أفاقتْ من المخدّر بصعوبة؛ شعَرَتْ بوخزٍ في ذراعها الأيمن من أثر سحب الكانيولا. أطيافٌ هائمة لأطباء. ممرضات يدخلْنَ ويخرجْنَ وصوت الباب وهو يُفتح ويُغلقُ مراتٍ عديدة. لم تكن تُبصِر ما حولها جيدًا. طرقتُ ممرضةٌ بابَ غرفتها، ثمّ وضعتْ رضيعتين صامتتين ملفوفتين ببطانية ستان وردية إلى جِوارها، وخرجتْ. كانت الطفلتان نائمتين وجائعتين. تحسستْ بأطراف أناملها أصابع كل طفلة. سرَت في جسدها قشعريرة ساخنة، قالت لنفسها وهي تبكي من الفرحة: الحلم أم الأمل.
اعتدلتْ في جِلستها، ثم حملتْ الطفلتين وضمّـتهما إلى صدرِها. خاطبتْ الطفلتين: هل تعرفان أنني كنت أراكما في أحلامي؟ راودني الحُلمُ سنوات، وأتى في الوقت المناسب. شربتْ الرضيعتان حتى ارتوتْ الأمُ. قبّـلـتْ الطفلتين، فناما على صدرِها من جديد، وأنفاسُ الثلاثة تكاد تتمازجُ. جاءتْ الممرضةُ من جديد، ابتسمتْ في وجه الأمِ وأخذت الرضيعتين وذهبتْ بهما، فلمْ تعلّق الأم بكلمة.
بعد أن استفاقَ مِـن غفوته، أخذتْ تحكي لزوجها الذي قَيَّلَ فوقَ الفوتيه المقابلِ لسريرها عن الصبر وأنّ الله لا ينسى أحدًا، وأنّه كافأهما على صبرهما طوال هذه السنوات بزهرتين بدلًا من واحدة. كان الزوجُ يُنصتُ إليها وهو صامت. نظرَت الزوجة إليه نظرةً لم يفهم مغزاها.
خرج الزوج ليشرب سيجارةً في مكتب الاستقبال. قابلَ الطبيبَ، فقال له: حماة حضرتك أخبرتنا بأننا لو لم نفعل ذلك لماتت زوجتُكَ كمدًا، كانت حالتها النفسية سيئة قبل الولادة... كان علينا التضحية بواحدةٍ. حاولْ أنْ تَشرحَ لها الوضع. على أي يمكنها الخروج غدًا.
- ولكن الطفلتين رضعتـا منها... كانتْ «أمل» تُحِسّ بهما كما لو كانت أمهما... وقد استجابت الرضيعتان لها.
- هذ غريزه يا أستاذ أيوب، ولا علاقة لها بالأحاسيس، وجَدنا أمّ الطفلتين بالأمسِ، على بابِ المستشفى وهي غارقةٌ في غيبوبة سكر؛ تركها مجهولٌ... لا زوج ولا أقارب ولا حتى بطاقة شخصية... الله يرحمها... كانت هذه خطتي... التخفيف على زوجتك قليلًا.
أطفأ الزوجُ سيجارته في المطفأة الرملية المجاورة لمكتب الاستقبال. لمحَ الممرضةُ نفسها التي أخذت الطفلتين من زوجته تُهرعُ إلى الطبيب وتهمسُ له بكلمة واحدة. أمسكَ الطبيبُ بيدِ الزوج وسار به إلى غرفة الأمِ. احتار الزوجُ والطبيب كيف يشرحان الأمرَ لها.
قالت الأمُ: أنا أمٌ... أحسستُ بكل شيء من البداية، تمنيتُ شيئًا ما، لكن لله طرقه الخاصة في الاستجابة للدعوات.