ركب السفينة على عجل، أشار إلى القبطان أن ينطلق:
- إلى أين؟
- سأخبرك حالما نصل.
مر بجزرٍ وردية، وكثبانٍ رملية، وجد نفسه هناك، رائحتها تفوح في كل ركن، مع رائحة سنواته العجاف:
- لابدّ أنها موجودة.
بحث عنها في نفس الدهليز الطويل، كما بحث عن طفل صغير كان يحبو في ذات المكان، لا أثر لمخلوق.
خرج إلى الحديقة الصغيرة حيث الشجرة الوحيدة ثابتة مكانها، لم تثمر أبداً، كانا يتساءلان عنها:
- ترى ماذا ستثمر؟
- برقوق أو كمثرى على ما أظنّ.
- أياً كان ما تثمره، سأكون أول منَ يقطف ثمارها، وأول من يتذوق طعمها.
ضحكا طويلاً ثم ساد الصمت القاسي.
كان الشتاء يغزل خيوط الربيع القادم، ورغم ذلك لم يسمع صوت زقزقة العصافير ولا هديل الحمام، دقّ جرس الباب، حين نظر رأى سيدة منتقبة:
- مرّ وقتٌ طويل مذ رأيتك هنا.
- منْ أنتِ؟
حين كشفت النقاب عن وجهها، لم يطق النظر إليه، كم كان جعداً ومشوها:
- ألم تعرفني؟ أنت الذي شوّهت وجهي الجميل، ودفنت شبابي إلى الأبد؟
- أنا؟!
- هل أصبتَ بفقدان الذاكرة؟ ألا تذكر ذلك اليوم حين أحضرت لي زجاجة وأخبرتني أن بها ماء الورد، وسكبتها عليّ وأنت تضحك، لم أفق إلا في المشفى، أخبروني أنك سكبت على وجهي ماء النار.
- اذهبي أيتها العجوز الشمطاء من هنا.
- بل أنت الذي سيذهب.
وفجأة...
أيقظه القبطان:
- هل سنرسو هنا؟
- لا... سنعود أدراجنا.