كيف تعاطت الحكومة الإسرائيلية مع عملية «حماس» في القدس المحتلة التي وقعت الخميس الماضي؟ ردت بالمزيد من الاحتلال ونسف البيوت وطرد العائلات من منازلها. هذا النوع من الرد ليس جديدا بل هو المنهاج الذي قامت عليه الدولة منذ تأسيسها في العام 1984.
الحكومات الإسرائيلية على أنواعها ترى في العمليات الفدائية والاستشهادية فعلا هجوميا، واحتلالها وتدميرها المنازل وتشريدها للعائلات هو رد فعل على عمل عسكري عدواني. فالعدوان - برأي الاحتلال - ليس هو الفعل الأول، وليست العمليات الفدائية هي الفعل الثاني أو الرد الطبيعي المنطقي على العدوان والاحتلال والتشريد والطرد. الحكومات الإسرائيلية ترى ان فلسطين أرضها والفلسطينيون يريدون انتزاعها منها عن طريق القوة والعنف. فهي - أي الحكومات - في حال دفاع عن النفس، والمدافع عن نفسه يضطر إلى اتباع كل الأساليب لحماية حقه من جماعة تهوى العنف والقتل من دون مبرر أو سبب.
هكذا تقدم الحكومات الإسرائيلية نفسها إلى العالم، وهكذا تقرأ العمليات العسكرية (الفدائية والاستشهادية) التي تقوم بها المنظمات الفلسطينية بين فينة وأخرى.
المشكلة ليست في الصورة التي دأبت الحكومات الإسرائيلية على تقديم نفسها من خلالها للعالم. المشكلة ان بعض هذا العالم يصدق هذه الكذبة أو انه يدعي انه يجهل الخدعة ويتظاهر بعدم معرفته بالحقيقة ويصر على اتباع نهج انسحابي أحيانا أو داعم لـ «إسرائيل» في معظم الأحيان. والمشكلة الأهم هي في جهتنا. ومشكلة أصحاب الأرض والحق انهم فشلوا في تقديم قضيتهم بأسوب يظهر الصورة الحقيقية لواقع المسألة وتعرجاتها وتعقيداتها. نحن لا نعرف ماذا نريد وما هو السبيل السوي للوصول إلى هدفنا في حال اتفقنا أو حددنا سؤال ماذا بعد؟ وبسبب هذا الفارق بين المستويين نجحت حكومات «إسرائيل» في استخدام الالتباس المذكور للنفاذ بمشروعها في المنطقة بغطاء دولي بدأ بأوروبا وانتهى بأميركا.
الآن وصل الأمر إلى مفترق خطير. فكل المحطات الفلسطينية في تاريخنا المعاصر كانت صعبة، أما في وقتنا الآني فالمحطة خطرة جدا لأننا مقبلون على تطورات اقليمية قد تمس الجغرافيا السياسية للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الأولى. فالحرب لم تعد تقتصر على الفلسطينيين، والمشروعات المقبلة لا تكتفي بالحد الأدنى من الانتصار الإسرائيلي بل انها تحاول تطوير الحد المقبول إلى حد غير منطقي ولا معقول. وهنا الخطورة. ففي وقت نجحت الضغوط الدولية والاقليمية في فصل القضية الفلسطينية عن محيطها العربي وعزل الشعب الفلسطيني سياسيا عن مصير المنطقة، اتجهت تلك الضغوط نحو ربط مسار الوجود الإسرائيلي وتفوقه بضعف المنطقة العربية. فالفلسطيني يجب ان يفك ارتباطه التاريخي - الجغرافي بالمنطقة العربية حتى يعطى بعض حقه (بقايا أرض وهياكل دولة) والإسرائيلي حتى يبقى منتصرا في أرض غيره يجب أضعاف المنطقة العربية، وتحديدا دول الجوار المحيطة به، على مختلف المستويات وخصوصا الجانب العسكري.
حاربت القيادة الفلسطينية سلسلة عقود من أجل تثبيت فكرة «القرار المستقل» وحين انتزعت شرعيتها العربية والدولية تنازلت عن حقها في الأراضي المحتلة كما نص القرار الدولي 242 حين وافقت على فكرة التفاوض عليها. القيادة الفلسطينية وافقت على التفاوض حتى تنتزع من «إسرائيل» اعترافها بالقرار الدولي. وإسرائيل وافقت على التفاوض لأنها ترى أن أراضي 1967 ليست محتلة بل هي منطقة متنازع عليها لها فيها حقوق كما للفلسطيني حقوقه.
هذه النقطة شكلت ثغرة في جدار الاتفاقات التي وقعت بين الطرفين. الأول يريدها كما هي، والثاني يريد مناصفتها معتبرا ان الرفض يعطي «إسرائيل» الحق بالرد متى تشاء وأين تريد؟
القضية الفلسطينية تمر الآن في مرحلة فاصلة، إذ انها تعيش أجواء انقلاب دولي على المنطقة العربية. لذلك فإن تعاطي «إسرائيل» مع العمليات العسكرية سيكون أكثر عنفا وظلما من قبل. والخطورة الفعلية حين يكون الثمن مضاعفا
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 78 - الجمعة 22 نوفمبر 2002م الموافق 17 رمضان 1423هـ