العدد 77 - الخميس 21 نوفمبر 2002م الموافق 16 رمضان 1423هـ

«مشغّل المعرفة» يقود النمو الاقتصادي العالمي فما هي استعداداتنا؟

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

كما يشير الى ذلك عالم الاجتماع «بيتر دركر» فإن المزارعين والفلاحين كانوا يمثلون أكبر القطاعات التي تستوعب العاملين في جميع أنحاء العالم لآلاف السنين حتى ظهور عصر التصنيع في القرن الثان عشر. وبعد الحرب العالمية الأولى انخفضت نسبة الفلاحين من قرابة خمسين في المئة إلى خمسة في المئة (في الدول المتقدمة) من دون ان يؤثر ذلك على قدرة تلك الدول على الاكتفاء الذاتي من الغذاء، بل وتصديره الى الخارج. وباستثناء واحدة أو اثنتين من الدول المتقدمة فإن الفلاحين اندثر اثرهم الكمي والسياسي وظهر بدلا عنهم عمال المصانع. وهؤلاء استمرت قوتهم في الصعود ووصلت ذروتها العام 1900 اذ أصبحت نسبهم في القطاعات العاملة قرابة أربعين في المئة ما أدى إلى ظهور الحركات الاشتراكية وسيطرة عدد منها على بعض البلدان.

الا انه ومع مطلع التسعينات انخفض عدد العمال في الدول المتقدمة الى عشرين في المئة، وكل المؤشرات تدلل على أن نسبتهم ستنخفض اكثر إلى أن تصل الى نسبة الخمسة في المئة خلال السنوات العشرين المقبلة.

أما البديل للعمال فهو ظهور ونمو «مشغّل المعرفة» Knowledge Worker، وتسلم هذا النوع من الناس زمام الأمور في التنمية الاقتصادية. ومشغّل المعرفة لا يعني عدم استخدام المهارة اليدوية، بل ان كثيرا من الأعمال قد تتطلب اكبر المهارات اليدوية مثل مهنة الجراحة، اذ يعتبر الجراح احد مشغلي المعرفة. مشغّل المعرفة شخص لديه تعليم وتدريب متطور لم يكن يحلم به عامل المصنع او فلاح المزرعة. و«مشغّل المعرفة» يشمل كل مهنة تتطلب قدرا كبيرا من التعليم والتدريب. ولذا فإن التعليم يعتبر المحور الأساسي لعملية التنمية الاقتصادية-المعرفية، ووسائل التعليم وتكنلوجيا المعلومات هي العوامل الضرورية لتمكين «مشغّل المعرفة» من الحصول على المعلومات بالسرعة المطلوبة وبالدقة الوافية بحيث يتمكن «مشغّل المعرفة» من تحويل تلك المعلومة الى معرفة. والمعرفة هي المعلومة التي تساعد الانسان على اتخاذ قرار بشأن نشاط معين. وأية معلومة لا تساعد الانسان على القيام بعمل ما او اتخاذ قرار ليست معرفة.

«مشغّل المعرفة» يختلف عن الفلاح والعامل، ذلك ان الأخيرين يعتمدان على تسيير العمل بتحويل البذور الى ثمار او المواد الخام الى منتجات، أما مشغّل المعرفة فهو لديه كل تلك الأشياء إلا أن الذي يعطيه ويعطي بلده المزيد من الثروة هو استخدامه المعلومات لانتاج مزيد من المعلومات، وان هذا الإنتاج المعلوماتي في أي تخصص لا فائدة منه إلا إذا كان معرفيا، بمعنى أن المعلومات تحولت إلى قيمة عملية لخدمة الإنسان في حياته اليومية. وبما أن «مشغّل المعرفة» يبدأ وينهي أي يعمل بالمعلومات والقيمة المضافة إلى المعلومات فإنه بالضرورة يجب أن يكون متعلما ومتدربا وماهرا ومستخدما لجميع الوسائل المتطورة في تكنلوجيا المعلومات. ولكي يستطيع استخدام تلك الوسائل يجب على الدولة أن تعدّ كل برامجها و تخطيطاتها على أساس توفير البنية التحتية المعلوماتية بكل ما توفر التكنلوجيا المعاصرة من إمكانات.

ولذلك فإن بلدانا كثيرة، بما فيها بعض دول المنطقة كالإمارات (دبي) ومصر، شرعت في إعداد «مدن الكترونية»، بينما شرعت بلدان أخرى في توفير الانترنت لكل المنازل بصورة مجانية، اوبسعر منخفض جدا، فالكل يعي الآن أن رأس المال الحقيقي ليس الدولار او الدينار، إنما هو «القدرة المعرفية» للمواطنين.

وإذا كان هذا هو التوجه، فإننا أحوج ما نكون إلى استراتيجية متكاملة تشمل فيما تشمل: التجارة الإلكترونية، التعليم والتدريب المستمر، البنية التحتية الإلكترونية والاتصالاتية، والحكومة الإلكترونية، بالإضافة إلى تقليل الأعباء البيروقراطية التي تحد من إعداد ونمو هذا القطاع الذي سيحدد مصيرنا في السنوات المقبلة. ونحن البحرينيين نملك الموارد البشرية والاستعدادات النفسية للدخول إلى هذا العصر والتفوق فيه بجدارة، ولذلك فإننا بحاجة إلى استراتيجية حكومية متكاملة لتسهيل الأمر على المواطن بدلا من التركيز على أولويات تتعلق بالنمط الاقتصادي والحياتي السائد عندنا وعند كثير ممن لم يعِ حقيقة التغيرات الجوهرية في عالم اليوم

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 77 - الخميس 21 نوفمبر 2002م الموافق 16 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً