أختبئ خلف صورتي الكبيرة المعلقة على الجدار، كعصفور يفززه المطر، لا أقرأ شيئًا، وأعول على الفراغ الذي بدأ يرسم دائرة على وجودي، دخانه يغشي الأبصار عني.
كان الجميع يبحث عني، في الغرفة، في الدفاتر، خلف الأبواب، يصيحون بصوت جهوري باسمي، وأنا لا أجيبهم، أسمع نداء أمي وهي تنتحب أين وضعتم قلبها أيها الأولاد؟ كانت تقصد إخوتي الثلاثة الذين دمّرتهم قصاصات الغياب المطبوعة على جباههم، كانت أيديهم منداة بالصلف والخشونة، يجرحون جلدي كلما لمسوا الصورة المعلقة على الجدار، كانوا في السابق عبارة عن أوراق تؤزها الريح كلما هبت نسائم الغضب على البلاد، عدم رضاهم بأسمائهم كان أحد أسباب ضياعهم وتشتتهم، الأول كان موهومًا بالخناجر، يتخيل كل امرأة غدرًا ممكنًا، الثاني، هوايته شتم الأسماك في الأنهار القريبة، الثالث معضلته أنه لا يفعل شيئًا.
أسمائي الحصينة، كانت أمي تناديهم بهذا اللقب، بينما أبي كان ينعتهم بدروعي المتهرّئة قبل أن يتحول إلى شجرة قضت في حادثة باب.
كنت أكتم ضحكاتي المتواصلة وأنا أجدهم يحثون الخطي في البحث عني، فكرت أن أبدل مكان اختبائي من خلف الصورة إلى خلف بئر البيت، فعلت ذلك، وأنا أنظر إلى اجتماعهم الذي طال أمده لوضع مخطط للبحث عني، سمعت أمي وهي تقول قبل أن تقف أين وضعتم الدلو أيها الأولاد؟
- في البئر يا أمي
- كاذب
- قال الآخر في البئر
- كاذب
- قال الأخير ربما في البئر
قالت أمي ربما، لكن البئر قد جف ماؤها، لماذا يعوزني الدلو؟!
بقيت لمدة ثلاثة أيام وأنا خلف البئر بعد أن قررت أمي أن عملية البحث ستتوقف، وستردم هذه البئر في خطوة كانت غير موفقة.
ماذا أفعل الآن وقلبي على البئر تمامًا؟!