أكد عدد من الخبراء والمعنيين بقطاع المياه، أن الوقت حان لاتخاذ خطوات عملية نحو معالجة مياه الصرف الصحي معالجة رباعية، بما يجعلها صالحة للاستخدام البشري، سواءً للشرب أو الاستخدامات المنزلية الأخرى، إلى جانب استخدامها في عملية الزراعة والبناء.
وفي تصريحات لـ «الوسط»، رأى الخبراء أن استخدام مياه الصرف الصحي للشرب والاستخدامات البشرية الأخرى، يتطلب حملة توعوية وتثقيفية، بأن هذه المياه غير ضارة، ولا تختلف عن المياه الطبيعية، مؤكدين وجود التقنيات والآليات التي تمكّن دول الخليج من اتخاذ هذه الخطوة.
جاء ذلك على هامش مؤتمر الخليج الثاني عشر للمياه، والذي انطلقت أعماله يوم أمس الثلثاء (28 مارس/ آذار2017)، بمركز البحرين للمؤتمرات، وذلك برعاية رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة.
من جانبه، قال الأمين العام المساعد للشئون الاقتصادية والتنموية بالأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، خليفة بن سعيد العبري، إن المياه المعالجة لها مراحل، وكثير من دول مجلس التعاون مازالت في مراحل المعالجة الثلاثة التي لا ترقى لأن تكون مياه الصرف الصحي صالحة للشرب، ولكن يمكن أن تكون صالحة لاستخدامات أخرى، مثل الزراعة.
وذكر العبري أن معالجة مياه الصرف الصحي من القضايا المهمة، وهناك اهتمام بها من قبل دول مجلس التعاون، ولكن الأمر يحتاج إلى وقت، لأن استخدام هذه المياه ليس متعلقاً بالجانب التقني، بل بالجانب نفسي وقبول من المجتمع لهذه المياه، وبالتالي قد تحتاج إلى جهد في مجال التوعية ونشر ثقافة أن هذه المياه لا تختلف عن المياه الطبيعية، وبالتالي تحتاج بعض الجهد لتحقيقها».
وأكد وجود جهد خليجي مشترك في هذا المجال، وفي كيفية استخدام هذه المياه، وقد لا يكون في البداية لاستخدامات الشرب، بل استخدامات أخرى في المرحلة الأولى، في الزراعة والبناء والمجالات الاخرى، وفي مرحلة لاحقة تستخدم كمياه للشرب.
وبسؤاله عمّا كان لدى دول الخليج القدرة على معالجة مياه الصرف لجعلها صالحة للشرب وللاستخدامات الأخرى، أوضح العبري أن التقنيات موجودة ومتاحة، ولكن يبقى قبول الناس، وبالتالي من الأفضل أن تكون المرحلة الأولى استخدام هذه المياه بعد معالجتها لاستخدامها في غير الشرب، إلى أن يتم نشر الوعي والثقافة وتقبل المجتمع لاستخدامها في الشرب.
ورأى أنه «يجب رفع مستوى استخدامات مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة والبناء وبعض القطاعات الأخرى، ولكن لا ترقى إلى مستوى مياه الشرب، وبالتالي متى ما رفعنا نسبة استخدامها، فإننا نقلل نسبة الفاقد ونقلل نسبة ضياع هذه المياه، وفي مرحلة لاحقة يمكن معالجتها معالجة رباعية وتكون صالحة للشرب».
أما عن المدة الزمنية التي يُتوقع الوصول خلالها إلى مرحلة جعل مياه الصرف الصحي المعالجة صالحة للشرب، اعتبر أن من الصعب تحديد مدة زمنية لذلك، إلا أن دول مجلس التعاون تعمل بفرق متعددة لتنفيذ برامج متعلقة بالدليل الاسترشادي الخليجي للمياه، ومن خلال هذه الفرق يمكن تحديد البرامج الزمنية، آملاً أن «تضع هذه الفرق برامج زمنية محددة، وبعد ذلك نستطيع القول متى يمكن تحقيق هذا الهدف».
وبدوره، أكد المدير والممثل الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، إياد أبومغلي، أنهم لا ينظرون إلى المياه المتبدلة أو العادمة كأنها مياه غير صالحة للاستخدام، بل يتم ينظرون إليها كمصدر مهم للمياه، وخصوصاً أن 80 في المئة من أي مياه مستخدمة تعود إلى الطبيعة بأشكال مختلفة، سواءً أكانت مياه منزلية عادمة أو مياه خارجة عن النشاطات الزراعية، أو المصانع، وكل هذه المياه بالنسبة لهم مصدر حيوي، يجب أن يعاد استخدامه بنسبة 100 في المئة، بحسب قوله.
ولفت إلى أن «هناك تقنيات رخيصة الكلفة، وتتناسب مع طبيعة كل دولة من الدول، بحيث يمكن إعادة تأهيل ومعالجة هذه المياه، حتى تصبح صالحة للاستخدام، وهناك أمثلة كثيرة في كل دول العالم، على هذا الاستخدام، وفي بعض الدول تعيد استخدامها في الزراعة، وأحياناً تكون درجة معالجة المياه صالحة للاستخدام البشري، ولكن بسبب طبيعة المياه والثقافة، يتم استخدامها للزراعة».
وذكر أبومغلي أن هناك دراسات علمية كثيرة تؤكد عدم وجود أي آثار جانبية لاستخدام المياه المعالجة في الزراعة، وهناك بعض الدول تلجأ إلى مزج هذه المياه المعالجة مع مياه أخرى، واستخدامها، وبالتالي تكون نسبة التلوث فيها –إذا كان فيها تلوث– أقل.
ووصف مياه الصرف بأنها «مصدر حيوي»، ويعيد ما نسبته 30 في المئة من المياه للاستخدام، مؤكداً أن هناك قوانين وأنظمة تنظم عملية إعادة الاستخدام، ولكن الذي لا يمكن أن يقبله أي إنسان، سواءً أكان مسئولاً أو إنساناً عادياً، أن تهدر هذه المياه وتصرف إلى المحيطات والبحار، لأن في ذلك إضاعة مصدر حيوي ومهم، وخصوصاً في منطقتنا العربية التي تعاني من شح المياه.
وأفاد بوجود 8 دول عربية من أصل 10 هي الأكثر شحاً في المياه عالمياً، وهذا يستدعي وضع قوانين وإجراءات عملية على واقع الأرض لإعادة استخدام مثل هذه المياه.
ورأى أنه آن الأوان لإجراء المعالجة الرباعية لمياه الصرف الصحي، وجعلها صالحة للاستخدام، مشيراً إلى أننا «نتحدث عن المدن الذكية والمدن المستدامة، وهذه المدن في تصميمها يجب أن يكون هناك مجال لإعادة استخدام المياه، في كثير من دول العالم بدأت المباني تجمّع هذه المياه بدلاً من تصريفها إلى المصارف العامة، وتستخدمها في المنزل أو المبنى نفسه، لزراعة الأشجار وتجميل الطرقات وغيرها.
وأفاد بأن الكويت تستخدم بعض هذه المياه المعالجة لزراعة جوانب الطرق، بدلاً من استخدام المياه المحلاة، والتي تكلف الاقتصاد الوطني في أي دولة من الدول، الكثير لإنتاجها، مبيناً أن المياه المعالجة تعالج من جهة ثانية التلوث البيئي، لأن عدم إجراء معالجة جيدة للمياه يؤدي إلى تلويث البيئة والمياه الجوفية، وتسبب التلوث الصحي على البشر، فهي عملية متراكمة يجب الانتباه لها، بما نسميه الإدارة المتكاملة للمياه، سواءً المياه العذبة أو المحلاة أو المياه العادمة، أو حتى ما نسميه المياه غير الطبيعية.
من جانبه، أكد رئيس مجلس إدارة جمعية علوم وتقنية المياه، عبدالرحمن المحمود، أن المياه المعالجة تأخذ أبعاداً واهتمامات كبيرة، كونها مصدراً قد يكون ضائعاً في بعض المناطق والدول، ورغم أن كلفة المعالجة عالية، ولابد منها، للحفاظ على البيئة والصحة العامة، ولكن مازال الاستخدام لم يصل للمستويات المطلوبة، فضلاً عن أن بعض المناطق لا يوجد فيها معالجة مياه، وهذا أمر مزعج، ويحتاج إلى جهود كبيرة.
وشدد المحمود على ضرورة الاهتمام بمعالجة مياه الصرف الصحي، والاستخدام المتوازي، بحيث لا تكون هناك مصادر مياه متاحة ومهدرة، مشيراً إلى أن دورهم في الجمعية يتم من خلال التنبيه المستمر في المؤتمرات والندوات، والمشاركة مع الجهات التنفيذية في الدول الأعضاء، في إعداد الكوادر البشرية وخصوصاً المواطنة، في إدارة الموارد المائية والتكامل، وتوطين صناعة المعالجة والتحلية، وهذا من أولويات العمل بالنسبة لدول مجلس التعاون، ويجب أن يتركز في المرحلة المقبلة، ويطوّر، بحيث يمكن القول إن دول الخليج لديها صناعة وطنية في هذا المجال.
وذكر أن المعالجة الرباعية للمياه متاحة، ففي دولة الكويت محطة كبيرة لمعالجة المياه رباعياً وتوجيهه للاستخدام في الزراعة، وتصل المعالجة بالمياه إلى أن تكون صالحة للشرب، مع التحفظ على ذلك من نواحي دينية أو نفسية، ولكن المعالجة الثلاثية تستخدم في كثير من الزراعات، وخصوصاً زراعة الأعلاف والزراعة التجميلية، فالإمكانات موجودة، ولكن يجب أن يصاحب نقل التقنية من الدول الأخرى، الاهتمام بالكوادر الوطنية، والدول الخليجية عليها أن تبدأ بتوطين هذه الصناعة.
ولم يخفِ المحمود إمكانية استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في بعض المجالات، فهناك مواصفات قياسية في دول المجلس، ويعمل على تطويرها باستمرار، وكلما تطورت المعالجة يمكن إضافة عناصر واستخدامات أخرى، وصولاً إلى استخدامها للشرب.
وبسؤاله عن إمكانية استغلال مياه الأمطار، بدلاً من تركها تذهب إلى نقاط التصريف، أوضح المحمود أن الطفرة العمرانية، أثرت في الاستخدام المباشر لمياه الأمطار، فقديماً كانت المياه تنزل على أرض طبيعية ونظيفة بعيداً عن مصادر التلوث، وبالتالي كان الإنسان يستهلكها مباشرة، إلى جانب استخدامها للحيوانات، إلا أن التطور العمراني ووجود الكثير من عوامل التلوث، أصبح استهلاك مياه الأمطار مباشرة ليس متاحاً وخصوصاً في المناطق العمرانية، ولكن في المناطق البعيدة عن هذه العوامل، هناك الكثير من الجهود في الدول الأعضاء بما يسمى حصاد مياه الأمطار، سواءً أكان من خلال سدود أو آبار تغذية للخزان الجوفي، أو البرك.