العدد 76 - الأربعاء 20 نوفمبر 2002م الموافق 15 رمضان 1423هـ

الانتخابات الاسرائيلية: التطرف والفصل العنصري

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تعيش الأقلية العربية في فلسطين أجواء من القلق والتوتر. هذا الأمر ليس جديدا. الا انه يتضخم في كل فترة وخصوصا عندما تكون «اسرائيل» تستعد لاجراء انتخابات برلمانية (الكنيست) كما هو الحال اليوم. ففي أجواء التنافس تبدأ المزايدات الحزبية وفيها تطرح الافكار عن هوية الدولة ومستقبلها. والمزايدات هذه الفترة تختلف عن سابقاتها. في السابق كانت الاحزاب الاسرائيلية في الخمسينات والستينات والسبعينات تجتهد في اختراع حلول للكتلة الفلسطينية وتتنافس على كسب صوتها وتحديدا تلك الفئات المسيّسة التي تنتمي إلى جيل ما بعد النكبة.

كان الرهان الاسرائيلي يقوم على فكرة تذويب تلك الكتلة أو على الاقل مسح هويتها من طريق عزلتها عن المحيط العربي برسم حدود فاصلة بينها وبين ذاك العمق التاريخي - الجغرافي ورفع الحواجز الثقافية لفصل تلك الاجيال الفلسطينية عن صلاتها الحضارية بالمنطقة.

اعتمدت الاحزاب الاسرائلية في فترة العقود الثلاثة الاولى من تأسيس «الدولة العبرية» على اكثر من وسيلة للفصل بين الفلسطينيين في داخل 1948 والجوار العربي وكانت المسألة الديمقراطية (الحريات الفكرية والسياسية) هي المثال الدائم الذي كان يقدم لتلك الكتلة للتمييز بين الهوية الاسرائيلية (المتفتحة والمتسامحة) وبين الانتماء العربي (المنغلق والمستبد).

لم يكن امام الفلسطيني سوى هذه الوسيلة للتعبير عن رأيه والدفاع عن هويته. قبل بالاقل ليحافظ على ما تبقى له من هوية وارض. وشكلت الاحزاب وتحديدا تلك التي تدعى «يسارية» و«علمانية» الإطار التنظيمي لحمايته من تطرف المتطرفين. وبدوره استفاد الحزب الشيوعي الاسرائيلي كثيرا من الناخب الفلسطيني اذ بفضل اصواته كان يدخل الكنيست في كل دورة. واحيانا كان يحصل على ثلاثة او اربعة مقاعد الامر الذي جعله من القوى المؤثرة في الحياة البرلمانية الاسرائيلية.

ومنذ السبعينات بدأت الصورة تختلف وظهرت مفارقات لا صلة لها بالحياة السياسية السابقة التي حرصت الدولة العبرية على اظهار نفسها امام العالم اي انها الدولة الديمقراطية الوحيدة في محيط تستبد به الانظمة العسكرية. ففي مطلع ذلك العقد اندلعت حرب اكتوبر/ تشرين الاول 1973 وبعدها اندلعت حروب لبنان الاهلية/ الاقليمية 1975 فاتجهت الاحزاب الاسرائيلية نحو التطرف والمزايدة في التطرف وظهرت للاقلية الفلسطينية اختيارات سياسية جديدة لا صلة لها بالايديولوجية الصهيونية المؤسسة للدولة العبرية.

وفي نهاية السبعينات بدأ الافتراق على اكثر من صعيد ومستوى وكان اكثر المتضررين الحزب الشيوعي الاسرائيلي واكثر المستفيدين تكتل احزاب الليكود. الليكود استغل تقصير حزب العمل في حرب «اكتوبر» فاندفع يزايد عنصريا وينشر الكراهية في داخل الدولة فنجح في الاستيلاء على السلطة أو تقاسمها مع العمل. المجموعات الفلسطينة في حزب العمل او الشيوعي اكتشفت قوتها ووجدت نفسها أنها ضحية اللعبة الديمقراطية من دون ان تتحصل على شيء يذكر أمام الوعود. قيادة الحزب الشيوعي مثلا كانت اسرائيلية في غالبيتها وقاعدته في معظمها عربية. كذلك نواب الحزب في البرلمان.

في الثمانينات والتسعينات بدأت المعادلة تتغير في اتجاهين متعاكسين: الإسرائيليون اتجهوا نحو اليمين العنصري المتطرف، والفلسطينيون أخذو بفك ارتباطهم التقليدي باليسار العلماني واتجهوا نحو تأسيس أحزاب وتجمعات عربية مستقلة تعتمد على مسألة الهوية وحمايتها كمدخل للعمل ضمن المؤسسات الرسمية. المفارقة المذكورة انتهت الى تراجع شعبية «الشيوعي الإسرائيلي» وصولا الى خروجه النهائي من الكنيست وحلول النائب الفلسطيني مكانه. بينما كانت شعبية اليمين العنصري والمتطرف تتقدم وتتقدم لتسيطر بشكل قوي على مقاعد الكنيست والدولة. هذه المفارقة دفعت التطرف الإسرائيلي إلى طرح شعار المحافظة على هوية الكنيست والدولة ومنع الأقلية الفلسطينية من ممارسة حقوقها المدنية. فطرد عزمي بشارة من البرلمان بذريعة «قوميته العربية»... ويطالب المتطرفون الآن بطرد او عزل او سحب الجنسية الإسرائيلية من المجموعات الفلسطينية الموجودة في مناطق 1948. الخطورة في مثل هذه الشعارات أنها قابلة للتطبيق وخصوصا في أجواء الانتخابات. وتنفيذها قانونيا يحتاج الى إشارات دولية تبدأ بالسيطرة الكلية على الدولة وتنتهي بالحرب المتوقعة على العراق. وهذا الأمر يتوقع بعض الخبراء حصوله في فترة قريبة ولا تبعد أكثر من مارس/آذار المقبل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 76 - الأربعاء 20 نوفمبر 2002م الموافق 15 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً