تُشْرِف «الهندسة الحكومية» على وضع اللمسات الأخيرة كما صرّح بذلك الوزير المكلّف في المملكة المغربيّة منذ أسبوعين، سعد الدين العثماني الذي خلف زعيم حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران في مهمّته بعد أن أمضى الأخير ما يربو عن 1600 يوم في المباحثات السياسية إلى درجة الانسداد السياسيّ، أو ما اصطلَح عليه المغاربة بـ»البلوكاج» السياسيّ. فما دلالة هذا الانفراج؟ وما أثره على المشهد السياسي في المغرب؟
منذ تكليفه في 17 مارس/ آذار الماضي، تعهّد رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني بتشكيل حكومة إنجاز وفعل تستجيب لتطلعات الشعب المغربي، وبالعمل مع بقية القادة السياسيين للحسم في توزيع الحقائب الوزارية. وأنجز العثماني وعده؛ فبعد أسبوع واحد من التكليف أعلن في مؤتمر صحافي عن تشكيل ائتلاف حاكم يضمّ ستة أحزاب هي على التوالي بحسب حصتها في الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي: حزب العدالة والتنمية، التجمع الوطني للأحرار، حزب الحركة الشعبية، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الاتحاد الدستوري وحزب التقدم والاشتراكية.
وللتذكير فقد أخفقت مشاورات بنكيران بسبب تشبّث بعض الأحزاب، المتحالفة مع العدالة والتنمية في الحكومة السابقة، بمشاركة الاتحاد الاشتراكيّ للقوات الشعبيّة في الحكومة الجديدة، وهو ما رفضه بنكيران الذي رفع الفيتو أمام مشاركة الاتحاد الاشتراكيّ. على خلاف سعد الدين العثماني الذي استطاع في أقل من أسبوع أن يطوي صفحة التعثر الحكومي.
ويعزو البعض ذلك إلى تدخّل الملك محمد السادس على مستوييْن: أمّا المستوى الأول فمن خلال توجيهاته المباشرة إلى الوزير المكلّف بضرورة التعجيل في تشكيل الحكومة لتفادي تعطّل بعض المؤسسات وخاصة منها الدستورية، وهو ما من شأنه أن يحدث ضرراً في الهياكل التي تقوم بمسئوليّاتها في تسيير مصالح الدولة. وأمّا المستوى الثاني فمن خلال توجيهاته الضمنية باحترامه للدستور حيث أعطى درسين في التعامل مع الزمن الدستوري: أمّا الأول فحين عيّن رئيس الحكومة بعد يومين على صدور نتائج الانتخابات البرلمانية، وأمّا الثاني فحين كلّف العثماني بتشكيل الحكومة يوماً واحداً بعد إعفاء بنكيران من مهمّته.
ولئن اعتبر بعض شباب حزب العدالة والتنمية قبول العثماني بمشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة تنازلاً قد يضرّ بسمعة الحزب، فإنّ بعض عقلاء الحزب دعوا إلى تفهّم طبيعة المرحلة، معتبرين أنّ حكومة العثماني هي حكومة السياق الصعب، لذا وجب دعمها لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإنجازات. ونفى محللون آخرون أن يُحدِث هذا التطور انشقاقاً داخل العدالة والتنمية، استناداً إلى صلابة البناء التنظيمي لهذا الحزب، وقدرته على امتصاص الأزمات أو على الأقل التخفيف منها. لكن من المؤكد أنّ النجومية السياسية لبنكيران قد تتراجع نسبياً على رغم بقائه على رأس الحزب. وهذه المكانة السياسية والرمزية تجعله يشرف، ولو من بعيد ومن خلال «صقور الحزب»، على المفاوضات والمشاورات المتعلقة بالحقائب الوزاريّة.
كما أنّ التحالف الرباعي الذي كسر شوكة بنكيران، وأجبر خَلَفَه العثماني على قبول انضمام الاتحاد الاشتراكيّ في الائتلاف الحاكم، يؤكد تشكّل قطب سياسيّ مواجه للعدالة والتنمية حتّى وإن اشترك معه في الائتلاف الحكوميّ. ولئن اعتبر البعض هذا واقعية سياسية من العدالة والتنمية فرضها السياق الصعب، فإنّ البعض الآخر رأى فيها غياباً للنموذج السياسي المغربي الذي طالما حلم به المغاربة. فمتى كانت الأحزاب اليسارية الشيوعية متحالفةً مع الأحزاب ذات المرجعية الدينية؟ ومتى كانت الأحزاب اليسارية الاشتراكية متحالفةً مع رجال الأعمال والأعيان ممثلين في حزب الأحرار أو التجمع الوطني للأحرار؟ فهل هي الواقعية السياسية؟ أم هي الانتهازية السياسية؟
يُطرَح السؤال بإلحاحٍ عند من يعتبر أنّ المخاض الديمقراطي المغربيّ عسير؛ ذلك أنّ الصراع السياسيّ اليوم في المغرب يبدو بين فريقين كبيرين متباينين:
يعتبر الفريق الأول أنّ تشكيل الحكومة ما هو إلا آلية لمواصلة الإصلاحات وضمان الاستقرار من أجل الصالح العام خاصةً لِما يشهده الوضع الإقليمي والعالمي من فوضى، وما يشهده المغرب كغيره من دول المنطقة من تهديدات إرهابية.
ويعتبر الفريق الثاني، وهو رأي الكثير من الحركات الاجتماعية في المغرب، أنّ الوضع غير قابل لإصلاحات حقيقية، وأنّ حلم الدولة المدنية والديمقراطية والحداثة لايزال بعيداً. وعليه فإنّ حكومة العثماني لن تختلف عن غيرها في غياب إصلاحات جذرية دستورية ومؤسساتية، على رغم ما وعد به العثماني حين اعتبر أنّ «أولويات الحكومة الجديدة ستكون تعزيز الاستقرار وإصلاح العدالة والتعليم والتنمية الريفية ودعم الطاقة».
إنّ التجربة المغربية في سياقها الجيوسياسيّ تعتبر فريدةً؛ حيث نجحت في تفادي الانعكاسات السلبيّة لموجات الاحتجاج في المغرب في العام 2011 واستطاعت بحكمة قيادتها استيعاب الحراك السياسيّ وتحقيق خطوات إيجابية إلى الأمام وبأخفّ الأضرار، بل واستثمرت لفائدتها بعض مشاكل دول الربيع العربي، لا سيما منها التي في شمال إفريقيا، فاستفادت سياحياً وصناعياً بفضل الاستقرار والأمن الذي توفّرت عليه خلال السنوات الخمس الأخيرة الماضية.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 5323 - الإثنين 03 أبريل 2017م الموافق 06 رجب 1438هـ
سواء أكان المخاض عسيرا أم يسيرا فالحكومة المنبثقة عنه لا تمثل الإرادة الشعبية أبدا، ﻷن الأوضاع آلت إلى غير توقعات عموم الشعب بعد الانتخابات، والواقع المعيش يدل على أن هناك انتكاسة سياسية كبيرة ستكون لها آثار سلبية على الاستحقاقات القادمة.
للمغرب تجربة تستحق مزيد التحليل والدراسة حيث يمكن الحديث عن النموذج المغربي في هذا السياق العربي الملتهب
الاستقرار الأمني خاصّة يدفع بالبقية للأمام.
هذا صحيح أحسنت أستاذنا:
إنّ التجربة المغربية في سياقها الجيوسياسيّ تعتبر فريدةً؛ حيث نجحت في تفادي الانعكاسات السلبيّة لموجات الاحتجاج في المغرب في العام 2011 واستطاعت بحكمة قيادتها استيعاب الحراك السياسيّ وتحقيق خطوات إيجابية إلى الأمام وبأخفّ الأضرار، بل واستثمرت لفائدتها بعض مشاكل دول الربيع العربي، لا سيما منها التي في شمال إفريقيا، فاستفادت سياحياً وصناعياً بفضل الاستقرار والأمن الذي توفّرت عليه خلال السنوات الخمس الأخيرة الماضية