كثيرة هي الأمثلة والنماذج من الممارسات المتسمة بالعنصرية والتمييز، وقليلة هي بالمقابل نماذج وصور الممارسات المعبرة عن المساواة بين الناس على رغم أنها مطلب إنساني ومفهوم يتشدق به الجميع، تنص عليه مختلف الدساتير والقوانين والأنظمة. المساواة بين الناس إحدى ركائز استقرار أي مجتمع وتطوره، ومن دونها تنشأ الطبقية وتتعزز العنصرية وتتباعد المكونات الاجتماعية.
المساواة بمفهومها المبسط هي التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من دون التمييز بين الناس على أساس العرق أو المعتقد أو الجنس أو اللون أو الرأي السياسي أو المستوى الاجتماعي. وتشمل في بعض جوانبها أن يكون الجميع سواسية أمام القانون، وأن تتاح لهم فرص متساوية في الوظائف العامة، وأن ينالوا توزيعاً عادلاً من الثروات العامة.
تغيب مبادئ المساواة عن حياتنا العامة بشكل دائم، وتحل محلها أنماط من التمييز الذي يمارس بوعي أو من دون وعي، باعتباره مقبولاً ضمن الثقافة العامة للمجتمع. فالوالدان في منزلهما يميزان بين الأبناء والبنات لاختلاف الجنس، وأرباب العمل يميزون ضد مرؤوسيهم باعتبار الجنسية أو العرق، والمسئول قد يميز بين موظفيه لاعتبارات قبلية أو دينية أو غيرها، وهكذا تتواصل دوائر الحرمان من المساواة بين الناس.
الأخطر في الأمر أن هذه الممارسات تتحول إلى عادات مقبولة في العرف الاجتماعي، ولا تجد لها آلية قانونية تساهم في معالجتها والحد منها، ولا لوسائل تثقيف وإعلام وتربية تتناولها بوضوح وصراحة.
عندما تسود المساواة بين الناس يشعر كل فرد بمكانته وبشخصيته وينطلق مؤمناً بقدراته وبكفاءته لا بنسبه أو منطقته أو موقعه الاجتماعي، وذلك ما يخلق التنافس المحمود الذي يدفع بالإبداع، ويتيح فرص التقدم وتبوؤ مختلف الوظائف. وعندما تتحقق المساواة فإنها أيضاً تحد من سوء استغلال السلطة، ومن الاعتداء على حقوق الضعفاء والفئات المهمشة حيث توفر لهم غطاءً قانونياً للدفاع عن حقوقهم.
لكي تكون المساواة واقعاً في مجتمعنا - وهو أمر تتنافس فيه المجتمعات الإنسانية - فإنه ينبغي أن نجتهد لمحاربة ومواجهة وفضح أي شكل من أشكال التمييز بين أفراد المجتمع. المساواة في نهاية المطاف تتحقق عندما تتوافر الضمانات القانونية التي تحميها ليس على الصعيد النظري فقط بل على أرض الواقع أيضاً.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 5331 - الثلثاء 11 أبريل 2017م الموافق 14 رجب 1438هـ