يتجمع نحو مئة من محبي الروك غزا الشيب شعورهم عند هبوط الظلام في أيام الآحاد متناسين سنوات من الرقابة الصارمة، ليغنوا ويرقصوا على أنغام فرقة "بيتلز" التي كانت محظورة لفترة طويلة في الجزيرة الشيوعية.
ففيما مضى، كان الاستماع لموسيقى "بيتلز" أيام شباب هؤلاء الأشخاص الستينيين والسبعينيين يجري خلسة، في زمن الحرب الباردة وصراع المعسكر الاشتراكي مع الغرب، وعداء الفكر الشيوعي لكل ما ينتج من أوروبا وأميركا من قيم وثقافة وأدب.
لكن الأمور تغيرت منذ العام 2011، إذ بات لموسيقى الروك ناد في هافانا يحمل اسم "الغواصة الصفراء" تيمنا باسم إحدى أغنيات فرقة البيتلز البريطانية "ييلو سابمارين".
مرة في الأسبوع، يتوافد إلى هذا النادي الواقع في حي فيدادو حفنة من الرجال يرتدون قمصانا سوداء عليها اسم البيتلز، وبرفقتهم نساء يرتدين تنانير قصيرة وأحذية سوداء طويلة. ويقام حفل في الهواء الطلق تحييه فرقة إيدي إسكوبار الذي يعد أفضل مغن يستعيد أغاني البيتلز في كوبا.
ويقول غييرمو فيلار الصحافي والمدير الفني لنادي "سابمارينو أمارييو" (الغواصة الصفراء) لوكالة "فرانس برس": "الأمر ليس حنيناً إلى الماضي، فهؤلاء الأشخاص يحاولون أن يعيشوا اليوم ما لم يكونوا قادرين على فعله".
يعرف عن غييرمو بأنه كان أحد منظمي الحفلة التاريخية التي أقيمت في العام 1990 في الذكرى العاشرة على وفاة جون لينون. وشكلت تلك المناسبة إشارة الى تغير طريقة السلطات في التعامل مع موسيقى الروك في كوبا.
واليوم، تشارك ستة نواد على الأقل في هافانا بتكريم فرقة بيتلز، وكلها تحظى برعاية من وزارة الثقافة.
في الستينات من القرن العشرين، حين كانت موسيقى البيتلز تغزو العالم، كانت جيزيلا مورينا وهكتور رويس يستمعان لها خلسة. هذان الزوجان الستينيان كانا مخطوبين لبعضهما في ذلك الوقت.
ففي ذلك الزمن، كانت الحكومة الثورية بقيادة فيديل كاسترو تحظر الأغاني باللغة الإنجليزية لكونها لغة العدو، وتحظر التشبه بالغرب، ومن ذلك مثلاً الشعر الطويل والتنانير القصيرة، وترى في ذلك خطراً على الأيديولوجيا الثورية.
وكان هواة البيتلز يسترقون السمع إلى بث محطات الإذاعة الأميركية لتسجيل ما تبثه من هذه الأغاني، أو يعتمدون على تهريب الأسطوانات من الخارج ونسخها في الداخل بالتواطؤ مع عاملين في استوديوهات الدولة، وكانت غالباً ذات نوعية رديئة تصم الآذان، كما يروي هيكتور رويس.
إلا أن الأمور اليوم ليست على شيء مما كانت عليه في تلك الحقبة، ففرقة رولينغ ستونز أحيت حفلاً في هافانا العام الماضي، وفي العام 2000 دشن الرئيس السابق فيديل كاسترو بنفسه نصباً لجون لينون في العاصمة، بعدما كان يمنع شعبه من الاستماع له ولغيره من فناني الغرب لوقت طويل.
لكن كاسترو عاد واعتذر عن هذا المنع الطويل، وخاطب لينون بالقول "آسف لأني لم أعرفك من قبل". وقال كاسترو إنه لم يكن هو المسئول عن المنع، بل هو كان متفرغاً للقضايا السياسية الكبرى في ظل الحرب الباردة، ولم يكن يتابع الشئون الثقافية بنفسه.
وصار تمثال جون لينون الذي نحته الفنان الكوبي خوسيه فيا مقصداً للسياح الأجانب وللكوبيين أنفسهم. واليوم لم تعد موسيقى البيتلز حكراً على من حرموا من سماعها في شبابهم، بل صارت تجذب اهتمام الشباب الكوبيين أيضاً، بحسب المغني إدي إسكوبار الذي يقول "سأنقل هذا الشغف إلى أكبر عدد ممكن من الناس".