، يمكن أن يساهم في دعم الجهود الوطنية لإنجاز أهداف التنمية المستدامة، وجرى إعلان المبادرة في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2016 ضمن البرنامج البيئي على ساحل باربار، وتبنى فكرة إطلاقها مؤسس مشروع السلام 2000 الفنان التشكيلي عباس الموسوي، والخبير التربوي فاضل حبيب، وساهمنا في بناء أهداف المبادرة كفريق واحد يرتكز على مبادئ المسئولية الاجتماعية، والشراكة في تبني المشاريع البيئية.

وتسترشد المبادرة في أهدافها وأنشطتها بثوابت قيم المنهج الوطني المؤكدة في مبادئ الدستور، وميثاق العمل الوطني، وفي مبادئ القانون البيئي والاستراتيجية الوطنية للبيئة، والخطط والبرامج الاستراتيجية للتنمية في مملكة البحرين، والمبادئ البيئية والإنسانية التي تقرها الأهداف الوطنية والعالمية للتنمية المستدامة.

البرنامج البيئي على ساحل كرباباد الخطوة الثانية لمبادرة دعوا الطبيعة تتكلم، وجرى تنظيم البرنامج بالارتكاز على مبدأ الشراكة، وذلك استجابةً لمبادرة جمعية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تنظيم برنامج للتوعية بالحفاظ على ساحل كرباباد، وجرى تنظيم البرنامج بالتعاون مع أمانة العاصمة، وبمشاركة مجموعات العمل التطوعي، (مشروع السلام 2000 ومجموعة كلين أب بحرين وفريق إيثار لحماية الحياة البحرية). وارتكز البرنامج على منظومة من الأهداف تمثلت في، المساهمة في دعم المشروع الوطني للتنمية المستدامة، ودعم خطط المملكة لتنمية وتطوير السواحل، وتفعيل الشراكة المؤسسية والمجتمعية في تأهيل وتنمية البيئات الساحلية، وتنمية الوعي الاجتماعي في أهمية صون معالم البيئات الساحلية، والمساهمة في تأهيل وتطوير ساحل كرباباد والارتقاء بقيمته الخدمية والبيئية، والمساهمة في بناء خطة تنموية لجعل ساحل كرباباد معلماً للسياحة البيئية، وواجهة حضارية لمملكة البحرين، وإبراز أهمية الحفاظ على ساحل كرباباد وصون بيئاته الطبيعية ليكون معلماً اجتماعياً وثروة تاريخية وتراثية.

الطموح في إحداث تحول نوعي في واقع الشريط الساحلي تجسد في خطة عمل البرنامج، وتمثل في تبني الاتجاهات المرحلية في إنجاز أهداف البرنامج، وشملت المرحلة الأولى تنظيم حملة تنظيف وتوعية مرتادي ساحل كرباباد، وإقامة نشاط فني بإشراف الفنان عباس الموسوي والفنان محمد ميرزا طه، وضمّ معرضاً فنياً شمل لوحات معبرة عن البيئة وورشة عمل فنية ركزت على إبراز القيمة الجمالية والحضارية للبيئات الساحلية بهدف توعية مرتادي الساحل. وتشمل المرحلة الثانية تقييم نتائج البرنامج وتحديد مؤشرات العمل للمرحلة الثالثة، وتنظيم ندوة تعريفية عن إنجازات البرنامج ومتطلبات المشروع في تنمية وتطوير ساحل كرباباد، بمشاركة الجهات المعنية والمختصين بالشأن التنموي والبيئي. والمرحلة الثالثة دراسة خطة العمل التنفيدي وتحديد الاتجاهات المنهجية لبناء خريطة الطريق بالتعاون مع جهات الاختصاص ومؤسسات القطاع الخاص، تتمثل في تحديد الإجراءات المهنية، ومتطلبات التأهيل البيئي للشريط الساحلي، وتحديد متطلبات تطوير البنى التحتية. ويخلص البرنامج في تحديد اتجاهات المرحلة الرابعة ويجري تحديد مهامها في تقييم ما جرى تنفيذه من إجراءات، وتشخيص متطلبات المرحلة اللاحقة في تحديد الاتجاهات التنظيمية والإدارية للارتقاء بفاعلية الساحل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية.

وينبغي الإشارة إلى أن ما جرى تحديده في خطة عمل البرنامج، لا يتعدى سقف الطموح بعد أن تبين للقائمين على البرنامج وجود معوقات قانونية تمنع إنجاز ما جرى التخطيط في إنجازه، ما دفع رئيس جمعية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبدالحسين الديري في حفل افتتاح البرنامج توجيه دعوة لأصحاب القرار للمساعدة في إيجاد مخرج للعمل على «إنشاء متنزه أو ممشى بحري بمسافة قصيرة من هذا الشريط الساحلي الممتد ليكون متنفساً ومقصداً للأهالي، وعموم الزائرين من المواطنين والقاطنين في بحريننا الحبيبة ليستمتعوا بما وهبتنا الطبيعة، وما هو موجود من عبق التاريخ ليشكل معلماً حياً يحسب من ضمن إنجازات الحكومة الرشيدة».

إن الرسالة التي ينبغي إدراكها أن المعالم الطبيعية هي ثروتنا، ثروة بلادنا، ثروة مجتمعنا، ثروة الأجيال المقبلة، وهي مصدر حياتنا ومصدر معيشة مجتمعنا، وإن المعني بفهم أبعاد الرسالة بشكل رئيسي ليس الأفراد العاديين؛ بل العقول الإدارية والمخططون الاستراتيجيون الذين ينبغي أن يَعوا هذه الحقيقة، إذ أن المخطط الاستراتيجي إذا ما أدرك حقيقة المخاطر البيئية وضرورة الحفاظ على البيئات الطبيعية، فإنه من الطبيعي أن يعمل وفق تلك المؤشرات والحقائق في بناء الخطط الملتزمة بالحدود والمعايير، التي تؤكدها المواثيق الدولية ومبادئ القانون الوطني البيئي والاستراتيجية الوطنية للبيئة، وكذلك مبادئ ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين. وتلك المعايير والمحدّدات ينبغي أخذها في الاعتبار عندما نفكّر في وضع خطط التنمية، تلك هي الحقيقة التي ندعو إلى فهمها، والحرص في العمل على الامتثال بمحدداتها لضمان استبعاد المخاطر البيئية، وتعزيز مقومات الأمن البيئي لمملكة البحرين.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5333 - الخميس 13 أبريل 2017م الموافق 16 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً