بعد تجميد قانون الصحافة الذي صدر الشهر الماضي والشروع في تعديله بواسطة لجنة أمر بتشكيلها سمو رئيس الوزراء، فإن الفرصة أمامنا لصوغ قانون يخدم البحرين على المستوى البعيد. فالقانون الذي تم تجميده كان - على حد تعبير أحد أصحاب المكتبات البحرينية - سيحد من نمو قطاع دور النشر والمكتبات، وقد يؤدي إلى إغلاق بعضها لأنه يخنق حرية العمل التجاري بفرضه «الرقابة المسبقة» على كل كتاب يتم طبعه وتداوله في البحرين.
كما أن قانون الصحافة المجمد كان سيمنع أي محطة تلفزيونية أو شركة صحافية من فتح فرع لها في البحرين عندما يقرأ احتمال إيداعه السجن عندما يعتقد وزير الإعلام بأن شيئا ذكرته هذه الصحيفة أو تلك قد كدر الصفو وأثار القلاقل، فهذه العبارات المطاطية من الممكن ان تستخدم بصورة مرعبة لأي شخص أو شركة تعمل في عالم الصحافة.
إضافة إلى ذلك فإن القانون المجمد يمد جسرا إلى قانون العقوبات، إذ يتحدث بين مادة وأخرى عن عقوبة معينة ويربطها باحتمال فرض عقوبة أكبر منها منصوص عليها في قانون العقوبات. وهذا يعني ان قانون الصحافة لا معنى له لأنه يخضع نفسه لقانون آخر ويربط مصيره بمصير ذلك القانون، بينما المفترض أن يكون القانون سيد نفسه أولا لكي يكون سيدا على وضعية معينة.
إن قانون الصحافة الذي سيصدر بعد تعديله لابد ان يشتمل على إطار ديمقراطي ويجب ألا يوقعنا في الأزمة التي مررنا بها خلال الأيام الماضية. وهذا يعني ان القانون يجب ألا يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمبادئ الدولية المنصوص عليها في العهود والمواثيق الخاصة بالحقوق السياسية والمدنية وحرية التعبير عن الرأي. وحرية الصحافة تشمل حرية الحصول على المعلومات وحماية سرية مصادرها لكي تستطيع الصحافة تأدية دورها. ففي وضعنا الحالي يمكن لأي وزير ان يمنع وصول معلومات عن وزارته لأي صحيفة لا يحبها أو ان مزاجه الشخصي لا يتواءم معها، كما يمكنه ان ينذر ويهدد أي موظف يعمل تحت امرته إذا سرب معلومات للصحيفة التي لا تروق له. وهذه الممارسة غير الديمقراطية يجب عدم حمايتها بقانون غير عادل. فالوزير في عصر الإصلاح يجب ان يقبل بالشفافية والمحاسبة ويجب ان يعلم انه ليس معصوما عن الخطأ وان منصبه إنما أنشئ من أجل خدمة المجتمع، وان المجتمع له حق الإطلاع على ما يدور في تلك الوزارة وكيف تؤثر كفاءتها أو عدم كفاءتها على حياة المواطن اليومية.
إن أسوأ ما تعانيه الدول المختلفة هي الصلاحيات الإدارية الواسعة إلى الوزراء الذين يمكنهم استخدام أي قانون يمنحهم صلاحية إدارية لخنق الحريات العامة. ولذلك فإن الصحافيين في البحرين أصروا على ان أي قرار يصدر ضد صحيفة أو صحافي يجب ان يكون بيد القضاء، وان يمارس القضاء دوره بعد النشر وليس قبل ذلك.
ثم ان رئيس التحرير يتحمل المسئولية العامة، ولكن يجب ألا يركز القانون على رئيس التحرير بشكل يعطي المبرر لأي رئيس تحرير بأن يتصرف كدكتاتور على الصحافيين. فالقانون المجمد يرمي اللوم في كل شيء على رئيس التحرير، وبالتالي فإن بإمكان رئيس التحرير ان يأمر بعدم نشر أي كلمة إلا إذا مرت عليه، وبإمكان رئيس التحرير ان يمنع أي شيء لأن القانون يعتبره الكاتب. إن هذا التركيز يلغي حرية الصحافي في الكتابة عن آرائه، كما يجعل العمل الصحافي أمرا مرعبا لمن يريد الالتحاق بالمهنة، فالصحافيون يجب أن يكونوا مستقلين من دون سلطان عليهم خارج القانون العادل، وخارج احتراف المهنة. لقد طرحت لجنة الصحافيين المكونة من رؤساء تحرير الصحف المحلية الثلاث واللجنة الثلاثية المنبثقة عن لجنة تفعيل الميثاق رأيها بكل صراحة وهي في صدد تقديم ذلك الرأي كتابيا. وبذلك فإن اللجنة الصحافية تقوم بدورها الوطني على أسس واضحة مطالبة بإزالة الرقابة المسبقة على أي مطبوع دوري أو كتاب، وإزالة الاذن المسبق الذي يفرضه القانون لطباعة وتوزيع أي مطبوع، وإزالة المنع على تداول أي مطبوع من دون اذن مسبق، وإزالة السلطات الإدارية الممنوحة للوزير لمنع تداول المطبوعات، وإزالة عقوبة السجن والعقوبات الأخرى المجحفة، وإزالة الربط مع قانون العقوبات أو أي قانون آخر، وإزالة الغموض في الاجراءات الإدارية، وإزالة منح النيابة العامة حق تحريك الدعاوى العامة من تلقاء ذاتها، إذ يجب ان تحركها على أساس قانوني واضح.
لقد تسلم رئيس التحرير رسالة من أحد الأشخاص غير البحرينيين يقول فيها إنه اطلع على قانون الصحافة الجديد ولا يوجد شيء يُرغّبه في الاستثمار في البحرين، فهناك البلدان الأخرى التي لا تقول ما يقوله هذا القانون. وكان ردي عليه ان ينتظر قليلا ليقرأ القانون المعدل، الذي نأمل ان لا يشرد المستثمرين ولا يرعب أبناء البلد
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 75 - الثلثاء 19 نوفمبر 2002م الموافق 14 رمضان 1423هـ