العدد 2496 - الإثنين 06 يوليو 2009م الموافق 13 رجب 1430هـ

الحيز الإيراني في خريطة العلاقات الشرق أوسطية 2/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الخطأ القبول بمقولة أن نجاح أحمدي نجاد في الانتخابات يعني استمرار إيران، في سياستها الخارجية التي سبقت الانتخابات. مثل هذا المنطق الإستاتيكي يفقد أية قوة سياسية خليجية أية قدرة على نسج أي شكل من أشكال العلاقة مع طهران، ويجردها بالتالي من إمكانية رسم استراتيجية سياسة خارجية للمنطقة نظرا للثقل الذي تتمتع به إيران في ميزان القوى المؤثرة في مسار الأوضاع السياسية في المنطقة واتجاهاتها.

الأمر المنطقي الآخر أنه لابد عند أية محاولة لقراءة السياسة الخارجية الإيرانية، من الخروج بتقييم صحيح للأوضاع الاقتصادية الإيرانية، التي من الطبيعي، وفي ظل الظروف القائمة التي تعيشها إيران، أن يوليها نجاد الاهتمام الذي تستحقه، في علاقاته التي يطمح إلى بنائها مع أي من القوى السياسية الفاعلة في المنطقة، محلية كانت أم دولية. ولفهم هذه العلاقة بشكل أفضل، يمكننا العودة، كما يقول حسام طوقان إلى الرسالة المفتوحة التي بعث بها 50 اقتصاديا إيرانيا في 15 يونيو/ حزيران 2006، إلى نجاد ذاته، «متهمين سياساته بأنها غير علمية، ومشيرين إلى أن سياسة توزيع عائدات النفط التي انتهجتها حكومته لم تكن مجدية في تخفيض حدة ارتفاع الأسعار في إيران. كما أن سياسات نجاد الخارجية خلقت الكثير من التوتر، مما ضيع فرصا استثمارية كثيرة على البلاد».

لكن بعيدا عن كل ذلك، ستجد حكومة نجاد نفسها مطالبة، قبل الإقدام على رسم سياسة خارجية الالتفات نحو الداخل لمعالجة قضايا مثل التضخم الذي يرى بعض الاقتصاديين الإيرانيين أنها قد تتراوح بين 11 في المئة و15 في المئة، ونسبة بطالة تتراوح بين 11في المئة و17 في المئة، وربما تبلغ في صفوف الشباب 21 في المئة. وهناك العجز في ميزانية الدولة الذي يعتبر الأعلى منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران.

على هذه الأرضية الاقتصادية الداخلية ستنطلق السياسة الخارجية كي ترسم معالم الحيز الذي سوف تحتله إيران في ساحة الشرق الأوسط من خلال القضايا التالية:

1. الملف النووي الإيراني، والذي يبدو أن إيران نجحت في «تليين» الموقف الأميركي من جهة، وكسب شيء من التعاطف الأوروبي من جهة أخرى. ولكي نستقرئ آفاق هذا الملف، وخصوصا فيما يتعلق بعلاقات إيران مع واشنطن، يمكننا العودة إلى ما عرف في التسعينيات من القرن الماضي بملف «إيران كونترا»، عندما نجحت إيران وسط ظروف إقليمية من الحصول على أسلحة أميركية، رغم حالة العداء المستشرية حينها بين البلدين. وبصرف النظر عما دار من لغط حول ذلك الملف، لكنه عبر عن قبول الطرفين: أميركا وإيران، بتجميد خلافاتهما لخدمة هدف مشترك. الأمر يمكن أن يتكرر اليوم، فنشهد مرونة من الطرفين: طهران وواشنطن، عند معالجة الملف النووي الإيراني، الأمر الذي يمكن أن ينجم عنه اعتراف أميركي بدور معين لإيران في المنطقة، وهو سيناريو لابد وأن تضعه الدول العربية في الحسبان، نظرا لما ذلك من انعكاسات سياسية على الأطراف ذات العلاقة، ومن بينها إيران، بتطور الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.

2. الصراع العربي- الإسرائيلي، والذي أخذت إيران، منذ انتصار الثورة الإسلامية، موقفا واضحا إزاءه. لكن التحولات التي عرفتها المنطقة، وخصوصا بعد حرب يوليو/ تموز 2006 بين «حزب الله» و«إسرائيل»، وأخيرا الهجمات «الإسرائيلية « العسكرية التي لم تتوقف على غزة، والاصطفاف السياسي العربي والفلسطيني المتمخض عن كل ذلك، قد يدفع إيران إلى بعض التغيير في مواقفها. وبالتالي على الدول العربية أن تهيئ نفسها لتحولات غير مسبوقة في خريطة التحالفات السياسية، وخاصة في المحور السوري- الفلسطيني- الإيراني، خاصة إذا ما أخذ في الاعتبار نتائج الانتخابات اللبنانية وإفرازاتها على القوى السياسية اللبنانية، وامتداداتها الإقليمية، بما فيها إيران. لا من المتقوع أن يشهد المحور الفلسطيني- السوري- الإيراني بعض التحولات التي في غير صالحه، خاصة إذا ما توصل الطرفان الفلسطينيان: «فتح» و«حماس» إلى اتفاق يجمد الخلافات المشتعلة بينهما.

3. إنتاج النفط وأسعاره، ففي ظل التذبذب المستمر في أسعار النفط، وأخذا بعين الاعتبار تنامي أسواق جديدة له في الصين والهند، ومراعاة للأوضاع الاقتصادية الإيرانية غير المريحة التي ترغم إيران على زيادة مدخولها من بيع النفط والغاز، قد تلجأ إيران إلى الضغط على دول الأوبك من أجل زيادة حصتها الإنتاجية، أو الوصول إلى أسعار تمكنها من الحد من تدهور الأوضاع الاقتصادية فيها. هذا الأمر من الطبيعي أن ينعكس بشكل مباشر على العلاقات الإيرانية العربية، وخاصة الدول النفطية منها في الكتلة العربية.

هذه الملفات ليست غائبة عن أذهان الدوائر السياسية الإيرانية، وقد كانت واضحة في البرامج الانتخابية للمرشحين للرئاسة، بمن فيهم نجاد، لكن الأهم من ذلك كله، هو غياب النظرة المطلوبة لدى الشق الآخر من المعادلة، والذي هو الطرف أو بالأحرى الأطراف العربية. فحتى الآن لايزال الموقف العربي، متذبذبا ليس من إيران وحدها فحسب، وإنما من كل القوى ذات العلاقة المباشرة بالأوضاع في الشرق الأوسط.

من هنا تبرز ضرورة أن تبادر دولة عربية، وتتقدم الصفوف، وتمتلك الجرأة الكافية الضرورية التي تفتح ملفا جديدا مع إيران، بما يخدم المصالح العربية أولا، دون أن يقود ذلك إلى التضحية بالمصالح الإيرانية. وهناك الكثير من ملفات المصالح المشتركة بين العرب وإيران، التي بات الوقت يلح كي نقوم نحن العرب، قبل الإيرانيين، بفتحها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2496 - الإثنين 06 يوليو 2009م الموافق 13 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً