العدد 74 - الإثنين 18 نوفمبر 2002م الموافق 13 رمضان 1423هـ

نجاح الأمم في اعتماد الناس على بعضهم الآخر

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لعل من أهم مميزات المجتمعات المتقدمة هي استطاعة افراد تلك المجتمعات الاستماع لبعضهم بعضا، وأيضا الانقياد لبعضهم بعضا. والأمم التي فشلت في الاستماع والانقياد لبعضها الآخر يتسلط عليها من هم أجانب عنها يسيرونها رغما عنهم ومن دون رعاية مصالحهم.

وتلك أيضا احدى السمات التي دعانا إليها القرآن الكريم «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض» (التوبة: 71)، وأولياء بعض معناه تبادل النصائح والتوجيهات والقبول بالانقياد لبعضهم الآخر.

الأمم المغلوبة أو المنهزمة تراها غير قابلة للانقياد الذاتي، وتحتاج إلى من يقسو عليها ولا يشعر انه جزء منها لكي تتسق الأمور فيما بينها. والمجتمع البشري بصورة عامة يتغلب في قدرته لخلق المدنية (التي يعجز غيره من المخلوقات عن خلقها) لأنه يستطيع تدشين عوامل لا تتوافر لغيره. وأهم هذه العوامل أربعة، الأول يتعلق بالقدرة العلمية، أي اكتشاف واختراع الوسائل المادية التي تحسّن المعيشة وتسهلها. والعامل الثاني قدرة المجتمع البشري على ترتيب القوانين المستمدة من الوحي الإلهي والطبيعة والخبرة الإنسانية لتسيير أمورهم بحيث لا يتم تكرار الأخطاء وتحسم الأمور على أساس قواعد متفق عليها من الجميع أو من الأكثرية. والعامل الثالث هو قدرة المجتمع البشري على تسيير الأمور عبر هيكلية تنظيمية، وهذه الهيكلية قد تكون بدائية (القائد هو أكبر شخص أو أقوى شخص). أو تكون على أساس الخبرة (انه شخص لديه الحق في ان يصدر قرارات ويأمر غيره) أو شعبية قائمة على الانتخاب الحر المباشر، أو أسس مشتركة من جميع ما ذكر. والعامل الرابع الذي يميزنا كمجتمع بشري هو القدرة السياسية، أو الحنكة التي نتمتع بها. والسياسة الصحيحة هي تسيير الأمور من دون اللجوء إلى العنف، وتحقيق الأهداف الكبرى التي يعجز الإنسان بقوته العضلية عن تحقيقها ولكنه يستطيع ان يمليها بقدرته الذهنية (السياسية).

ومناسبة هذا الحديث هو ما يدور في كثير من المجالس البحرينية عن استطاعتنا كمجتمع ان ننقاد لبعضنا الآخر بصورة فاعلة ولكن من دون ان نخسر حقوقنا. فكثير من المسارب الثقافية لدينا ترفض الاستماع وترفض الانقياد وترفض كل عمل طوعي إلا إذا فُرض عليها بحكم الواقع. والرفض للاستماع ثم الانصياع لخطة متفق عليها هو السبب الرئيسي في عدم الأخذ برأي جماعة معينة. وهذا ينطبق على أوضاع الجامعة العربية التي لا يؤخذ برأيها في شئون العالم ولا حتى في شئون الدول العربية، لأنها لا تستطيع ان تتفاهم فيما بينها ولا تستطيع تنفيذ خطط مشتركة. وفي كلمة لرئيس الوزراء البريطاني بلير بعد فوز حزب العمال الساحق في العام 1997 قال فيها إن مثل هذا الانتصار تأخر مئة سنة لأن الاشتراكيين في بريطانيا لم يستطيعوا الاتفاق فيما بينهم وكانت مؤتمراتهم محافل للفوضى والتناوش.

وإذا كان مثل هذا الحديث ينطبق على حالات أدت بأصحابها إلى خسران الفرص، فإننا لا نريد ان نخسر فرصة لتطوير وضعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي بسبب كثرة اللغط والابداع فقط في مجال التفريق والتفتيت والتنابز بالألقاب وبث الشائعات والاتهامات والادعاءات من دون ان نتمكن من طرح برامج عملية لتحسين أوضاعنا.

والجماعات المختلفة خسرت عاما كاملا بعد التصديق على الميثاق تتدرب على بعضها الآخر كيف تفتت هيئاتها وكيف تتحزب بشراسة ضد بعضها الآخر وكيف تتحدث وتتحدث وتتحدث... ولكن من دون ان تلتفت لواقعها الذي أخذ في التراجع وهي لاهية بنفسها.

والآن لدينا فرصة أخرى لفسح المجال أمام بعضنا بعضا، للاستماع لبعضنا بعضا، للتسامح فيما بيننا، وللدخول في أعمال مؤسساتية لحل خلافاتنا الاعتيادية وغير الاعتيادية، وهذه الفرصة فسحت لنا لأن لدينا حرية التجمع السلمي وحرية التعبير عن الرأي، وبإمكان كل ذلك ان يستمر ويتطور إلى حياة سياسية أفضل إذا استطعنا ان نقبل بعضنا الآخر وان نتعامل مع واقعنا بعقلانية واعتدال وبفاعلية تمكننا من تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.

والمؤشرات الإيجابية لحياة عامة تتسم بمزيد من الحرية في التنظيم والتعبير مستمرة هذه الأيام، وهو أمر ينظر إلينا الآخرون - على رغم ما نرى من عيوب كثيرة في تجربتنا - بعين ملؤها الأمل بأن تنجح لكي تتسع وثم تفسح المجال لتجارب أخرى في المنطقة

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 74 - الإثنين 18 نوفمبر 2002م الموافق 13 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً