لعلها من المرات القليلة التي يستفيد بها الاقتصاد من السياسة، العلاقات بين البلدين الصديقين تعيش أفضل فتراتها اقتصادياً وتجارياً بفعل التقارب السياسي الكبير بين القيادة الرشيدة في البلدين. هذا التقارب الذي دفع العلاقة بقوة إلى المضي قدماً في سبيل وضعها في إطار اقتصادي مثمر، ولعل ما أعلن عنه حديثاً وزير الصناعة والتجارة والسياحة زايد الزياني - على هامش أعمال المنتدى البحريني الباكستاني الثاني لفرص الأعمال الذي استضافته العاصمة إسلام آباد - أن البحرين ستقدم دراسة لأمانة دول مجلس التعاون الخليجي خلال اجتماع وزراء التجارة في مايو/ آيار المقبل، بشأن اتفاقية للتجارة الحرة بين دول الخليج وباكستان تؤطّر لهذا التقارب الاقتصادي السياسي وتضعه على المسار الصحيح، ضمن الكثير من الإجراءات التي يبحثها الطرفان لدعم التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين.

التقارب السياسي يذيب العوائق الاقتصادية، مستوى التبادل التجاري منخفض؛ ولكن هناك رغبة قوية في زيادته وتنميته ليس إلى ضعف أو ضعفين بل إلى 10 أضعاف، هناك بعض المشاكل اللوجستية والشحن سيتم حلها، ومشاكل في التأشيرات بالنسبة لرجال الأعمال ربما تبحث على أعلى مستوى، طالما وجدت الأهداف المشتركة والتقارب الفكري الاستراتيجي بين أي بلدين أو كتلتين ستجد أن الأمور تحل بسهولة ويسر.

لو وضعنا في الاعتبار أن هناك وزيراً نشيطاً يقود قطاع الصناعة والتجارة في البحرين، لديه أفكار شابة متجددة، ويقدم تسهيلات جدية وحقيقية للمستثمرين، سيكون الأمر أكثر سهولة ويسراً. وإذا وضعنا في الاعتبار أيضاً أن هناك سفيراً باكستانياً مميزاً حالياً في البحرين، ورجل أعمال في غاية الجدية والنشاط اسمه محمد ساجد ينسق بين الطرفين ويساهم بقوة في تذليل الصعاب، سنجد أن هذه العوامل مجتمعة لابد أن تقود إلى نجاح التجربة، مع الوضع في الاعتبار بالطبع أن مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين بدأ يتحرك في الاتجاه الصحيح أيضاً خلال الشهور الأخيرة، وقامت الغرفة على هامش زيارة الوفد التجاري البحريني الأخيرة إلى باكستان بتوقيع 3 مذكرات تفاهم مع غرف التجارة لكل من إسلام أباد ولاهور وروالبندي، بهدف دعم وتوطيد العلاقات التجارية بين البلدين وتسهيل سبل التواصل بين رجال الأعمال.

مشروع كبير تقدّمه باكستان للمستثمرين الجادين وليس هواة السفر والسمر والرجوع بلا عمل؛ مشروع «الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني» العملاق الذي سيغيّر خريطة التجارة العالمية في هذه المنطقة من العالم بكل تأكيد، بكلفة تفوق 50 مليار دولار، وستتحوّل صادرات الصين إلى ميناء غرب باكستان المطل على بحر العرب، داعياً المستثمرين في البحرين إلى اقتناص هذه الفرصة المميزة.

ويربط «الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني» بين غرب الصين وميناء جوادار الباكستاني العميق، بطرق جديدة سريعة وخطوط سكك حديد ومناطق تنمية اقتصادية. المشروع متوقع له أن يوفّر فرصاً جديدةً «مذهلة» للتنمية في باكستان، وسيحدث تغييراً كاملاً لخريطة الشحن في هذه المنطقة بدلاً من المجيء من البحر الأصفر عبر إندونيسيا أو بالدوران حول أستراليا. سيكون الوضع مختلفاً بالنقل المباشر من ميناء جوادار على بحر العرب المواجه لساحل دولة عمان تحديداً، فبات وصول البضائع إلى دول مجلس التعاون أكثر سهولة ويسراً.

على طول هذا الممر توجد مناطق لوجستية وحيوية مفتوحة للاستثمار، هناك احتياجات لاستثمارات في قطاعات شتى وبعوائد مشجعة وأحيانا مغرية، هناك احتياج لمشروعات في قطاعات الطاقة والنقل والمواصلات والاتصالات والصناعة والشحن واللوجستيات وغيرها.

ويكفي أن نشير هنا إلى أن المشروع يشمل نحو 30 اتفاقية بين الباكستان والصين تتعلق بالممر الاقتصادي الذي سيفيد كل الأقاليم والمناطق ‏الباكستانية، كما سيتيح للصين إقامة طريق أقصر وأرخص لتجارتها مع الدول ‏الأخرى، هو بالفعل مشروع ضخم ينقل العلاقات الباكستانية الصينية إلى ‏مستويات جديدة‎.‎

لا يفوتنا هنا أن نشير إلى أن التقارب البحريني الباكستاني كان له ثمرة حقيقية خرجت إلى النور منذ أسابيع قلائل، وأعتقد أن هذه الثمرة سيكون لها تواجد قوي على ساحة العلاقات الثنائية في الفترة المقبلة، وهي تأسيس شركة استثمارية قابضة بين البحرين وباكستان مقرها البحرين، لدعم الاستثمارات الثنائية في كلا البلدين الصديقين برأسمال صادر يبلغ 10 ملايين دولار أميركي ومدفوع يقدر بنحو 700 ألف دولار (250 ألف دينار بحريني)، حتى تكون مهيأة للإدراج في البورصة مستقبلاً.

ويبلغ إجمالي المساهمين في الشركة القابضة حالياً 10 بالمناصفة بين الطرفين (5 من البحرين و5 من باكستان) على أمل زيادة قاعدة المساهمين في الشركة مع انطلاقتها الرسمية قريباً، ومن المنتظر أن تباشر الشركة استثماراتها في عدة قطاعات أبرزها الأغذية والزراعة والسياحة والضيافة والنقل والطاقة.

إذن بات لدينا نموذج حي على التفاعل الإيجابي بين التقارب السياسي الاقتصادي، بعيداً عن جماعات التشاؤم والمنتقدين بشكل مستمر ودائم. وهو أمر يعكس الرغبة الأكيدة من الطرفين في العمل الجاد المنتج، وليس مجرد الاجتماعات والسلام مثلما يحاول أن يروّج بعض المغرضين!