في يوم الانتخابات الإيرانية، كان عنوان مقال الجمعة: «موسوي أم نجاد؟»، وبعد يومين كان مقال الأحد: «نجاد... مرة أخرى؟»، أما مقال الإثنين فتطرّق لانتخابات لبنان وإيران، حيث فازت «الموالاة» فيهما وانهزمت «المعارضة» على خلاف كثيرٍ من التوقعات.
المقال التالي كان بعد أسبوع: «جُمُعتان حاسمتان»، (الأولى الانتخابات والثانية خطاب الخامنئي)، حيث مالت الأمور بعده نحو التهدئة.
في هذا الأسبوع، أخذت وتيرة الخطاب تتصّاعد، من جانبي الصراع. فالمرشح الخاسر مير موسوي أعلن عدم اعترافه بشرعية حكومة نجاد، وتبعه في ذلك المرشّح المعمّم كروبي الحاصل على أقل من 1 في المئة من أصوات الناخبين. بالمقابل صعّد الجانب الرسمي هجومه باتهام شخصيات المعارضة بالعمالة للغرب.
آخر خطوات التصعيد دعوة علي رضا بهشتي (المقرّب من موسوي) البرلمان إلى عزل نجاد، قابلها مطالبة إمام جمعة طهران بمحاكمة موسوي بتهمة الخيانة، فالتصعيد يجرّ إلى تصعيد مضاد، في هذه اللعبة المكشوفة للصراع على السلطة بين أجنحة الحكم.
الحكومة ذهبت في طرحها إلى تصوير ما جرى على أنه مؤامرة غربية، دبّرتها المخابرات الأجنبية، مستفيدة من نكأ الذاكرة المثقلة بالإرث الاستعماري لكلٍّ من بريطانيا والولايات المتحدة. فالأولى هي التي استعمرت إيران طويلا ونهبت خيراتها وساندت حكم الدكتاتورية والطغيان. والثانية هي التي أعادت الشاه إلى العرش من منفاه الأول بعد إسقاط حكومة مصدّق، ووضعت يدها على الثروة النفطية من جديد، وحوّلت إيران إلى جبهةٍ متقدمةٍ في الصراع مع الاتحاد السوفياتي إبان فترة الحرب الباردة.
مهما كان تقييم شخصية موسوي اليوم، أو خطأ حساباته، أو حتى تصريحاته الغريبة التي ذهب فيها للحديث عن استعداده للاستشهاد، فإن من المؤكد أنه ليس عميلا أميركيا ولا بريطانيا. وما أعقب الانتخابات من مظاهرات إنما كانت ردة فعل على شعور جمهوره بالخيبة، في وقتٍ كان يتوقّع فيه انتصارا كاسحا يطيح بنجاد «الديكتاتور»، «الذي لا يليق لحكم إيران»، وغيرها من شعارات «نخبوية» كرّرها المرشّحون أمام جمهورهم في المدن الكبرى إبان الحملات الانتخابية، حتى أقنعوه بأنها الأيام الأخيرة لنجاد في الحكم.
ما يُحسب لنجاد الذي لا يُعجب «النخبة»، والذي تكرهه «إسرائيل» وأميركا وكل دول الاتحاد الأوروبي، أنه لو هُزم في الانتخابات، لما أقدم على تحريض أنصاره على النزول إلى الشارع، ولما شكّك في النتيجة، ولما أعلن عن استعداده بصورةٍ مسرحيةٍ للاستشهاد. ولو فعل ذلك لما صدّقه أحد، أو استدر دموع أحد، فما جرى إنما هو صراعٌ «دنيوي» على السلطة باختصار، استبيحت فيها ثوابت وأركان نظام الحكم في بلادهم. وما كان للحكومات الغربية أن تتدخّل حتى على مستوى التشكيك في نزاهة الانتخابات لو لم يشكّك فيها المرشّحون المهزومون أنفسهم، وكلهم من أبناء النظام، فمنهم رئيس وزراء، ورئيس مجلس شورى، وقائد حرس ثوري.
هؤلاء المتنافسون الثلاثة، ومهما قيل عن مواقفهم الأخيرة التي أضرّت كثيرا ببلادهم، أكثر مما أضرّ بها «صوت أميركا» أو الـ «بي بي سي»، وشوّهت سمعة تجربتهم الديمقراطية التي شهدت نسبة عالية جدا من المشاركة، فإن من المؤكد أنهم ليسوا عملاء أو خونة أو مأجورين.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2496 - الإثنين 06 يوليو 2009م الموافق 13 رجب 1430هـ