أين أنت؟ ماذا تعمل؟... هذا هو العمر المتبقي من الوظيفة التي تشغلها حالياً؟
تلك نماذج من الأسئلة والإجابات التي يتلقاها الموظفون بين الفترة والأخرى في أوروبا وأميركا والدول المتقدمة التي تقود العالم إلى العصر الجديد وتوجهاته، وهي رسائل تحذيرية وتوعوية من وزارات العمل تحيلهم إلى مواقع مختصة تعنى برصد وظائف الحاضر والمستقبل.
فإن كنت على سبيل المثال ساعي بريد فإن نظام المراسلة الإلكتروني سيحل محلك في القريب العاجل، وإن كنت سائق تاكسي، فإن السيارات بدون سائق قادمة في غضون عدد من السنوات، وإن كنت موظفاً مصرفياً فإن المصارف تتجه الآن لتمكين زبائنها من إنجاز معاملاتهم المصرفية الإلكترونية في أي مكان عبر الهواتف النقالة، مهنة الصحافة تتغير أيضاً بوتيرة متسارعة، والصحف الورقية ستنتهي بانتهاء الجيل الذي يقرؤها أو قبل ذلك، أما الكتاب الورقي والمكتبات فإليكم هذه القصة: قبل أسبوع زرت إحدى المكتبات العامة، فلم أجد فيها إلا رجلين من كبار السن، أحدهما يعد الكلمات المتقاطعة لتزجية الوقت، والثاني يعد بحثاً أكاديمياً على الطريقة التقليدية، كان عدد الموظفين يفوق الرواد.
يقول أحد الشباب البحرينيين العاملين في شركة اتصالات في جنيف «شاهدت زملائي يتساقطون، ويجري التخلص منهم الواحد تلو الآخر، أبقت الشركة على عدد قليل من المتميزين جداً، وكنت أحدهم، ثم اندمجت الشركة مع أخرى، وتلقيت خبر الاستغناء عني على بريدي الإلكتروني، لكنني طورت مهارات جديدة أثناء عملي فالتحقت بشركة أخرى، وأفكر حالياً في تأسيس شركتي الخاصة كي لا أكون مرتهنا لأحد. كثير من خرجي المواد الأدبية والإنسانية في بلدنا إما توظفوا في مهن خارج تخصصاتهم أو سارعوا للالتحاق بدراسة جديدة ومختلفة، من استمر ينتظر الوظيفة في نفس مجاله، ربما لايزال ينتظر على رصيف العطالة.
في العام الماضي استضاف معهد المصرفيين بروفسورة إفريقية تحدثت عن هذا الموضوع، قالت أن الأتمتة والتكنولوجيا المتطورة والعمل الآلي لن تقضي على الوظائف الحالية فحسب؛ ولكنها ستحيلنا إلى عالم يقل فيه وجود العنصر البشري في كل مكان، وذكرت الباحثة أنها زارت إحدى الولايات الأميركية ودخلت مطعماً، واختارت طعامها ودفعت ثمنه وخرجت ولم تجد إنساناً كي تقول له: شكراً.
وقبل عدة أعوام تصاعدت موضة بناء العمارات والمكاتب التجارية في بلدنا، كان الاقتصاد بخير والدنيا بدت واعدة، ومع تراجع أسعار النفط والانكماش الاقتصادي، فضل الكثيرون مجال العمل المنزلي home business أو عبر الفضاء الإلكتروني ومع الترخيص الرسمي لهذا العمل المنزلي، تهاوت أسعار المكاتب وخسر أصحابها مورد دخل بدا ثابتاً ومضموناً إلى الأبد.
أسلوب التعليم ذاته سيخضع للتغيير، وجامعات عريقة مرشحة للتقلص، ومحاضرون ومدربون وأساتذة جامعات يقيمون في بلد ويقدمون خدماتهم أون لاين لكثير من الجامعات، ويشرفون على البحوث، ويتقاضون الرواتب العالية دون الحاجة إلى وجودهم الجسدي. ليس هذا فحسب؛ بل إن هناك عمليات جراحية تجرى عن بُعد، وعلاج يجرى عن بُعد، وتعليم يتم عن بُعد؛ لكن كيف سيؤثر التقدم الرقمي والتقني على مستقبل الوظائف؟ حسب موقع معارف للتدريب والتعليم فإن الوظائف لن تنعدم وإنما ستتغير، وستنخفض مهن ذوي المهارات المتدنية بنسبة 30 في المئة، بينما سترتفع الوظائف التي تتطلب مهارات عالية بنسبة 56 في المئة، ومعروف إن هذه الوظائف تتطلب ذكاء في حل المشكلات والتحليل والتفكير النقدي، ويشير نفس الموقع أن 65 في المئة من هم في عمر الثانية عشرة الآن سيعملون في وظائف لم تظهر بعد، وإن تقنيات علم الأحياء الاصطناعية والذكاء الاصطناعي والزراعة الآلية، والعلوم الحاسوبية، وتكنولوجيا النانو وغيرها ستتصدر المشهد الوظيفي، مع ذلك فإن العالم الجديد ليس وردياً بالمطلق، وستبرز مشكلات وكوارث اجتماعية من نوع آخر وخصوصاً في ظل شح الموارد وعدم جدوى الكثير من الوظائف... أين نحن من كل ذلك؟
نحن للأسف لانزال بعيدين عن العلم والتخطيط واستشراف المستقبل، يدرس أبناؤنا تخصصات في غير حاجة إليها، ونتمدد ونتوسع في التجارة الإسمنتية، وننجب الكثير من الأطفال ونسرف وننفق على المظاهر ونستهلك بلا حساب، مع أن الوظيفة الدائمة والمورد الخالد كما تشي رياح التغيير إما إلى تحول حتمي أو انقراض مؤكد.
إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"العدد 5325 - الأربعاء 05 أبريل 2017م الموافق 08 رجب 1438هـ
ننجب الكثير من الاطفال ! لم يعد كذلك
مقال رائع يستحق القراءه والتأمل فيما ورد فيه
كما انقرضت وظائف ولم تعد موجودة اليوم ستنقرض وظائف عديدة ومتنوعة في المستقبل. ستحل التكنولوجيا محل الإنسان فما هو الحل؟ ليس هناك من مشكلة إلا ولها حل. والحل يتطلب تشخيص المشكلة أولا. ما هو استعدادنا لمواجهة المتغيرات والتحديات التي أصبحت على الأبواب ؟ هذا الموضوع يحتاج إلى المزيد من الإهتمام. شكرا أستاذة عصمت الموسوي. ابو شروق
"وننجب الكثير من الأطفال" هذي العبارة ما أتفق فيها مع الكاتبة المحترمة.
"لتزجية الوقت" أول مرة أقرأ هالمصطلح.. نسمع تگزيرة، طلعت كلمة فصحى بعد خخخخ
احسنت يابنت فريجنا النعيم - كلام رائع في منتهى الموضوعيه والصراحه يتم تقليص الموظفين لعده اسباب منها التطور وخفض مصاريف التشغيل خصوصا في البنوك وانا احد الضحايا
روعة في الكلام والتحليل وهذا الواقع ولابد من اخد الاحتطياتات واعداد الخطط في المستقبل .بارك الله فيش سيدة.
آن الأوان لإنشاء جهاز حكومي جاد في البحرين أسوة بالدول المتقدمة (لرصد وظائف الحاضر والمستقبل) من مهامه التخطيط واستشراف المستقبل وتحديد التخصصات المحتاجين لها استعدادا لشح الموارد وعدم جدوى الكثير من الوظائف .
غالبيتنا يدرك بأن العالم يتغير وأن فرص العمل تتقلّص إما بسبب الأتمتة أو بسبب التراجع الاقتصادي وشح الوظائف . العائق الأكبر الذي يحد من الانطلاقة ومواكبة هذا التغيير هي الدولة التي لا تملك أو لايعنيها أن تملك رؤية تجعلها مستعدة لاستقبال القادم . "تعليم متهالك ، تخبّط في إدارة موار د الدولة ، توزيع المراكز بالمحسوبية وليست بالكفاءة ، .. والكثير الكثير " وبالتالي الأفراد لايستطيعون أو غير مهّيؤون لاستقبال القادم بسبب تلك المعوقات . والحل لابد من الانصياع لصوت العقل قبل أن يخسر الوطن ما تبقى .
نحن يا أستاذتي الكاتبة سنظل أوفياء لتراثنا إلى يوم القيامة...سنظل نصنف الناس حسب دينهم ومذاهبهم وحسب أصلهم ونسبهم....ومن ثم سنقوم بقتل بعضنا بعضا حسب هذه التصنيفات في محاولة منا لإلغاء الآخر....لا نحتاج لآلات لتحل محلنا....نحن سنلغي أنفسنا وسنسير بأقدامنا إلى التهلكة....وفي الأيام التي تتكلمين عنها قد نكون تبخرنا ولم يعد لنا وجود....
مقاااال فعلا ممتاز تسلم انامل الموسوي
والله الواحد منّا يشعر بالرعب لما يمكن ان يكون عليه الجيل القادم وما يليه، بالذات ذوي التخصصات المتواضعة والذين كما ذكرت الكاتبة الكريمة .. لم يعد لها حاجة او هي في طريقها للإندثار والاضمحلال! ..
شكراً للكاتبة .. ناقوس يجب ان يدق بين حين وآخر فالبعض في غفلة او غفوة او ممات!
عصمت لديها قلم ساحر
الله يستر: التطوّر أمر جيد جدا لكن مشكلة المجتمعات والانسانية جمعاء تخطط لهذا التطور دون التخطيط لمستقبل الانسان اين مكانه من الاعراب؟
نحن كبشرية يجب قبل الولوج في أي تطوير مّا نقوم بدراسة ماذا يمكننا ان نستفيد من العقول البشرية التي هي من اخترع هذه الأجهزة والآلات.
ولأن التطوّر يحتّم التخلّص من بعض الأيدي العاملة فهنا قبل التفكير في تفعل الأجهزة علينا ان نفكّر ماذا يمكننا ان نستفيد من فائض الأيدي الذي سيخلقه هذا التطوّر والا فإن دمار البشرية سيكون بسبب هذا التطوّر
لا أتفق مع من يقول بأمكان أحلال الالة الربوت مكان الانسان حتى وأن أستغني عنه في مكان ما ... حيث سيظل العنصر البشري بعقله يفوق الحديد مهما قالوا وعلى ثقة دائما أن الانسان مطلوب لآخر لحظة . أم مروه
مقال رائع استاذة
نعم ٩٥ % من الوظائف في بداية القرن الماضي في أمريكا اختفت..يجب دراسة المستقبل