[ توفي أمس الأول (الثلثاء، 28 مارس 2017) أحمد محمد كاثرادا، أحد القيادات البارزة التي قضت عمرها في مناهضة نظام الفصل العنصري "الأبارتهايد" في جنوب أفريقيا، عن 87 عاماً، إثر مضاعفات عملية جراحية.
حين تقرأ مذكرات مانديلا سيتكرّر عليك اسم كاثرادا، إلى جانب وولتر سوسيلو والقس ديزموند توتو. وفي "مذكرات مانديلا... حواري مع نفسي"، الذي كتب مقدمته الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ستقرأ مجموعة من الحوارات بين الرجلين في جلساتٍ ودية، يستعيدان ذكرياتهما الحلوة والمرة في السجن، وبعضها كانت أحاديث مسجّلةً على أشرطة تم تفريغها في الكتاب.
صدرت أول طبعةٍ من كتاب "مسيرة طويلة للحرية" كأول كتاب معتمد لمذكرات مانديلا في 1994، وأعيدت طباعته خلال عامين 17 مرة، ولاحقاً طُبع مئات المرات، وتلقفها القراء في مختلف القارات بمختلف اللغات. ويعترف مانديلا بأن كتابه لم يكن ليُنجز لولا مساعدة كاثرادا الذي كان يزوّده بالمعلومات ويصحّح بعضها، ويذكّره بما كان يحدث في السجن مع رفاق الدرب أو الجلادين والسجناء الجنائيين الذين نُقلوا إلى جزيرة روبن لتعليمهم الأشغال، وللتجسس عليهم أحياناً.
وُلد كاثرادا لعائلةٍ مسلمةٍ من الهنود المهاجرين الذين بدأ تدفقهم على جنوب أفريقيا منذ نهاية القرن التاسع عشر، حيث كانت جنوب أفريقيا تخضع خارجياً لاستعمارٍ بريطاني جشع، وداخلياً لسيطرة نظام فصل عنصري طوّره البيض بعد الاستقلال حتى أصبح قلعةً نوويةً حصينةً، مع شهية جامحة للإقصاء والاستبداد وسحق الملونين والأفارقة من أصحاب الأرض الأصليين. وكان كل ذلك يتم وفق نظام ديمقراطي وحكومي وقضائي مسيّس، تتحكّم فيه الأقلية البيضاء.
كل ذلك كان مخالفاً للطبيعة والكرامة البشرية، ولذلك كان يلاقي مقاومةً مستمرة من السود والملونين، فضلاً عن أقلية بيضاء من الأحرار أبت عليها إنسانيتها الانحياز لبني جلدتها من العنصريين، أو القبول بالظلم والاستعباد. وكان تصنيف كاثرادا من الملوّنين، وقد بدأ نضاله بتوزيع المنشورات وهو طفلٌ في سنّ الثانية عشر، وترك الدراسة في السابعة عشرة ليلتحق بصفوف الحزب الوطني الأفريقي.
هذه النخبة انتهى بها النضال إلى السجن مطلع الستينات، حيث تحوّل صمودهم إلى قصةٍ ملهِمة، بعد الحكم عليهم بالمؤبّد مع الأشغال الشاقة، و"أصبحت جزيرة روبن أسطورةً حيةً للمقاومة" كما قال مانديلا. ويستعرض كاثرادا توقعاتهم قبل صدور الحكم، فيجيبه مانديلا: "لم أبدِ اهتماماً، لكننا توقّعنا صدور حكمٍ بالإعدام وهيّأنا أنفسنا لسماعه. لكن بالطبع هي تجربةٌ خطيرةٌ جداً أن يلتفت إليك أحدهم ليقول لك: حانت الآن نهاية حياتك".
اشتهرت جنوب أفريقيا عالمياً بنظامها العنصري إلى جانب "إسرائيل"، وكانت الدول "الديمقراطية" الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تقف إلى جانبهما حتى بداية الثمانينات، حين بدأ الانقلاب في الموقف الشعبي في الغرب للضغط من أجل تغيير السياسات الداعمة للنظام العنصري. وفي نهاية ذلك العقد بدأ التغيّر في قناعات النظام نفسه بمجيء فريدريك ديكليرك الذي مدّ اليد إلى مانديلا لإخراج البلاد من المستنقع الدموي. وحين جرت الانتخابات الحرة الأولى في 1994، اختار الشعب مانديلا رئيساً، وأصبح كاثرادا نائباً ومستشاراً له.
في وفاته، وصفه زميل نضاله الأسقف ديزموند توتو (85 عاماً) بأنه "رجل اتسم باللطف والتواضع والثبات". ووصفه غريمه ديكليرك بأنه "كان رجلاً طيباً أحب جنوب إفريقيا وكل شعبها". أما زيناني ابنة مانديلا فقالت إنه "كان لي أباً ثانياً، لطيفاً ومنفتحاً دائماً".
هذه النخبة من المناضلين الأحرار، لم تكن جماعةً فوضويةً أو إرهابيةً، بل كانت تعرف ما تريد، فـ"النضال من أجل الحرية ليس معركة ضد فرد أو مجموعة أو لون، ولكنه نضال ضد القمع"؛ و"أن سياسة التفرقة العنصرية خلقت جرحاً غائراً ودائماً في وطني وشعبي، وسيقضي الجميع سنوات طويلة، إن لم يكن أجيالاً، للمعالجة من إرث الكراهية التي رسّخها النظام العنصري"، كما كتب مانديلا.
مثل هذه الزعامات التاريخية التي شقّت لشعوبها طريق الحرية والخلاص، فُرض عليهم العمل بالمحجر طوال النهار، وكانوا يعودون إلى زنزاناتهم مساءً وقد تحوّلوا إلى أشباحٍ يغطّيها الغبار الأبيض الناتج عن تكسير الصخور. لقد تركت للبشرية سيَراً عطرة وشُعَلاً من النور يستدفئ بها كل الأحرار في هذا الكوكب الجريح.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 5318 - الأربعاء 29 مارس 2017م الموافق 01 رجب 1438هـ
لن يلمع إلا أسماء المضحين والمناضلين كما خلدت أسماء قبل نلسون و كل على حجم تضحيته وأما المتزلفين المتخلفين و الذين يعيشون على دماء و حقوق و أرزاق الناس فالبعوضة أعلى شاء منهم ولن يذكرو إلا في مزابل التاريخ .
في كل الثورات والحركات النضالية ستجد أبواق إما قذرة حاقدة تعمل لصالح الظلام والعنصرية او يدفع لها مقابل تزييف الحقائق .
النضال ليس طائفي ولا عنصري الطائفي و العنصري الظام الذي عانى منه نلسون مانديلا ورفاقه .
اقترح يا سيدنا العزيز ان تنشر مذكرات هؤلاء الاحرار في الجريدة الحبيبة باعمدة خفيفة ومبسطة ومختصرة ان امكن لتقرأ بسهولة افضل من كتاب 500 صفحة ، وكل مرة تبرز سيرة احد الابطال بطريقتك الخاصة ، وشكرا لكم وشكرا لكم ولجريدتكم . ومجرد اقتراح .
في جنوب افريقيا كان النضال وطني و ليس طائفي لذلك اجمع الشعب عليه
بدون هراء إذا كنت جاهل التاريخ
كانت الأغلبية من الافارقة والهنود في جهة وكانت اغلب البيض العنصريين في جهة ثانية. لكن الحق دائما ينتصر.
كان مانديلا يتهمونه ارهابي مثل ما يتهمون غيره الآن. لكن البطال لا يدوم وتنكشف الحقائق للناس جميعاً بدون تزوير.
مانديلا كان يمثل قيادة وطنية و ليس طائفي لذلك اجتمع الافارقة و و حتى البيض قبلوا به و ليس مثل الي عندنا طائفيين
الاحرار موجودين في كل بلد
ودائماً يتم تشويه سمعتهم واتهامهم وسجنهم كأنهم مجرمين
التاريخ يكرر نفسه
هذه النخب المؤمنة بقضيتها وعدالة مطالبها تركت للبشرية سيَراً عطرة وشُعَلاً من النور يستدفئ بها كل الأحرار .
الى رحمة الله، هكذا هم احرار وشرفاء البشر يناضلون من أجل الانسان وحقوق الانسان وكرامة الانسان ربما ليس لهم علاقة او ارتباط بدينهم كثر ما لدى بعض المسلمين من معرفة وقراءة واطلاع لكنهم عملوا حتى آخر نفس من اجل الانسان، هذا الانسان الذي كرّمه الله .
لو قارنّا هؤلاء ببعض المسلمين ممن ينشرون الحروب والدمار والقتل والفتن و التكفير فهل هناك مجال للمقارنة ؟
سيد عمودك اليوم ضربة أستاذ على عنصرية نظام جنوب أفريقيا العنصري والمجرم واللصوصي وهذا ديدن اللصوص والغزاة في كل مكان.
زائر
شكرا لك استاذ على المعلومات الثقافية والتاريخية الشيقة للقراءة والمعرفة .