هذا المقال كتبته بث كالوويه ونشر في العدد 220 لصيف 1950م من مجلة «أريبيا كولنج» التي كانت تصدرها الإرسالية العربية (الأميركية) في الخليج.
وجاء في مقدمة المقال أن كالوويه مبشّر من الكنيسة المعمدانية الجنوبية. وقبل بضع سنوات قررت تلك الكنيسة أن تفتح عملاً لها في شبه الجزيرة العربية وتم اقتراح مدينة حضرموت مقرا لها. وعرض مجلس إدارة الإرسالية العربية حينها خدماته لتقديم أي تعاون مفيد بين الطرفين وكان الكاهن وحرمه ميريل كالوويه يعيشان في البحرين ويدرسان اللغة العربية وطرق الإرسالية، وانضم إليهما مؤخراً الطبيب براون وزوجته لورن كمبشرين طبيين، بالإضافة إلى الآنسة روث سوان، الممرضة التي جاءت بعد ذلك عن طريق البحر.
بينما كنت وزوجي ندرس في هارفارد ورادكليف كتبنا إلى صموئيل زويمر نطلب مقابلته في رحلته إلى بوسطن. اعتقدنا أننا نريد مشورته حول بعض الأمور التي تخص الإسلام لكننا في الحقيقة نريد أن نخبره عن خططنا المتوهجة للعمل في فلسطين ولبنان. على رغم ذلك، في كل مرة نتحدث بحماس عن خططنا لفلسطين يكون رده: «نعم ذلك جيد لكن، بعد قضاء سنتين في فلسطين ينبغي حقاً أن تذهبا إلى شبه الجزيرة العربية». لم نكن نحلم بأن نصيحة زويمر ستتحول إلى إرادة الرب لنا. لقد أمضينا سنتين ونصف السنة في فلسطين لكننا الآن في البحرين منذ سنتين تقريباً، بناء على دعوة كريمة من الإرسالية العربية بينما نحن نحضّر لعمل حياتنا في أجزاء أخرى غير منصّرة من شبه الجزيرة.
حينما بدأنا الرحلة من فلسطين كانت عقولنا بصورة طبيعية مملوءة بأسئلة حول البلد الجديد الذي نحن ذاهبون إليه. كيف سيكون مختلفا؟ هل عرب البحرين سيكونون نفس عرب فلسطين؟ ماذا عن دين الاسلام كما هو موجود في شبه الجزيرة العربية، هل سيكون أنقى، أكثر تطرفا؟ كيف ستكون الفرص للوعظ برسالة فداء المسيح للأرواح المفقودة من الرجال مقارنة بالفرص في فلسطين؟
لدى وصولنا إلى البحرين، أُعجبنا بالحفاوة الطيبة لسكانها العرب لنا. فعندما نخرج للزيارة يفسحون الطريق لنا لكي نشعر بأننا في وطننا. ما أكرمهم في وجبات الطعام الخفيفة! يجب ألاّ نترك المكان بدونها أبداً وحتى الناس الأكثر فقراً يحضرون صواني ضخمة مليئة بالطعام لنا. يصرون دائماً على أن نأكل أكثر مما نستطيع وغالباً أكثر مما يمكن أن نأكله براحة. المرء يشعر بصورة متكررة بأنه متردد جداً في تناول أو أخذ كمية كبيرة، عارفاً بأنهم ربما يضطرّوا لأن يستغنوا عنها. على رغم ذلك فإن رغبتهم لأن يكونوا كرماء معنا عارمة جداً لدرجة إننا ندرك بأنهم سيتضررون إذا لم نأخذها. نحن نحب هذه الحفاوة لأنها أصيلة جداً وطبيعية. إن عرب فلسطين أيضاً معروفون بحفاوتهم وكرمهم، لكننا غالباً ما نشعر بأنهم يعلمون بأنهم معروفون بذلك وواعون جداً لهذه الصفة في أنفسهم ومتعطّشون للإثبات للغريب بأن كل ما يقال عنهم هو صحيح. إن الضيافة التي وجدناها في البحرين تبدو أكثر قيمة لعفويتها وافتقارها الكامل للوعي الذاتي وطبيعتها المحضة.
لقد وجدنا الكثير جداً من اللباس العربي هنا في البحرين أكثر مما هو في فلسطين. ففلسطين شهدت سنوات طويلة من السكان البريطانيين ونفوذ اليهود الأوروبيين لدرجة أن الكثيرين قد تخلّو عن الزي المحلي الفاتن لصالح الملابس الغربية. والفرق في مظهر النساء خصوصاً مثير للانتباه، فمعظم النساء المسلمات في فلسطين يرتدين زياً غربياً اعتيادياً والذي يغطى ببساطة بمعطف حريري أسود قصير وقت الخروج من البيت، كما يرتدين غطاء أسود (نقاب) فوق وجوههن؛ ما يعطي الانطباع بالالتزام بنص القانون أكثر من روحه، كما يستطيع الإنسان أن يرى ذلك بسهولة. وعادة ما يكون الوجه المغطى مزيناً بالمكياج بكثافة، وفق آخر صيحات هوليوود. إن غالبية النساء شعورهن مقصوصة وملفوفة بتمويجة دائمة بحسب آخر موضة، بعض تسريحاتهن متقنة جداً والنساء لم يتعلمن فن تصفيف الشعر بأنفسهن. إنه من الاعتيادي جداً لامرأة لبنانية أن تستأجر مصفف شعر ليأتي إلى بيتها في ساعة منتظمة من كل يوم لتصفيف شعرها، وإلى أن يصل هذا الرجل يُترك الشعر بدون تمشيط. وقد زرت في أحد الأيام سيدة كان شعرها لا يزال غير ممشط وقت الظهر، فاعتذرت قائلة بأن مصفف شعرها فشل في المجيء ورثت حالها: «ليس لديّ أدنى فكرة عمّا سأفعل لشعري». من جانب آخر فإن النساء هنا متدثرات من الرأس إلى أصبع القدم بلباس طويل وعباءات وأغطية أو نقابات للوجه.
المرء يبدأ في رؤية المكياج الغربي على الكثير من النساء الشابات هنا لكن ليس إلى المدى الذي يراه في فلسطين. هنا أيضا الكثير جداً من النساء يستعملن صبغات البشرة العربية لتزيين وجوههن، فالشابات اللواتي يستخدمن أدوات التجميل الحديثة لا زالت شعورهن طويلة ذات جدائل. والمرء يرى هذا الأمر من اختلاف في الملبس نوعا ما موحياً بالسلوك العام لهاتين المجموعتين من الناس. فالفلسطينيون واللبنانيون العرب يناضلون بقوة لكي يصبحوا مثل اخوانهم وأخواتهم الغربيين. ويكون الفرد واعيا جدا لجهدهم في إثبات بأنهم مثلنا تماماً. وللتأكيد على ذلك نقول إن البحرين متأثرة جدا بتدفق الكثير جدا من الغربيين والعديد منهم غيروا من عاداتهم لكي يصبحوا أكثر شبها منهم. مع ذلك فالمرء يشعر بأنهم لا يزالون عربا بشكل أساسي، عرب وفخورون بذلك. نحن نحترم هذا الشيء احتراماً عظيماً، ونريد أن نرى هؤلاء الناس يقبلون المسيح الذي نقدم الوعظ عنه، ونريد أن نرى قلوبهم متغيرة من سوداء مليئة بالخطايا إلى بيضاء ثلجية، خلال تضحية المسيح بالدم لأجلهم، ونريد أن نراهم يصبحون أكثر شبها بالمسيح في حياتهم اليومية وفي سلوكهم تجاه زملائهم الرجال. لكننا لم نأت لكي نحولهم إلى أمريكيين. نحن نحب أن نراهم محتفظين بزيهم الخاص وعاداتهم الخاصة (بالطبع تلك التي تتوافق مع إيماننا المسيحي). نحن نقدّر استقلاليتهم الطبيعية ورغبتهم في أن يكونوا على ما هم عليه، أي عرباً، ونتطلع إلى الوقت الذي ستكون فيه مجموعة قوية من هؤلاء الناس قادرة على الوعظ برسالة الإنجيل لسكان شبه الجزيرة العربية لأنهم يستطيعون أن يفهموا ويوصلوا رسالتهم الخاصة أكثر بكثير مما نستطيع. (يتبع)