حالة الفوضى التي سادت المراكز الاجتماعية المخصصة لتلقي استفسارات المواطنين مطلع الشهر الجاري، لا تليق بكرامة أبناء هذا البلد وشيوخه ونسائه، فالكل كان يتوقع مزيدا من التنظيم والانضباط والسلاسة لإنجاز معاملته بيسر وسهولة، وخصوصا أن وزارة التنمية الاجتماعية لا تمر بهذه التجربة للمرة الأولى، بيد أن ما حدث شكل صدمة الجميع.
مديرة إحدى المراكز الاجتماعية، شكت من عدم قدرة طاقمها الوظيفي على استيعاب طلبات المراجعين الراغبين في تصحيح بياناتهم، ولديها جهاز كومبيوتر وحيد في قبالة العشرات ممن اصطفوا في طوابير طويلة، وذلك يعبر بصورة غير مباشرة عن عدم الاستعداد الكافي لاستيعاب الحشد الواسع من المواطنين، وربما يعود ذلك لتوقع المعنيين في الوزارة أن العدد سينخفض بعد خفض راتب رب الأسرة المستحق من 1500 إلى 700 دينار.
ولم نجد في تأكيد مديرة إدارة العلاقات العامة والدولية بالوزارة في تصريحها المنشور في الصحف المحلية، بأنه سيتم إفساح المجال أمام المواطنين لتعديل بياناتهم من خلال الموقع أي ترجمة فعلية على أرض الواقع، وبالتالي يمكننا القول إن المواطن وجد نفسه في مأزق لا يحسد عليه، فهو غير قادر على تصحيح بياناته من خلال المراكز المخصصة لذلك، ومجبر على الانتظار حتى تاريخ 15 يوليو/ تموز الجاري لتقديم تظلمه، فيما الموقع الإلكتروني يرفض كل محاولاته بحجة أنه سبق له التسجيل ولا يمكنه إجراء أي تعديل.
أما من أدخلوا جميع بياناتهم الشخصية بصورة صحيحة منذ تدشين الموقع منتصف يونيو/ حزيران الماضي، فلم يكونوا أوفر حظا من غيرهم، فحتى هذه اللحظة يتساءل كثيرون منهم عن مصير الرسالة النصية الموعودة التي ستصلهم عبر هاتفهم المتنقل أو بريدهم الإلكتروني، ومضى عليهم 20 يوما ومازالوا يطرقون أبواب الصبر.
الحكومة لديها قاعدة معلومات ضخمة عن كل مواطن أو مقيم أو زائر، ويمكن لأي راغب في إصدار البطاقة الذكية من خلال الجهاز المركزي للمعلومات أن يستشف هذه الحقيقة، فبمجرد أن يذكر رقمه السكاني للموظف، يخبره مباشرة عن اسم والدته وأخواته ومكان سكنه وعدد أولاده واسم زوجته وموقع عمله، وإذا تركه يستطرد فمن الوارد أن يذكر له راتبه الذي يتقاضاه ومن أية جهة، وما إذا كان يمتلك سجلا تجاريا أم لا، من المحتمل أن يعرج على مسيرته التعليمية والمدارس التي تلقى دروسه فيها.
وبالتالي لا يوجد ما يمكن أن يقنع البحريني الفقير المسكين في ظل التقدم التقني والتكنولوجي، أن معلوماته لا يمكن حصرها إلا بحضوره الشخصي، فكبسة زر صغيرة قادرة أن تكشف عن أمور ربما لا يعرفها هو عن نفسه.
إن مشهد تقاطر الناس ووقوفهم على أبواب المراكز الاجتماعية منذ فجر مطلع الشهر الجاري، يفصح عن رواتب زهيدة، ووضع معيشي صعب جدا تعيشه أسر لا يمكنها تأمين احتياجاتها اليومية الضرورية، ولا شك أنها تحتار في كثير من الأيام وهي تبحث عما يسد جوع أبنائها، فلو كانت غير ذلك لما تكبدت عناء المجيء والوقوف لساعات، ومبلغ الـ50 دينارا الذي يراه البعض مذلة، يعتبره أولئك وسيلة للتخفيف من وطأة متطلبات الحياة وقسوتها.
ما ننشده ليس مستحيلا أو أمرا يخالف السائد والمألوف، فتذويب القليل من التعقيدات والإجراءات المملة الطويلة، قادر على خلق نَفس طويل لدى مستحقي الدعم المالي، فما يأملونه هو جزء يسير من حقوقهم المترتبة على الدولة، من منطلق كونها الحاضن الأول لهم والمسئول المباشر عن توفير السكن والوظيفة والأمن والعيش الكريم الذي يليق بكونهم بشرا.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2496 - الإثنين 06 يوليو 2009م الموافق 13 رجب 1430هـ