أقرأ بين الفينة والأخرى تصريحات النواب المنتخبين ووعودهم وأولوياتهم في المرحلة المقبلة وهم تحت قبة البرلمان (يقارعون السماء) من أجل تنفيذ وعودهم، غير أنني أوجه أسئلة بريئة لهؤلاء، رجيا التأمل فيها قبل ان يصرحوا لنا في الصحف او الندوات بما لا طاقة لهم به.
1. البعض يصرح بأنه قد شكل او ترأس لجنة لإعداد الملاحظات والتعديلات على اللائحة الداخلية لمجلس النواب التي أعدتها أصلا السلطة التنفيذية، والبعض الآخر من النواب بدأ اتصالا مع أصحاب الخبرة والدراية والسياسيين (خارج البرلمان) من أجل أن يساعدوهم في المقترحات والتعديلات على اللائحة الداخلية لمجلس النواب، والبعض الآخر أخذه الحماس وأصبح التعديل اللائحي هو أولوياته ومعركته المقبلة. وسؤالي هو الآتي:
هل يجوز للنواب أن يعدلوا ويقترحوا تغييرات على لائحة صدرت بمرسوم بقانون؟
ويذكر بأن هذه اللائحة صدرت بمرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2002، كما صدرت اللائحة الداخلية لمجلس الشورى بمرسوم بقانون رقم (55) لسنة 2002.
وعلى رغم ان صدور هذا المرسوم مخالفة دستورية حسب المادة (94) من الدستور الجديد2002 والتي تنص على أن نظام وسير العمل في كل من مجلسي الشوري والنواب ولجانهما يبته القانون (وليس مرسوم بقانون)، أي ان إقرار اللائحة الداخلية للمجلسين من اختصاص النواب، إلا ان السلطة التنفيذية أصدرت جملة من مراسيم بقوانين على رغم ان الدستور الجديد (2002) يوضح بأن كل ذلك من اختصاص النواب، ماعدا بعض المواد الدستورية التي تغيرت خلافا لدستور 1973، منها المادة (36) من الدستور التي تختص بالاحكام العرفية حتى أصبح إصدار هذه الأحكام بمرسوم وليس بقانون، ولكن السلطة التنفيذية وكعادتها أصدرت مراسيم بقانون في قضايا من المفترض ان تصدر قوانين بشأنها مثل (ديوان الرقابة المالية) وغيرها.
2. المهم -وسؤالي مازال للنواب المنتخبين- بأن المادة (94) من الدستور الجديد 2002 التي أشرنا إليها أعلاه وفي فقرتها (ب) تنص على أن «لكل من المجلسين أن يضيف الى القانون (وليس مرسوم بقانون) المنظم له ما يراه من أحكام تكميلية».
ولذلك فمهمتهم وبالتالي تصريحاتهم للجمهور يجب ان تنصب على الأحكام التكميلية، وإذا علمنا مد ى التعقيدات الهائلة والعقبات الواردة في اللائحة الداخلية تحت تبرير الضبط والتنظيم، فإن إضافة أحكام تكميلية تعني الضربة القاضية او النفس الأخير للغريق الذي يبحث عن منقذ لا حجر إضافي يقع على رأسه.
3. ومازال السؤال موجها للنواب المنتخبين، وتحديدا لهؤلاء الذين يبدو أنهم تلذذوا بالظهور الإعلامي اليومي بالتصريحات الدورية للصحافة، وهو ضرورة أن يكونو هم قبل غيرهم يحترمون القانون والدستور الذي أقسموا عليه، ولذلك فمواد دستور 2002 تنص على أنه «يبقى صحيحا نافذا كل ما صدر من قوانين ومراسيم بقوانين ومراسيم ولوائح وأوامر وقرارات وإعلانات معمول بها قبل اول اجتماع يعقده المجلس الوطني ما لم تعدل او تلغ وفقا للنظام المقرر بهذا الدستور» المادة (121) الفقرة (ب)... ومرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2002 بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب يندرج ضمن ذلك...
4. ومازال السؤال حاضراَ وقائما... وهو علاقة هذا المرسوم بقانون بمادة (38) من دستور 2002 التي تنص على إجازة الملك أن يصدر مراسيم تكون لها قوة القانون في فترة حل مجلس النواب أو فيما بين أدوار انعقاد كل من مجلس الشورى ومجلس النواب، ووجوب عرض هذه المراسيم على المجلسين خلال شهر واحد من اجتماع المجلسين، ومنها مرسوم بقانون الخاص باللأئحة الداخلية لمجلس النواب.
ولذلك فإن إلغاء هذا المرسوم من أجل ان يقوم النواب بإعداد لائحتهم الداخلية لن يتحقق إلا في حالتين، الأولى أن تنسى السلطة التنفيذية عرض المرسوم على المجلسين خلال شهر واحد من اجتماع المجلسين، ونسيان عرض المراسيم وارد لدى السلطة التنفيذية بسبب كثرة المراسيم بقوانين التي أصدرتها وخصوصا في الفترة الأخيرة، والحالة الثانية أن يرفض المجلسان (النواب والشورى) إقرار هذا المرسوم. غير أن سؤالي الفرعي هو كيف يرفض المجلسان مرسوم بقانون وهناك مادة (121) من الدستور التي تنص على أن كل ما صدر من قوانين ومراسيم بقوانين... الخ في الفترة ما قبل عقد اجتماع المجلسين صحيح ونافذ؟
ثم إن المادة (123) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب والمادة (122) من اللائحة الداخلية لمجلس الشورى تنصان على عدم اجازة التقدم بأية اقتراحات بالتعديل في نصوص أي مرسوم صادر طبقا لأحكام المادة (38) من الدستور، وبما أن مرسوم بقانون (54) لسنة 2002 ومرسوم بقانون رقم (55) لسنة 2002 الخاصين باللائحة الداخلية لمجلسي النواب والشورى قد صدرا حسب المادة (38) من الدستور، فلا يجوز التقدم بأية اقتراحات بالتعديل عليهما، فهل اعتقادي صحيح ام أن لدى الأخوة النواب المنتخبين وخصوصا الذين يصرحون للاعلام بكثرة رأي آخر.
5 - غير أنني حاولت أن ابحث عن مخرج للأخوة في مجلس النواب، وخصوصا من مد يد العون في شأن اعتقدنا بأنه يخدم المصلحة العامة، فرأينا حسب اجتهادنا المتواضع بأن امام النواب مخرجين حتى ينفذوا وعودهم وتصريحاتهم بشأن اصرارهم في تقديم مقترحات وتعديلات على مرسوم بقانون صدر ولا رجعة فيه إلا برغبة ملكية في التعديل، كما هو حاصل راهنا في بعض مراسيم القوانين وكما حدث في شأن تعديل على مرسوم بقانون الخاص بالشورى والنواب، والمتعلق بحضر دعم الجمعيات السياسية للمترشحين، أو كما حدث في سرعة اصدار تعديل على مرسوم بقانون الخاص ببعض احكام العفو الشامل عن الجرائم الماسة بالأمن الوطني، وهو التعديل الذي أثار انزعاجا واستياء وما يزال لدى كثرة من المواطنين والقوى السياسية والجمعيات المعارضة، ولم نسمع تصريحا واحدا من النواب أو جمعياتهم السياسية.
هذان المخرجان هما: أما الدخول في الشبكة الاجرائية والقنوات التي وردت في اللائحة الداخلية ذاتها وفصلت تفصيلا معقدا ماورد في الدستور بشأن الاقتراح بقانون، أي أن يتقدم النواب بمقترح بقانون جديد خاص بلائحتهم الداخلية وينتظروا كافة الاجراءات والخطوات المتعلقة بعرض المقترح على اللجان ثم على المجلس ثم يرفع إلى مجلس الوزراء ليرى الأولوية في طرحه، إن كان مستعجلا فعليه أن يوافق، ثم يرفع إلى مجلس الشورى بعد اقراره وينتظر لغاية ما يوافق هذا المجلس... الخ. وهنا قد يدخل النواب في إشكالية دستورية وصدام هم لا يريدونه مع السلطة التنفيذية حول لا شرعية تقديم مقترح بقانون هو في الاصل موجود كمرسوم بقانون. والمخرج الثاني الدستوري هو أن يرفع النواب الأمر للمحكمة الدستورية للنظر بدستورية مرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2002 بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب، وهي خطوة دستورية مشروعة وتحتاج إلى شجاعة خفيفة من قبل النواب.
غير إن هناك مخرجين مرتبطين بعاداتنا وتقاليدنا العريقة، كالديمقراطيات العريقة - وهما أما ان يقبل النواب ما تم تقديمه لهم ويتوكلوا على الله ثم على الثقة بالتعاون مع السلطة التنفيذية ويهتموا بأولوياتهم التي صرحوا بها، وهي اولويات حسب اللائحة الداخلية لابد من أن توافق عليها السلطة التنفيذية أولا لتصبح موضوعات قابلة للنقاش في برلمان الشعب، وبالتالي أعتقد بأن الأولويات التي يطرحها بعض النواب لن تكون أولوية إلا إذا إرتأت السلطة التنفيذية بأن تصبح أولوياتها هي ايضا. وواضح من كلمة سمو رئيس الوزراء في الجلسة الافتتاحية للوزارة الجديدة بأن جميع أولويات النواب هي أولويات الحكومة التي أعلنت شعارها أن منطلقاتها «الحرية - المساواة - تكافؤ الفرص» فضلا عن الخدمات الضرورية للمواطن (الاسكان - العمل - التعليم - الصحة) والشفافية والرقابة.
ولذلك فان السلطة التنفيذية التي بادرت واصدرت الغالبية الساحقة من القوانين التي تضمنتها مواد دستور 2002، اللهم إلا القليل منها كقانون الأسرة (الأحوال الشخصية) وقانون السلامة الوطنية وبالتالي وفرت على النواب عناء تقديم مقترحات بقوانين، فهي أيضا ستبادر مشكورة في وضع البرامج والسياسيات بشأن الأولويات الحياتية التي كانت ضمن برامج النواب وسترفع شعارات كانت اصلا شعارات المعارضة، بل وستقوم بأدوارها على الصعيد الاعلامي والترويجي، ولذلك تصبح مسألة اللائحة الداخلية مسألة صغيرة لا داعى للوقوف أمامها كثيرا.
أما المخرج الثاني، هو أسهل المخارج وأنسب الوسائل الناجحة للمرحلة المقبلة هو أن يتقدم النواب برغبة رسمية خارج قبة مجلسهم إلى عظمة الملك بأن يصدر مرسوم آخر بتعديل هذا المرسوم، ويضاف في هذا التعديل ما يراه النواب من تعديلات واضافات على لائحتهم الداخلية التي من دونها لا يمكن لاجتماعات مجلس النواب أن تعقد وللأولويات أن تنفذ.
أعتقد بأن هو المخرج الأمثل والمتعارف عليه في حالتنا الديمقراطية الراهنة التي أوصلنا إليها قطار المشاركين وهم يرفعون مبدأ فن الممكن، وخذ وطالب، وأن الضرورة تجب على كافة الطرق أن تؤدي إلى البرلمان!
إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"العدد 77 - الخميس 21 نوفمبر 2002م الموافق 16 رمضان 1423هـ