بالطبع توجب عليّ اختيار الورش التي تهمني، وأستطيع الإسهام فيها، حيث كانت تعقد أربع ورش متزامنة، إضافة إلى طاولة مستديرة، حيث بلغ معدل عدد الورش في اليوم الواحد 12 ورشة بما مجموعة 36 ورشة. أما الورش التي حضرتها وأسهمت فيها فهي:
1 - الفضاء العام والمجتمع المدني، وتناولت عدة محاور أولها: الحركات الاجتماعية في تونس (محمد كيركو)، وقد طرح أنه ليس بالضرورة أن تكون الحركة الاحتجاجية حركة اجتماعية إلا إذا كانت لها رؤية، وتنظيم، وأحدثت تغييراً نوعياً. ثم عرض للحركات الاحتجاجية والاجتماعية المعاصرة والتي اجتاحت عدداً من الدول العربية، ومع تباينها، فإن لها جذوراً محلية وتطرح شعارات مركزية جامعة (حرية، كرامة، عدالة اجتماعية) مثلاً، واستخدمت وسائل التواصل الاجتماعي، حيث شكل الشباب قياداتها، والنساء مشاركتها الفاعلة، وخروجها من سيطرة الأحزاب، واعتمادها على الكتلة التاريخية، وأنها لا تبتغى المأسسة، وتسعى لتغييرات جذرية، وثاني المحاور هو الفضاء العمومي في المغرب بين سلطة الدين والحريات الفردية (رشيد سعدى)، وتناول فيها ظاهرة الإفطار في المغرب، كتعبير عن الاحتجاج الجماعي تجاه عملية الإكراه على الصوم في المغرب، وكذلك إكراهات دينية للسلوكيات الفردية والجماعية تحت مبرر انضباط السلوك الفردي والجماعي تبعاً لتفسيرات دينية، كما عرض لتماهي سلطة الدولة والتي تستند في مقوم مهم إلى الشرعية الدينية، في إخضاع وضبط المجتمع بحيث يظل محافظاً ومطيعاً للسطلتين الملكية والدينية، وقد استند الباحث على مسح ميداني للمواطنين وتغطية وسائط الإعلام للإفطار العلني، وبغض النظر عن وجهة النظر في ظاهرة الإفطار، فقد اعتبرها الباحث عملية احتجاج للإخضاع الاجتماعي والدولي للأفراد والجماعات وقولبته في قالب الطاعة والخضوع. أما الباحث الثالث فارس كمال نظمي في جامعة صلاح الدين بأربيل العراق، فقد تناول الحركة الاجتماعية في العراق خلال 2015 - 2016، حيث عمد إلى توثيق الاحتجاجات زمنياً ومكانياً، كما وثق شعاراتها والمجموعات السكانية المشاركة فيها والتي تقودها.
وقد عرض الباحث إلى التغييرات الكبيرة في العراق إثر الاحتلال الأميركي للعراق، وتحلل أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والإدارية، وصاحبها أيضاً صعود الهويات الفرعية القومية والدينية والمذهبية والمناطقية على حساب الهوية الوطنية العراقية الجامعة. ثم عرض لتدهور الأوضاع في العراق اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وأبرز مظاهرها الفقر والتقاسم المذهبي/ القومي للسلطة، والتعصب، وقيام دولة «داعش» على ثلث مساحة العراق، كدولة أصولية طائفية دموية.
ثم عرض للصحوة الوطنية العراقية في مواجهة كل ذلك، وفي مواجهة أجهزة الدولة والأحزاب وغيرها، وقد بدأت في حركة احتجاجية في البصرة لانقطاع الكهرباء، ثم امتدت للعاصمة بغداد وغيرها من كبريات المدن، وتطورها إلى حركة اجتماعية تطرح وضع حد للانقسام الديني والطائفي والقومي، وتقاسم السلطة والثروة على حساب الشعب العراقي، والفساد المستشري والتبعية لقوى خارجية، وانبعاث الروح الوطنية العراقية، وشخص الباحث هذا الحراك المجتمعي العابر للطبقات والأديان والمذاهب. وضاغط على القوى السياسية نحو دستور عقدي جديد، ومنظومة سياسية جديدة، ثم عرض لانضمام التيار الصدري لهذا الحراك، ورفده بزخم جماهيري في مصالحة بين المدني والديني، مع التأكيد على سلمية الحركة على رغم قتل عدد من المشاركين في الاحتجاجات، وخصوصاً في محاولة الدخول للمنطقة الخضراء المحصنة لكبار المسئولين.
أما الأكاديمي وخبير التنمية لدى الأمم المتحدة (الإسكوا) دارم البصام فقد طرح تحدياً على المشتغلين بعلوم الاجتماع وممارسته. وقد عرض لظاهرة تفجر المعلومات في عصرنا، وسهولة الوصول إليها، مما يطرح تحديات الاختيار والأولوية. ثم عرض لظاهرة قرب نهاية السياسة بشكلها المؤسس التقليدي وبروز مسألة المشروعية، بحيث لم تعد الشرعية القائمة على الانتخابات المتكررة والمنظمة كافية، بل أضحت المشروعية مستمدة من تجديد الثقة أو نزعها بشكل مستمر. وعرض لتزايد الإحباط من النظام الديمقراطي التقليدي، وأن البديل هو ديمقراطية تنطلق من القاعدة إلى القمة في تفاعل دائم كما هو الحال في فنلندا مثلاً. كما عرض لمفهوم المواطنة النشطة المتفاعلة، وليست المسلمة لمصيرها للقيادة. كما تناول القطاع السياسي غير المنظم، والذي لا يحتاج لترخيص، وتحيل مساحات التغيير والفضاء العام دون استئذان حيث تطرح كل القضايا في تداخلها وتكاملها.
ثم عرض لنظرية التعقد، أي التداخل فيما بين مختلف العلوم في دراسة الظواهر السياسية والاجتماعية مثلاً، وطالب بنزول علم الاجتماع إلى الشارع للمعاينة، والدرس، والاستنتاج والتصويب والإسهام في التغيير، وهو غائب حالياً، وطرح الحاجة إلى فريق من علماء الاجتماع العرب يعمل على تطوير نظرية التعقد. وخلص إلى الاستنتاج أن الصراع الجاري في العالم العربي ليس صراعاً على الموارد فقط بل على السلطة وتوزعها. وتبع ذلك مداخلات وأسئلة من قبل الحضور في تفاعل مع المحاضرين.
ومن بين ما طرحه محمد كيركو (تونس) أن الفقر في تونس ليس هو الأساس في تفجر الثورة التونسية، بل التوق للحرية والكرامة، كما انتقد دعاة الاستثنائية التونسية فيما يخص تجنب الحرب الأهلية، واستفراد جناح بالسلطة، حيث إن الثمن بنظره هو إعادة إنتاج قوى الدولة القديمة والمجتمع القديم إلى السلطة بعد تغييرات شكلية في قمة النظام، وتجدد الأزمة الاقتصادية والفقر والفساد.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 5320 - الجمعة 31 مارس 2017م الموافق 03 رجب 1438هـ