هل صحيح ان برلماننا البحريني برلمان بلا أسنان سوى سن عنصر الرقابة والذي هو الآخر محل جدل قانوني؟ وهل صحيح ان البرلمان الحالي يعد أكثر برلماناتنا العربية نعومة، خصوصا بالنسبة لغالبية الأعضاء الفائزين والمعينين؟ قد تكون هذه الرؤية صحيحة وقد تكون خاطئة ولكن ما أستطيع الجزم به ان كثيرا من الشخصيات المعينة والمنتخبة لا تلبي طموح الشارع بمن فيهم المثقفون، ولعل الأمر يتضاعف بالنسبة للمعينين اللهم إلا القليل منهم.
لست في مقام الانتقاص من أحد ولكن الله عُرف بالعقل ونحن عندما نريد ان نرسخ ديمقراطية يجب ان ننتقي أفرادا تتناسب ميولاتها، واهتماماتها مع الشأن السياسي مع التقدير لاختصاصاتها الأخرى وهذا موقع الانتقاد الذي نحمله. وبمعزل عن امتلاك البعض تاريخا نضاليا أو شرعية تاريخية أولا، بمعزل عن ذلك يجب ان يراعى - وفي الحد الأدنى - ضرورة التخصص أو الاقتراب - ولو قليلا - من الشأن السياسي والقضايا السياسية حتى لا نربك البرلمان.
برلمانات الدول عادة ما تسمى ببرلمانات الطبقة الكادحة، لا ان يغلب عليها الطابع التجاري، أو الارستقراطي وهذه ميزة بدأت تؤخذ على برلماننا. كان طموح الكثير ان يتشكل البرلمان الحالي وما قبل عامٍ بالشخصيات السياسية المخضرمة، وكان الطموح يسري لأن يصل حتى إلى المجلس المعين، وكان البعض يراهن بعد ضعف المنتخب أن المعين سيكون أقوى حتى من المنتخب، إلا انه وبعد رؤية الأسماء والصور راح البعض يترحم على بعض الشخصيات الأقدر في مجلس شورى التسعينات لعلمه ان كثيرا من المعينين وصلوا لاعتبارات المعرفة والصداقة التي كانت حاكمة على معيار الكفاءة.
لقد قام أحد الزملاء في «الوسط» بعد نشر خبر قانون تنظيم الصحافة والنشر وبعد كل الجدل الدائر، قام بالاتصال ببعض النواب المنتخبين ليسألهم عن موقفهم من القانون، إلا انه تفاجأ ان الذين اتصل بهم وهم 10 نواب جميعهم لم يقرأوا القانون الجديد بيد انه تحفظ عن ذكر الأسماء ابتعادا عن الاحراج وسعيا في دفع المجلس للأمام.
لست أقول ذلك لأني أحب ان أضعف من «هيبة» البرلمان الحالي، ولكني كمثقف طموح يتطلع إلى ديمقراطية ناقدة ولأني احترم قلمي وحبي للوطن أقول ان أكثر نواب البرلمان ليسوا بمستوى الطموح الوطني النضالي الذي يتناسب مع 25 عاما من النضال خصوصا ان بعضهم عرف وعلنا بسب الديمقراطية وأتباعها ولعن الحرية ومن طلبها وهناك من أعلنها في الصحف بعدم تناسب الديمقراطية مع الشعب البحريني لأن الشعب البحرين (أمي)، (قبلي)، لا يفهم ألف باء التغيير».
وهناك من لعنها في موكب وتارة في مسجد وأخرى في مؤسسة تجارة و... وعلى طول الخط. وهناك من يرى الديمقراطية أو الحرية جزءا من تركيبة الحياة التجارية يتعاطى معها كما يتعاطى مع البورصة وهناك من هو أمي إلى حد النخاع، لا منطق، لا كتابة، لا تحليل، لا نقد.
نحن لا نقول إن الجميع هكذا بل نعترف بوجود شخصيات قديرة وفي المجلسين ولكنها للأسف تعد على أصابع اليد ولا اعتقد انها تستطيع ان تلبي طموح الشارع في ظل هذه التركيبة الفسيفسائية وغير المنسجمة وغير المركبة.
من السبب في كل ذلك؟ أعتقد ان التغيير الدستوري كان له الدور الأكبر إضافة إلى كل ذلك جزء من تركيبة السلطة من الوزراء مازالت غير قادرة على تحمل النقد ولسبب الاقتناع الدائم ان لغة كل شيء «رشيد» و«عظيم» و«كبير» هو الأسلوب الأمثل ويضاف إلى ذلك تخبط جزء من المعارضة فبعد كل هذا الصمت الطويل وبعد ان «طارت الطيور بأرزاقها» نفاجأ بردات فعل لا تتناسب مع الإيقاع المعلن ودعوتها إلى التفاعل على رغم هزالة عدد لا بأس به من النواب. نحن دائما نطالب السلطة والمعارضة بأن يكون الموقف تجاه أي قضية وفق منطق مؤسسي وليس فرديا، فالناس ليست بهائم أو ماشية لا تحتاج إلا إلى العلف والأكل وان يفكر دائما عنها على قاعدة: «عزيزي المواطن، نم هنيئا فالسلطة تفكر عنك» أو ردات الفعل التي تحدد مصيرك من دون استمزاج رأي عقول النخب. نحن بشر، وما يقرر يجرى على الجميع لهذا نحن نرفض شخصنة القرار ومن الجميع أيضا وهناك تصوير جميل لـ «عبدالله النفيسي» وهو يصور حال المواطن العربي في أحد كتبه القيمة «وحسب المواطن ان يأكل العلف كل يوم، ويرعى المراعي كل يوم وفي آخر النهار يعود للحظيرة كأنه سائمة، لا ينطق حرفا صائبا ولا يكتب جملة مفيدة، يملأ جوفه وينزو على أنثاه ويتقلب على ظهره كالبعير في المراغة ويهذي ثم ينام من غير ان يتجافى جنبه عن المضجع ويشخر شخير من مات قلبه».
هذا هو وضع بعض مواطني الدول العربية فإذا أردنا ان نكون خارجين عن هذا التوصيف يجب ان نسعى لإعطاء المواطن حق ابداء الرأي، حق الاعتراض على القانون، حق تكوين النقابات وخصوصا نحن في بداية ممارسة بعض مبادئ الشفافية. فالانفتاح يقتضي توسيع هامش الحرية وقد لمسنا هذا الانفتاح في بعض مكتسبات مشروعنا الإصلاحي لولا بعض القوانين التي ألقيت في طريق الحرية كقانون تنظيم الصحافة والنشر الذي أصاب صحافتنا في مقتل لولا الموقف الجريء والشجاع الذي قامت به السلطة وذلك بتجميد هذا القانون المطاطي حمال الأوجه.
ونتمنى على الدولة أيضا ان توفر لنا نقابة بعيدة عن أي إيقاع رسمي وذلك يكون بالانتخاب عبر جميع من تنطبق عليهم معايير العمل في الصحافة وتوحيد الجسم الصحافي من دون ان يحسب على وزير معين أو على سلطة متنفذة. يجب ان نقرب وجهات النظر المختلفة وان نحتكم في نهاية المطاف إلى الدستور البحريني وهذا أقل القليل نقدمه للصحافة وهي أكثر المهن تعرضا للاغتيال أو المصادرة هي وطواقمها المعرضة دائما للمساءلات القانونية وإلى مزاجية الوزارات وزعل المسئولين وغضب الناس أيضا. هي لعبة الموت ومجازفة في طريق مجهول لمستقبل غامض ومجهول أيضا. فمن حق الكاتب أو الصحافي ان يؤمن جزءا من مستقبله ان لا يعرض لانتقامات شخصية مفبركة وتارة باسم القانون. فهو يحتاج إلى من يقف معه وبالقانون وكل ذلك يقتضي استقلالية النقابة من دون حسبانها على أي طرف من الأطراف ومن دون ان تصبح في حضن أي وزارة أما غير ذلك ولو بالتفاف قانوني أو وضع جرعات مسكنة وتطمينات هوائية، أما غير ذلك فيعني مصادرة صريحة للصحافة وحرية الكلمة ودليل يأخذه علينا - المراهن - ان السلطة يضيق صدرها سريعا من النقد. لذلك تلتجئ إلى الأبواب الخلفية عبر فرض قوانين لا تتناسب مع هذه المرحلة ولا مع إيقاع الاعتدال الذي نحاول ترسيخه وتشكيله في عقول الجماهير.
أما بالنسبة للتشكيل الوزاري الجديد فليس فيه جديد سوى الأسماء الجديدة والتي يؤمل فيها كثيرا حلحلة بعض الملفات العالقة وان تمتلك جرأة الطرح في نقد الفساد بعينين وليس بعينٍ واحدة كما كان في السابق وان نمتلك الشجاعة في إزالة ذلك من دون اتباع سياسة التعميم ووضع المكياج واستخدام التصريحات إلى التبرير بدل النقد والتحليل. وكل ذلك مرهون بالأداء المستقبلي لهؤلاء الوزراء الجدد ومدى مقدرتهم لترسيخ حقوق المواطن وما يتناسب مع نبض المواطن البحريني. يجب ان لا نرجم المستقبل بالغيب حتى نرى الأداء المستقبلي. بدا ارتياح كبير لدى موظفي بعض الوزارات من نية الوزارة تثبيتهم بعد بقائهم تحت رحمة (العقود المؤقتة) وهذه خطوة إيجابية إذا تمت فإنها ستكون ضمن الميزان التقييمي الإيجابي لهذه الوزارة وستكون خطوة في الاتجاه الصحيح خصوصا ان هؤلاء الموظفين بقوا فترة من الزمن يعانون من عدم الاستقرار الوظيفي. يبقى ما نتمناه إعلاميا وصحافيا ان يعطي الجدد صورة أخرى في تعاطيهم مع الصحافة والإعلام وسعة الصدر في تقبل الحوارات المتوازنة والعفوية بعيدا على تلك اللقاءات التي استقرت في وعي المواطن القائمة على الأسلوب الديكوري لبعض الوزارات السابقة. ونحن هنا كسلطة رابعة سندعمهم على كشف أي فساد في وزاراتهم حتى تكتمل الصورة للشفافية الحقيقية
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 75 - الثلثاء 19 نوفمبر 2002م الموافق 14 رمضان 1423هـ