العدد 75 - الثلثاء 19 نوفمبر 2002م الموافق 14 رمضان 1423هـ

بين اختطاف طائرة... واختطاف شعب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الضجة التي افتعلتها «اسرائيل» وإعلامها عن محاولة اختطاف طائرة «العال» المقلعة من تل ابيب إلى اسطنبول تثير اكثر من علامة استفهام في وقت يتركز انتباه العالم على تداعيات ما بعد صدور القرار الدولي 1441.

المحاولة المفتعلة جاءت لتصب في دائرة مشتركة تجمع «اسرائيل» والغرب في منطقة واحدة وبالتالي تفرض على الغرب حمايتها او على الاقل اتخاذ التدابير الآيلة إلى ترتيب موقع خاص لدورها في حرب يتوقع ان تنفجر في لحظة تقرر الولايات المتحدة توقيتها.

إلى هذه العناصر الجديدة... هناك الهاجس الدائم الذي أشار اليه النائب العربي المطرود من الكنيست عزمي بشارة وهو ما تبقى من وجود عربي في فلسطين المحتلة في العام 1948. فالخاطف أو «المخطوف» ينتمي إلى تلك الاقلية العربية التي حافظت منذ اكثر من نصف قرن على وجودها وارضها ولغتها وهويتها ولاتزال تقاوم محاولات الاقتلاع والتشريد. تلك «الاقلية» هي الشاهد الحي على ماض تحاول «اسرائيل» طمسه لانه يذكر العالم بالحقيقة ويكشف عن جوهر المشروع الصهيوني في المنطقة الذي يقوم على فكرتين:

اقتلاع اليهود من العالم واعادة تجميعهم في فلسطين، وطرد الفلسطينيين من ارضهم بذريعة انها اعطيت لشعب الله المختار بناء على «وعد الهي» جدد حديثا بوعد بلفور في مطلع القرن الماضي.

«الاقلية» العربية صاحبة الأرض كانت مشكلة صغيرة في البداية حين صدور قرار التقسيم في العام 1947 وبعد وقوع النكبة. كانت المشكلة صغيرة إلى حد ان الدولة الجديدة قبلت بها لأن الاهم آنذاك كان «اعلان الدولة» واعتراف العالم بها (الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي تحديدا) وبعدها يكون لكل حادث حديث. آنذاك اشترطت الولايات المتحدة لاعترافها بالدولة الاسرائيلية الابقاء على الفلسطينيين في ارضهم وعودة كل المشردين إلى ديارهم وفق قرار 191 الصادر عن الامم المتحدة. أخذت «اسرائيل» الاعتراف وماطلت في تطبيق القرار الدولي وماطلت وماطلت. وكبرت «الاقلية» وتحولت مع الايام إلى اقلية كبرى (مليون نسمة) ضمن مجموعات واقليات يهودية مجمعة من كل انحاء العالم يصل مجموعها إلى اربعة ملايين نسمة. كبرت الاقلية العربية وسط اقليات يهودية والفارق بينهما ان الاولى صاحبة الارض (السكان الاصليين) والثانية مجموعات متفرقة تنتمي إلى 80 قومية (جنسية) وتتكلم 100 لغة لا يجمعها الا «الوعد» وهو نص ايديولوجي تم تجديده سياسيا في ظروف دولية نشأت خلال الحرب العالمية الاولى (1914 - 1918).

الآن تعتبر «اسرائيل» ان الفرصة مؤاتية دوليا. فالعالم تغير والولايات المتحدة تغيرت والتطرف يسود ادارتها ويسيطر على قراراتها. وما كانت ترفضه اميركا قبل 50 سنة ربما باتت في فضاء جديد يسمح لها بتمرير قرار الطرد... طرد ما تبقى من فلسطينيين لتصبح الارض كلها متطابقة مع الوعد.

التفكير بالطرد ليس جديدا على الاستراتيجية الاسرائيلية. فدائما هناك من يطالب به في الاحزاب والقيادات الصهيونية إلا أن الوضع الدولي (الاميركي تحديدا) كان يضغط باتجاه منع حدوث مثل هذا الاحتمال المخيف الذي يبعثر المنطقة المحيطة بفلسطين من جديد ويدفعها نحو المزيد من الاضطرابات واللااستقرار. وافقت «اسرائيل» على مضض على اعطاء الجنسية للفلسطينيين وقبلت الشروط الدولية التي حددت الجنسية الاسرائيلية بانها ليست هوية مقتصرة على اليهود وانما هي هوية سكان الدولة من مسلمين ومسيحيين اضافة إلى اليهود. فالجنسية هي عامة تضم هويات مختلفة عربية وغير عربية وهذا الشرط كان مساهمة دولية لحل مشكلة الا انه قياسا للمشروع الصهيوني تحول إلى مأزق أخذ يكبر مع الايام.

الآن تعتبر «اسرائيل» ان هناك فرصة للتخلص من المأزق دفعة واحدة مستفيدة من فضاء التطرف العالمي واحتمال نشوب حرب على العراق تقلب المعادلة الجغرافية - السياسية في المنطقة.

إلى ذلك «اسرائيل» تتسلح بمسألتين: الاولى ان الولايات المتحدة تخلت عن القرار 191(عودة اللاجئين إلى ديارهم) وايضا تخلت القيادة الفلسطينية الرسمية عن حق العودة خلال مفاوضات اتفاق اوسلو الذي اعطى الوعد بقيام دولة للفلسطينيين خارج حدود 1948، وضمن نطاق الاراضي المحتلة 1967.

التنبيه الذي اطلقه عزمي بشارة ليس مجرد طلقة عشوائية في الهواء وانما يشير إلى نمو نزعة عنصرية متطرفة في القيادة الاسرائيلية تريد نزع الجنسية عن كل هوية غير يهودية... واعطاء جنسية الدولة الفلسطينية للاقلية العربية في فلسطين مقابل اعطاء الجنسية الاسرائيلية للاقلية اليهودية (المستوطنات في الضفة والقطاع) المستوطنة في ارض الدولة الفلسطينية الموعودة.

انها مشاريع افكار، ومن قال ان تلك الافكار غير قابلة للتنفيذ؟ فمن يختطف فلسطين قبل 50 سنة لا يعجز عن اختطاف شعبها بعد 50 سنة... بذريعة الرد الأمني على محاولة اختطاف طائرة مسافرة من تل ابيب إلى اسطنبول

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 75 - الثلثاء 19 نوفمبر 2002م الموافق 14 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً