الاصابات المتعددة، في الولايات المتحدة خصوصا، بجرثومة الجمرة الخبيثة عكست واقعا جديدا يعايشه الانسان المعاصر في مطلع القرن الـ 21.
وأصبحت قضية الاسلحة البيولوجية المحتوية على جراثيم الجمرة الخبيثة والجدري وغيرها من اسلحة الدمار الشامل حقيقة واقعة بعد ان عاشت فترة الاعلام والبحوث والنظريات.
وبدأ عصر جديد يسمى «بالارهاب البيولوجي» في شن حرب جرثومية على الاعداء والابرياء يكون معرفة وقوع الهجوم نصف المعركة.
وتوجد الكثير من المختبرات العامة بعضها متخصصة في التعامل مع آثار الاسلحة البيولوجية غير ان هناك القليل من الوحدات النقالة للمعالجة الفورية او استخدام الربوت (الانسان الآلي) في المختبرات للتعامل مع الجراثيم المعدية والقاتلة في هذه الاسلحة.
والتوجه الآن لوضع الخطط التقنية مستقبلا في بناء اجهزة صغيرة، فاعلة، ومتينة تتمكن من الكشف الآني عن جراثيم الاسلحة البيولوجية.
ماهي الاسلحة البيولوجية؟
الاسلحة البيولوجية الحاوية على البكتيريا والفايروسات والسموم يتم نشرها عن قصد في الهواء والطعام والماء عند دخولها اجسام الكائنات الحية وتنتشر للتغلب على نظام المقاومة أو مناعة الجسم. وامثال هذه الجراثيم Bacillus anthracis أو الجمرة الخبيثة المسببة لمرض الانثراكس وYersinia المسببة لامراض الطاعون وVariola Major والمسببة لامراض الجدري.
وتشخص وكالات الصحة العالمية عن وجود 23 نوعا من البكتيريا و43 نوعا من الفيروسات و14 نوعا من التكسين (السمن الموهن) خطر كامن وحقيقي في الحرب الجرثومية.
والمعروف ان بضعة غرامات من الجراثيم الجافة كالانثراكس، يمكنها ان تصيب آلافا من البشر. وتظهر اعراض المرض خلال اسبوع. ويتبعها الموت ببضعة ايام لاحقة. بعض الاسلحة البيولوجية يمكنها ان تسبب وباء هائلا كالجدري، على سبيل المثال، بسبب سهولة انتقال الجراثيم من شخص إلى آخر. اما مرض الانثراكس فعلى العكس غير معد ويصبح مميتا اذا تم استنشاق الانثراكس أو هضمه فقط.
وقد مهد التطور السريع في هندسة الجينات في الماضي القريب، الطريق إلى تصميم انواع مختلفة من الجراثيم البيولوجية.
ومارس بعض العلماء بحوثا متطورة تسمى «بالبيولوجيا السوداء» إذ تمكنوا من خلق انواع من جراثيم الانثراكس والطاعون Tularemia (نوع شديد العدوى والمسبب لتقرحات الجلد وامراض ذات الرئة) المقاومة لعلاج الادوية أو المضادات البيولوجية.
وجاذبية هذه الاسلحة لمستخدميها هو قدرتها على الهجوم على تجمعات بشرية كبيرة من دون احداث الخراب في البنى التحتية، ويمكن لها ان تصبح فاعلة باستعمال كميات قليلة ومنتجة بثمن قليل في فترة زمنية قصيرة ويصعب في الوقت ذاته حماية السكان من الاسلحة بسبب صعوبة الكشف عنها.
وهناك قلق مستمر من ان تغدو الاسلحة البيولوجية النوع المفضل من اسلحة الدمار الشامل مستقبلا لقدرتها على احداث الشلل والارباك التام.
الدبلوماسية البيولوجية
شهد القرن الماضي، القرن العشرون، فعالية شديدة التطور في انتاج الاسلحة البيولوجية. فقد كانت الولايات المتحدة منهمكة في برامج البحث والتطوير لانتاج اسلحة بيولوجية متطورة. وتوقف العمل بهذه البحوث في نهاية الستينات من القرن المنصرم. وتذكر بعض المصادر الدبلوماسية استمرار الولايات المتحدة في القيام بالبحوث المتقدمة الى حد هذا اليوم لانتاج اسلحة جرثومية عالية التطور. ومعروف امتلاك الاتحاد السوفياتي السابق لكميات هائلة من الاسلحة الجرثومية المتقدمة. وتذكر معظم المصادر استمرار روسيا في تطوير اسلحة بيولوجية.
كما توجد بلدان اخرى منهمكة في بحوث متطورة كإسرائيل وكوريا الشمالية والعراق. واعتمادا على المصادر الرسمية إذ توجد24 دولة منغمسة في جمع وتطوير الاسلحة البيولوجية.
وقد توج الضغط العالمي و ضغط الرأي العام بولادة اتفاق الاسلحة البيولوجية والتكسين (Biological & Toxins Weapons Convention) العام 1972، التي تحرم تطوير وانتاج وجمع او استحواذ الاسلحة البيولوجية ووسائل نشرها أو قذفها أو تسليمها.
التكنلوجيا المضادة
توجد طريقتان لتشخيص الجمرة الخبيثة والجراثيم الاخرى من التلوث المايكروبيولوجي. الاولى تستغرق بضعة ايام، إذ تقوم باستنبات كائنات دقيقة في المسحوق الملوث وتعريض هذا المسحوق لوابل من الاختبارات والتحاليل الكيماوية لتشخيص الجراثيم المميتة.
والثانية تشخيص وتكبير حامض دي. أن. أي (DNA) للكشف عن الجراثيم الغازية. هذه الطريقة معقدة! وقليل من المختبرات معدة لاداء هذه الاختبارات.
ويوجد حل سريع مع تكنولوجيا لاداء الاختبارات الكاشفة عبر الفحص الآني بالقرب من اماكن التلوث أو وقوع الاصابات.
يستخدم الاختبار طقما للكشف بكلفة 20 دولارا اميركيا ويعمل على احداث شقة (Strip) أو قطعة طويلة ضيقة في مكان الاصابة. النظام المسمى «حارس الانذار لخطر البايو» يستغرق 15 دقيقة للكشف عن وجود الجمرة الخبيثة.
ويقول مدير التسويق في احدى الشركتين المطورة لهذا الاختبار ثوم فيرزل «انه تم ارسال عدد من الأطقم في الاسبوعين الماضيين إلى مناطق الطوارئ والجيش ما يعادل ارساله خلال 3 أو 4 اشهر».
ويقوم الاختبار على وضع عينة من المادة الملوثة في محلول معين ثم يهز المحلول بشدة يتبعها وضع قطرات من مزيج المحلول على شقّة أو قطعة طويلة ضيقة مما يجعل الاجسام المضادة، والمحددة بالجمرة الخبيثة والموجودة على الشقة، تلتصق مع بكتيريا الجمرة الخبيثة في العينة.
ويلاحظ عند حدوث هذا الامر انفصال الاجسام المضادة من الشقة والنزوح على طرفيها ويظهر كذلك اثنان من الخطوط الحمراء.
وأصبحت شقق طقم النظام في الكشف عن مرض الانثراكس جزءا من ادوات غرف البريد للشركات والمنظمات الكبيرة. وتعد نتائج هذا الاختبار اولية تكفي للطمأنة وتحاشي الارباك عند العاملين. إذ يمكن بعدها ارسال المساحيق والمناطق الملوثة للمختبرات الكبيرة لعمل الفحوص الدقيقة والشاملة.
مستقبل
التكنولوجيات المضادة
تعتبر مختبرات البحوث والوحدات المتحركة (النقالة) لكشف ومعالجة الاصابة بجراثيم الحرب البيولوجية مهمة لكن التوجه في المستقبل إلى تشخيص الجراثيم الخبيثة لمختبرات تدار من قبل الربوت (الانسان الآلي).
والاهم ربما، يعمل الباحثون على تطوير طرق للكشف عن الهجوم البيولوجي عبر اجهزة ذات متانة، نقالة، سريعة وصغيرة الحجم.
وتعمل الاجهزة من خلال اختبار عينات من الهواء وذلك اما بفحص جراثيم الانثراكس أو الجراثيم الاخرى الموجودة في المناطق الملوثة أو استخلاص دي. ان. أي (DNA) لمعرفة ما هية وكمية تركيز السموم والجراثيم الموجودة خلال 30 دقيقة.
اجهزة كاشفة
تحت التطوير
اولا: اجهزة بيولوجية كيماوية كاشفة لسلسلة حامض دي. ان. أي أو البروتينات الفريدة لجراثيم الحرب البيولوجية من خلال تفاعلها مع جزئيات الاختبار.
ثانيا: اجهزة انظمة الانسجة البيولوجية التي يتم فحص وقياس الانسجة والخلايا عن تأثير الجراثيم والتكسين البيولوجية.
ثالثا: انظمة سبكترومتري اليكماوية العاملة على تكسير العينة إلى عدة اجزاء في الحوامض الامينية ثم مقارنة احجامها مع المقاييس المقننة المعروفة للجزيئات والبيولوجيات الاخرى في المختبرات المتطورة.
رابعا: رقائق دي. ان. أي وهي عبارة عن كشافات يقوم عملها على مقارنة حامض دي. ان. أي المأخوذ من الكائنات الحية الصغيرة (مايكرو) في العينة مع حامض دي. ان. أي في جراثيم الاسلحة البيولوجية المعروفة.
واستطاع الباحثون في السنين الاخيرة تشخيص دي. ان. أي لمجموعة من الجراثيم باستخدام طرق التسلل الجيني لدراسة الميكروبات الاعتيادية.
فيعمل الكاشف البيولوجي في رقائق دي. ان. أي على جمع العينات في الميدان (المهيأة مسبقا بشكل اوتوماتيكي) لتشخيص ومعرفة نوع دي. ان. أي باستخدام طريقة بي. سي. ار (PCR) أوPolymerase Chain Reaction كما يمكن قياس حامض دي. ان. أي باستخدام رقائق كاشفة يقوم عملها على استخدام المجالات المغناطيسية. وتستطيع الرقائق المغناطيسية اختبار 64 سلسلة مختلفة من دي. ان. أي
العدد 74 - الإثنين 18 نوفمبر 2002م الموافق 13 رمضان 1423هـ