أعلم أن الريح لا علم لها بالهندسة أو التخطيط، وأن الحجر لن يقنع بعض الساسة بأن أرواحهم تم بيعها إلى الشيطان. وأعلم أن الحزن ثقيل، لن يردّ التحايا، وأن المجزرة لن تروي تفاصيل ما حدث بحياد أو من دون حياد؛ لكن هل يعني ذلك أن نترك للريح ولبعض الساسة وللحزن وللمجزرة إعادة ترتيب أمكنتنا أو أرواحنا في هذا العالم؟! لو أن للريح علماً بالهندسة والتخطيط لكانت شيئاً آخر.
***
ربما تشكرك الوردة من حيث لا تشعر لأنك شممتها، لكنها لن تفعل ذلك حين تضع حدّاً لروعتها وجمالها، وأيضاً الجمالية التي تتركها في ظل قبح لا يخلو منه مكان!
***
أن تكون عاشقاً وغريباً. تلك محنة كبرى. محنة كبرى من حيث ضريبة تترتّب على كونك عاشقاً، وضريبة مضاعفة في كونك غريباً. كيف ستنجو من فخاخ الضرائب تلك؟
***
بعض الكتب فيها ملامح من الصراط المستقيم، لا بالمعنى الديني، بقدر ما هو معنى أن تفتح عينك أكثر. أن تستدعي ما فاتك. أن تكتشف سهوك أيضاً. أن تؤكد معرفتك في جانب مما تغدقه عليك مثل تلك الكتب.
بعض الكتب تذكرة ذهاب بلا عودة إلى الجحيم. ليس شرطاً أن يكون جحيماً بمعنى المآل الذي يضعنا فيه الدّين. إنه الجحيم الذي يزيدك عتمة وغربة وجهلاً وقرفاً وفراغاً لا شيء يحتويه، ووحشة، وألماً بالضرورة.
***
أكثر مصادر معرفة النفس البشرية ربما تتحدد في التأمل. من بين ذلك التأمل، تأمل الوجوه وتفرّسها. ثمة ما يحُول دون ذلك. ستكون في مرمى «قلة الذوق» «وندرة الأدب».
ماذا يعني تفرّسك في وجوه عابرة أو مستقرة في مقهى أو صالة انتظار أو على قارعة الطريق؟ فإما أن تكون عيناً على أحدهم بأجر؛ وإما أنك تنتظر الوقت المناسب لإنهاء هذا التفرّس بما لا يضيف جمالاً بقدر مراكمة القبح. تضيع وسط ذلك قيمة تأملك وتفرّسك في الوجوه. ربما إعادة استحضار من فقدت ممن يشبهها؛ أو ربما أن تترك لتأويلك الدنوّ من ذلك الوجوم، والقبض على ما غُيِّب في ادّعاء حال غير التي هي عليها.
***
يُقيم بعضنا في غيره. بعضنا لا يجد له مكانَ إقامة فيه. كأن الإقامة حيث تجد روحٌ ظلَّها ومكانها الذي تستأنس به وفيه، وليس شرطاً هو منها وعلى التصاق مادي بها.
***
الخطيئة نسبية. ما هو بشري منها يمكن أن يُعتبر تجاوزاً على السماء، وما هو تجاوز على السماء، يمكن أن يعتبر تجاوزاً أرضياً! كل ذلك يخضع للمزاج والمقام والقوة أيضاً!
***
الكاتب الأميركي توم بيسيل، صاحب رواية «ملح ونار»، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي العام 2016، ويتناول قصة بحر آرال، قال في حوار نشرته مجلة «الدوحة» القطرية في العدد 112، لشهر فبراير/شباط 2017، فيما يتعلق بالكتابة، ارتباطاً بإصداره «ساعات السحر»، وهو عبارة عن مجموعة مقالات كتبها بأسلوب ساخر، إن «الأسلوب الساخر هو الوسيلة الأكثر فاعلية لجذب القارئ (...). الكتابة الجادة - بالنسبة إليَّ كتابة ميتة - ربما - لأنها تعطي انطباعاً بأن الحياة مُخيفة ومُرعبة».
للمحيط... المكان... البيئة، دورها في هكذا رؤية. هي لا تأتي محض مزاج؛ بل نتاج تعايش وقبض. في بيئاتنا، قد تكون السخرية جواز مرور إلى قبض من نوع آخر، إلى حيث العزل الانفرادي، والتعايش مع أمكنة شرسة وكريهة وعطنة!
ترنيمة
لها الأرضُ
سُكَّرُها
لوْزُها
حنْطةُ الطيبينْ...
لها وردةُ اللهِ في العالَمِينْ...
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 5327 - الجمعة 07 أبريل 2017م الموافق 10 رجب 1438هـ