العدد 5315 - الأحد 26 مارس 2017م الموافق 27 جمادى الآخرة 1438هـ

الأوروبيون يعضّون على نواجذ الاتحاد... ووصايا الإمبــــــراطور «تراجان» لهم: إنها وحدتكم الحضارية

في الذكرى الستين على توقيع معاهدة روما

صادفت السبت (25 مارس/ آذار) الذكري الـ 60 على توقيع اتفاقية روما بين ست دول أوروبية (ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وهولندا لكسمبورغ) إذ اعتُبِرت تلك الاتفاقية باكورة العمل الأوروبي المشترك، حين بُدِأ بالمجموعة الأوروبية الاقتصادية (سي إي إي) التي أقامت لاحقاً السوق الأوروبية المشتركة، إلى أن وصل إلى الاتحاد الأوروبي. وتمر هذه الذكرى في ظل الجدل الذي ما يزال محتدماً إثر تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي ما تزال فيه كل من ألمانيا وفرنسا تنظران لتجربة الاتحاد على أنها الأفضل لتكامل الأوروبيين ووقوفهم أمام التحديات.

«الوسط» تفتح ملف الاتحاد الأوروبي مع حلول ذكرى توقيع نواته الـ 60، مستعرضة الإرهاصات التي أدت إلى ذلك ولغاية واقع الحال في ظل العديد من المتغيرات التي شهدتها تلك الفترة من التاريخ الأوروبي وما تلاها، مستندة في ذلك إلى العديد من المصادر التاريخية والمراجع السياسية والاقتصادية ذات الصلة.

أوروبا القديمة:

تعتبر أوروبا واحدة من القارات التي استقرَّت فيها شعوب مختلفة أقامت دولاً كبيرة وأخرى صغيرة كان لها دور فاعل في إدارة شطر هام من العالم القديم. وبقراءة التاريخ الأوروبي خلال العصور الوسطى نرى كيف شكَّلت بقايا الرومان والبربر الواقع الأوروبي خلال تلك الفترة وما أعقبها. فما بين القرن الخامس والقرن الخامس عشر الميلادي كانت أوروبا ما تزال تتطلع إلى دور سياسي واقتصادي عالمي مستفيدة من تاريخ وحدتها الحضارية التي مثّلتها الإمبراطورية الرومانية والتي هيمنت على مراكز العالم الأساسية باستثناء الهند وفارس، عندما حقق الإمبراطور ماركوس أليبيوس نيرفا تراينوس أو كما يُعرَف بـ تراجان (98م -117م) ذلك الحلم فكان نفوذ الرومان قد امتد إلى القارات الثلاث: أوروبا وإفريقيا وآسيا.

أوروبا الحديثة:

يُمكن القول بأن تاريخ أوروبا الحديث يبدأ من العام 1789م كما قرَّره المؤرخ الكبير هربت فيشر. ومنذ ذلك التاريخ وفي بحر 150 عاماً فقط زاد عدد السكان في أوروبا فبلغ 350 مليون إنسان، وبدأت المدن تتوسّع وتُبنَى الجيوش القوية ويزداد النفَس الإمبريالي. ومع ظهور الثورة الصناعية (1848م) وقبلها الثورة الفرنسية (1789م) ومع ظهور نظم رأس المال أخذت الأوضاع في أوروبا تتغيّر بشكل كبير. وما بين العام 1816م والعام 1965م وقَعَتْ هناك أربع وسبعون حرباً دولية، كان أكبرها وأكثرها فداحة في الخسائر هي الحربين العالميتين الأولى (1914م - 1918م) والثانية (1939م - 1945م)، والتي طحنت أوروبا بقسوة باستثناء خمس دول، هي إيرلندا، السويد، البرتغال، إسبانيا وتركيا بجزئها الغربي كما يذكر إريك هوبْزْباوْم.

وحتى بعد انتهاء تلك الحربين بقيت الصراعات تحيط بأوروبا. فبعد نجاح الثورة البلشفية بـ 30 أو 40 عاماً كان ثلث البشرية، يعيشون تحت حكم أنظمة شيوعية كما يُذكر. هذا الأمر ولّد صراعاً من نوع آخر، سُمِّي حينها بالصراع البارد (أو الحرب الباردة) إذ كانت أوروبا ساحة أساسية فيه، وخصوصاً أنها كانت مشطورة ما بين أوروبا غربية آمنت بالفكر الرأسمالي، وأخرى شرقية اختارت النظام الشيوعي، وهو ما جعل التحديات كبيرة جداً أمام الأوروبيين المنهَكِين أصلاً بفعل الحروب.

أوروبا تَتَكَتَّل

بعد أن وضعت الحرب الكونية الثانية أوزارها بعامين وقَّعَت ثلاث دول أوروبية وهي هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ على اتحاد اقتصادي عُرِف بـ بينلوكس. وبعده بعام أُنشِأت المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي لإدارة مشروع مارشال. ثم وفي العام 1949م أنشِأ المجلس الأوروبي في ذات العام الذي وُقِّعَت فيه معاهدة حلف شمال الأطلسي. وبعد عام على ذلك أقيم اتحاد المدفوعات الأوروبي. لكن وفي الـ 9 من مايو/ آذار عام 1950م قدَّم وزير الخارجية الفرنسي روبير شومان (1886م - 1963م) مقترحاً لإنشاء تكتل اقتصادي أوربي. ولأن شومان كان ألمانياً وفرنسياً في آن واحد من ناحية النَّسّب وانتماء الدم المختلط، فقد كان هاجسه الأول هو اندلاع حرب ألمانية فرنسية رابعة. وقد لاقت دعوته ترحيباً أوروبياً، فقررت ست دول هي ألمانيا (الغربية حينها) وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ توقيع اتفاق باريس في الـ 18 من شهر أبريل/ نيسان عام 1951م الذي قضى بإنشاء المجموعة الأوروبية للفحم والصلب (إي سي إس سي). وبعد 3 أعوام انضمت للمجموعة المملكة المتحدة. وكان ذلك التكتل في حقيقته النواة التي دفعت لإنشاء السوق الأوروبية المشتركة، ثم الاتحاد الأوروبي. وللتاريخ فإن مقترح شومان قَطَعَ التفكير الكلاسيكي لدى الفرنسيين والذي يقوم على ضرورة تحجيم ألمانيا كي لا تتحوّل إلى قوة منافسة كما يرى محللوا تلك الفترة، لكن الرجل بدا أكثر واقعية حين دعا إلى احتواء ألمانيا وضمّها داخل منظومة اقتصادية أوروبية وبالتالي ضمان صداقتها، وهو ما حصل بالفعل، الأمر الذي انعكس على السِّلم في أوروبا منذ أكثر من نصف قرن وإلى الآن.

كان الساسة الأوروبيون يعتقدون بأن تقوية الوشائج الاقتصادية من شأنه أن يُذيب الخلافات بين الدول، كما أنه يَحُول دون انتقال المنافسة إلى صراع مفتوح. لذلك وكما يقول جون بيندر وسايمون أشروود فإن إزالة الحواجز بين حدود كل من فرنسا وألمانيا وبلجيكا ولوكسمبورج وإيجاد حَوكَمَة مشتركة لأسواق الفحم والصلب كان أمراً جيداً لإزالة الخلافات بين هذه الدول وغيرها.

التكامل يتماسك:

في الأول من يناير من العام 1958م دخلت حيّز التنفيذ أهم معاهدَتَيْن توقعهما دول أوروبية كانتا جوهر اتفاق روما التي هي البوابة نحو التكامل الاقتصادي ولاحقاً السياسي. فقد ظهرت للعالَم «المجموعة الأوروبية للطاقة الذرية» و «المجموعة الاقتصادية الأوروبية» التي بقيت الأهم كونها تتعلق بالجوانب الاقتصادية، وأنشِئت في سبيلها مفوضية خاصة ومُنِحَت صلاحيات كبيرة في الجوانب الجمركية والتجارة الداخلية والتعرفة الموحدة. والحقيقة أن ما بُنِيَ لاحقاً من قانون أوربي موحّد عام 1987م ومعاهدة ماستريخت عام 1993م وأمستردام عام 1999م ونِيْس عام 2002م ولشبونة عام 2009م كان قد تأسس على المجموعة الاقتصادية الأوروبية.

بعد 15 عاماً وتحديداً في يناير/ كانون الثاني من العام 1973م قرّر البريطانيون والآيرلنديون والدنماركيون الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية، على الرغم من أن بريطانيا كانت تضع رجلاً في المجموعة وأخرى خارجها، لغاية العام 1984م عندما وقعت اتفاقية معها تقضي بتخفيض مساهمتها في الميزانية الخاصة بالمجموعة. وفي العام 1981م دخل اليونانيون، وبعدها بخمسة أعوام دخل البرتغاليون والإسبان. وقد أولى الأوروبيون اهتماماً خاصة لشبه الجزيرة الإيبيرية بعد عقود من هيمنة ديكتاتورية فرانكو على الحكم في إسبانيا.

السوق الأوروبية المشتركة:

أفرزت اتفاقية روما شعوراً أوربياً بضرورة التكامل الاقتصادي والتكتل في وجه التحديات. لذلك كان هناك شعور بأهمية التنازل ولو جزئياً عن السيادة الوطنية لصالح العمل المشترك. ومن هذا المنطلق جاءت فكرة السوق الأوروبية المشتركة كتأكيد على ذلك الشعور. وكان من أهم بنود تلك السوق هي حرية مرور البضائع وانتقال الأشخاص والخدمات ورؤوس الأموال واتباع سياسة زراعية مشتركة (طرفها فرنسا أمام ألمانيا التي كانت تتصدّر المشهد الصناعي الأوروبي) وسيادة المنافسة الحرة وتنسيق السياسات الاقتصادية والنقدية والتجارية والتوافق على سياسة اجتماعية أوروبية.

وقد أنشِأت في سبيلها لجنة أوروبية مشتركة ومجلس وزراء للسوق وبرلماناً أوربياً ومحكمة عدل أوروبية. ثم تطوَّرت النقاشات في منتصف الثمانينات من القرن الماضي للوصول إلى سوق أوروبية «مُوحَّدة» بعملة مُوحَّدة، وسياسات دفاعية مشتركة. وقد أسَّس هذا الانتقال لاتحاد جمركي أوربي.

ووفقاً للمصالح القائمة بين الدول الأوروبية فقد قرَّرت مفوضية المجموعة أن تقوم الدول مجتمعة بتطبيق 300 إجراء يتم تطبيقها لغاية العام 1992م كي تتحقق فكرة السوق الموحَّدة، حول السوق المصرفية الواحدة والسوق التجارية والنظام النقدي والتوجهات الاجتماعية والعلوم والتقنية وقضايا البيئة كما جاء، وهو ما أُطلِقَ عليها آنذاك بـ الصّك الموحَّد، وأصبحت بعدها الدول الأوروبية كتلة اقتصادية واحدة بدون قيود.

الاتحاد الأوروبي:

في تلك الأثناء كانت المشاورات على قدم وساق من أجل إيجاد صيغة لاتحاد أوربي. وقد سَبَقَ ذلك صدور القانون الأوروبي الموحَّد الذي دَعَمَ فكرة السوق. وبعد توقيع معاهدة ماستريخت في فبراير/ شباط العام 1992م (دخلت حيز التنفيذ في نوفمبر/ تشرين الثاني 1993م) بدأت تظهر قوانين جديدة في أوروبا تتعلق بعملة اليورو والبنك المركزي الأوروبي وصلاحيات مشتركة في «التعليم والشباب والثقافة والصحة العامة» وبدأ الحديث عن سياسة خارجية وأمنية مشتركة وحركة مرنة لمرور الأفراد. لذلك نَقَلَت اتفاقية ماستريخت أوروبا من العمل الاقتصادي الموحَّد إلى التكتل الأشمل حين دخلت في كونفدرالية أصبح نطاقها يشمل العمل السياسي كذلك، فبات هناك تنسيق كامل في مجال السياسة الداخلية والخارجية وفي المجالات الأمنية والدفاعية والقضائية، وحق الانتخاب لجميع الأوروبيين، وبذلك ظهر تكتل أوروبا بشكل جديد قائم على الاتحاد. هذا الأمر شجّع دولاً أخرى للانضمام. ففي العام 1995م انضمت السويد وفنلندا والنمسا. وبدأت كل من سويسرا والنرويج وقبرص ومالطة تفكر في الانضمام. وبسبب تزايد طلبات الدخول إلى التكتل وُقِّعَت معاهدة أخرى عُرِفَت بمعاهدة أمستردام وذلك في العام 1997م لتدخل حيِّز التنفيذ بعد سنتين.

وبعد انهيار الكتلة الشيوعية في بداية التسعينيات سعت عدة دول أوروبية (شرقية) للانضمام للاتحاد الأوروبي. فما بين عامَيْ 1997م و 2004م دخلت دول البلطيق الثلاث إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وكذلك المجر وبولندا وبلغاريا ورومانيا وقبرص ومالطة والتشيك وسلوفاكيا وسلوفينيا. واليوم بات الاتحاد الأوروبي مكوّن من 28 دولة (سيصبح 27 دولة بعد خروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد).

مؤسسات الاتحاد الأوروبي:

يتكوَّن الاتحاد الأوروبي من عِدَّة مؤسسات. فهناك المفوضية الأوروبية التي تُمثِّل دولاب العمل التنفيذي في الاتحاد، وهي مُكوَّنة من 28 فرداً يُمثلون جميع الدول الأعضاء ومقرها بروكسل في بلجيكا. وهي أيضاً معنية بالمراقبة لعمل الدول، ولديها الصلاحية لمقاضاة أي عضو مخالف. وهناك البرلمان الأوروبي وهو مُكوَّن من 751 عضواً يُمثلون أوروبا كلها، وفيه يُصوَّت على القوانين التي تقدّمها المفوضية الأوروبية. كما أن للأحزاب الأوروبية الحق في التمثيل كذلك. لذا، يُوجد في البرلمان الأوروبي حزب الاشتراكيين الأوروبيين، وحزب الشعب الأوروبي والديمقراطيون الأوروبيون، وتحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا، والمحافظون والإصلاحيون الأروربيون ومجموعة الخضر والتحالف الأوروبي الحر، ومجموعة اليسار المتحد الأوروبي، واليسار الأخضر في بلدان الشمال الأوروبي، وأوروبا الحرية والديمقراطية ونواب مستقلون. ولدى البرلمان مقرَّان أحدهما في بروكسل والآخر في ستراسبورغ في الشرق الفرنسي. المؤسسة الثالثة في الاتحاد هي مجلس الاتحاد الأوروبي، وفيه يقوم مندوبو الدول بعرض وجهات نظر دولهم حول مختلف القضايا. وهناك كذلك محكمة العدل الأوروبية، ومهمتها مراقبة الدول الأعضاء في مدى تنفيذها للقرارات واللوائح وحلحلة أيّة خلافات بينية للدول الأعضاء، وهي تقع في دوقيّة لوكسمبورغ أصغر دولة أوروبية حجماً وسكاناً.

تحديات:

بالتأكيد لم يكن إتمام كل هذا العمل المشترك دون تحديات. فكان هناك الاختلاف على مسألة الفيدرالية منذ أيام ديغول. ثم دولاً عدة رفضت الانضمام أو القبول بقرارات خاصة في الاتحاد بناء على استتفتاءات متوالية أجرتها على شعوبها. فعلى سبيل المثال رفض السويديون بنسبة كبيرة الانضمام إلى منطقة اليورو في استفتاء عام أجرِيَ في شهر سبتمبر إيلول من العام 2003م وقبلهم الدنماركيون. كما واجه الاتحاد صعوبات في تقسيم الحصص والموارد وفي كيفية الحفاظ على المكتسبات الداخلية سواء السياسية أو الاقتصادية، إذ لا يمكن مقارنة ألمانيا كأكبر اقتصاد في أوروبا مع دولة صغيرة كاليونان، والأهم تلك المتعلقة بالجوانب الاجتماعية، إذ إن الأوروبيين وإن بدوا ككتلة متماسكة تعيش في قارة واحدة إلاّ أن القضايا الاجتماعية بين الدول والشعوب ليست واحدة، ففي اللحظة التي تكون فيها القيم في الدول المنخفضة والاسكندنافية متحرَّرة أكثر من مناطق في أوروبا، نراها في مناطق أخرى أكثر محافظة، فضلاً عن تفسير معنى الرفاه بالنسبة للشعوب الأوروبية، إذ لا يمكن مقارنة النظم الاجتماعية المتقدمة جداً في النرويج والدنمارك والسويد وفنلندا مع ما هو موجود في إيطاليا أو البرتغال على سبيل المثال. أما البريطانيون فكان شأنهم مختلفاً أيضاً مع ما هو موجود في عموم أوروبا. فقد كانت خشيتهم هو أن تضيع عملتهم ذات السمعة التاريخية بعد أن يضعف اليورو أمام الدولار، وكذلك اقتصادهم الذي هو وريث المزدوج الإنجليزي -الفرنسي منذ قرون. كل هذه القضايا جعلت من الاتفاق على المشتركات في حدها الأدنى ضرورة من أجل إقامة اتحاد قابل للحياة وخصوصاً مع الدول الشارطة. بالتأكيد، ظل ذلك كعب أخيل بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وهو ما وجدناه في الخطوة البريطانية التي قضت بإعلانها الخروج من الاتحاد بعد استفتاء شعبي مثير للجدل أجرِيَ في بريطانيا خلال شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي. وخلال مسيرة عمل الاتحاد الأوروبي كانت التحديات تلقي بظلالها على ثقة الأعضاء بالاتحاد الذي شكَّلوه وخصوصاً التحديات الاقتصادية التي تمثلت في انخفاض سعر صرف اليورو أمام الدولار وارتفاع الأسعار. لكن بصورة عامة حوَّل الاتحاد أوروبا إلى قوة عالمية قادرة على بسط منطقة أمنية تحيط بأوروبا، وتغيير بنية السلطة والإدارة في المناطق الرخوة في الحدود الشرقية، بل سعى الأوروبيون إلى إنشاء هيئة أركان عسكرية تكون مختلفة عن حلف الناتو خشية من قيام الولايات المتحدة الأميركية بالضغط على أوروبا للدخول في مشاريع خاسرة.

خروج بريطانيا:

لا يُعَد خروج بريطانيا المرتقب من الاتحاد الأوروبي أمراً غريباً في حقيقة الأمر. فبريطانيا ومنذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي كانت لها رغبة متزعزعة في الدخول إلى الاتحاد بغير ذلك الاندفاع التي كانت عليه أغلب دول أوروبا الغربية. ففي اللحظة التي كانت لدى الفرنسيين مخاوف من كساد البرامج الزراعية لديهم كان لدى البريطانيين مخاوف من التسويات المالية وتحديداً تلك المتعلقة بالموازنة والخوف من ضياع الأموال البريطانية لصالح دول أقل حظاً في النمو الاقتصادي (اليونان مثالاً)، لذلك كان البريطانيون من أكبر المعارضين للعملة الأوروبية الموحّدة والأهم أن البريطانيين كانوا متخوفين من ضياع الوحدة القومية لديهم وضعف القيم الخاصة بـ «دولة الأمة في الجزر البريطانية» فيما خصّ الديمقراطية وغيرها، لذلك قالت رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر كلمتها المشهورة التي ألقتها في مدينة بروج البلجيكية بأن بريطانيا تخشى قيام دولة «فوق الدولة تمارس هيمنة جديدة من بروكسل». كل هذه الأمور هي تراكمات ظلت صامتة حتى انفجر الوضع بتصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. بالتأكيد لا يمكن إغفال الدور الأميركي في تشجيع لندن للخروج من الاتحاد، كون واشنطن ترغب في إضعاف الاتحاد الأوروبي كي لا يظل منافساً قوياً للأميركيين في القضايا الدولية. وربما كان تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب واضحاً في ذلك عندما قال بأن خروج بريطانيا من الاتحاد «شيء عظيم».

وحسب الأخبار الأخيرة التي أوردتها «رويترز» «فإن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي سترسل خطاباً إلى الاتحاد الأوروبي في 29 مارس للإعلان رسمياً عن انسحاب بريطانيا من الاتحاد، ليدخل الطرفان في مفاوضات الطلاق». لكن وحسب تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فإن دول الاتحاد مازالت ترى في خيار التكتل أمراً مهماً لها. فعندما سألتها صحيفة باسايور نيو برس عما إذا كانت تخشى خروج دولة أخرى من الاتحاد كما فعلت بريطانيا قالت ميركل: «لا. الدول الأعضاء لديها بالطبع أفكاراً مختلفة عن كيفية تشكيل المستقبل لكن الطريق إلى الأمام واضح: المزيد من التعاون» كما أوردت ذلك «رويترز» نقلاً عن الصحيفة.

وقد جاء الاعتداء الإرهابي الأخير في لندن ليعيد الجدل حول قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد. فالأوروبيون يتبادلون المعلومات الاستخباراتية بشأن التهديدات بنسبة زادت عن الـ 10 أضعاف منذ هجمات بروكسل، وهو ما يجعل البريطانيين في موقف حرج وفي حاجة ماسة لتعاون أمني مع أوروبا، وخصوصاً أنها أي بريطانيا «أحد أكثر ثلاثة مستخدمين لبيانات الـ يوروبول» الأوروبية المعنية «بمكافحة الجريمة المنظمة والجرائم الإلكترونية والجماعات المتطرفة عبر الحدود» وهو ما يحرمها من تلك القاعدة من المعلومات الحساسة ومن الاستفادة من نظام أوامر الاعتقال الأوروبي، وكذلك من «بروتوكولات لتبادل معلومات المخابرات منبثقة عن اتفاقية شنجن وفي اتفاق لتبادل بيانات ركاب الطائرات بين أجهزة الأمن في الاتحاد الأوروبي» كما جاء. لذا ما سيتبقى لها هو التعاون الثنائي أو اتفاقها القديم مع كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والذي يُعرَف باتفاق «العيون الخمس».

لذلك يجب استذكار أن قرابة نصف البريطانيين مازال رأيهم هو البقاء تحت مظلة الاتحاد الأوروبي. بل إن حتى بعض النخب السياسية في الحزبيْن (المحافظين والعمال) لها ذات الرأي. وما تقديم إيفان روجرز سفير بريطانيا لدى الاتحاد الأوروبي استقالته من منصبه إلاّ لإبداء موقف معارض وإن بشكل آخر سوى دليل على ذلك.

تركيا والاتحاد الأوروبي:

لا تبدو العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي مماثلة مع أيّ دولة أخرى في الاتحاد. فأنقرة ليست عضواً فيه، بل هي ما تزال ومنذ الـ 11 ديسمبر/ كانون الأول 1999م دولة متقدمة بطلب انضمام، باعتراف المجلس الأوروبي لا أكثر. لكن كونها عضو في حلف شمال الأطلسي وبوابة أوروبا نحو آسيا الوسطى، ولها تاريخ طويل من التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وإسرائيل فهي ترتبط بعلاقات من نوع آخر مع الاتحاد الأوروبي ومنظومته الأمنية والسياسية والاقتصادية. وخلال الفترة التي أعقبت الحرب الأهلية في سورية، ضَغَطَ الأتراك على أوروبا بغية توقيع عدة اتفاقيات خاصة باللاجئين أهمها «كبح تدفق المهاجرين» صوب أوروبا مقابل حصول أنقرة على مساعدات أوروبية قُدِّرت بالمليارات وكذلك «إعفاء المواطنين الأتراك من استخراج تأشيرة دخول قصيرة الأمد».

وبعد الأزمة الأخيرة بين تركيا وهولندا وألمانيا بشأن منع وزراء من حزب العدالة والتنمية مخاطبة المهاجرين الأتراك في أوروبا لحثهم على التصويت لصالح التعديلات الدستورية المرتقبة في 16 إبريل القادم ساءت علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي بشكل لم يسبق له مثيل. وعلى الرغم من تهديد الأتراك بأنهم قد يُلغون اتفاق الهجرة مع أوروبا للضغط على الأخيرة إلاّ أن مسئوليين أوربيين أبدوا تشدداً تجاه تركيا. فقد صرّح وزير الخارجية الألماني زيجمار جابرييل خلال مقابلة مع مجلة دير شبيغل بأن «تركيا لم تكن يوماً أبعد عن الانضمام للاتحاد الأوروبي من الآن» مضيفاً: «اليوم تركيا بكل تأكيد أبعد من أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي أكثر من أي وقت مضى» ولا يُعلَم ما إذا كان هذا الموقف يشمل رغبة الألمان إعطاء تركيا صفة «شريك مميز» أم أنه يتجاوز هذا الخط.

فالموانع الأوروبية التقليدية من دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي قد تعقدت بفعل التطورات الجارية في تركيا والمتعلقة بإمكانية العمل بعقوبة الإعدام واعتقال ما تقول أوروبا أنهم معارضون سلميون لحكومة أنقرة، وما أعقبه الانقلاب الفاشل في يوليو/ تموز الماضي من اعتقال أكثر من 125 ألف شخص بينهم «أكاديميون وقضاة وصحافيون وزعماء أكراد».

إن مسيرة الاتحاد الأوروبي حافلة بالتطورات والتحديات والإخفاقات حتى، لكنها في المحصلة مليئة بالإرادة والعزم من سياسيي القارة العجوز كي لا تنزل أوروبا في صراعات جديدة مرة أخرى.


محطات

◆ 16 أبريل 1948: إنشاء منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي.

◆ 4 أبريل 1949: التوقيع على معاهدة شمال الأطلسي التي أسَّست لحلف شمال الأطلسي.

◆ 5 مايو 1949: تأسيس مجلس أوروبا.

◆ 9 مايو 1950: الوزير الفرنسي شومان يُطلِق مقترحاً لتأسيس المجموعة الأوروبية للفحم والصلب.

◆ 18 أبريل 1951: ألمانيا (الغربية) وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ تُوقِّع على معاهدة المجموعة الأوروبية للفحم والصلب.

◆ 27 مايو 1952: الدول الست تُوقِّع على معاهدة الدفاع الأوروبية.

◆ 27 يوليو 1952: معاهدة إي سي إس سي للفحم والصلب تدخل حيِّز التنفيذ.

◆ 2 يونيو 1955: الدول الست تدخل في مفاوضات حول المجموعة الاقتصادية الأوروبية والمجموعة الأوروبية للطاقة الذرية.

◆ 25 مارس 1957: التوقيع على معاهدتَي روما بشقيها الاقتصادي والطاقة الذرية.

◆ 1 يناير 1958: بدء العمل بمعاهدتَي روما.

◆ 31 يوليو و 10 أغسطس 1961: ثلاث دول أوروبية تتقدم للانضمام للمجموعة الأوروبية وهي المملكة المتحدة وآيرلندا والدنمارك.

◆ 14 يناير 1962: الدول الست المؤسِّسة توافق على السياسة الزراعية المشتركة.

◆ 1 يوليو 1968: الاتحاد الجمركي الأوربي يرى النور.

◆ 22 أبريل 1970: التوقيع على معاهدة مُعدَّلة، مَنَحَت المجموعة الأوروبية جميع الإيرادات المتأتيّة من التعرفة الخارجية المشتركة ورسوم الواردات الزراعية، وحصة من ضريبة القيمة المضافة، مانحة البرلمان الأوروبي جزءً من الصلاحيات الخاصة بالميزانية.

◆ 27 أكتوبر 1970: المجلس يشرع في إجراءات لتعاون أوروبي في المجال السياسي الخارجي.

◆ 22 مارس 1971: المجلس يُقِر خطة طموحة يتحقق بموجبها الاتحاد الاقتصادي والنقدي بحلول العام 1980م.

◆ 1 يناير 1973: الموافقة رسمياً على انضمام المملكة المتحدة وآيرلندا والدنمارك إلى المجموعة الأوروبية.

◆ 18 مارس 1975: تشكيل الصندوق الأوروبي للتنمية الإقليمية.

◆ 22 يوليو 1975: إقرار معاهدة مُعدّلة منحت المزيد من الصلاحيات للبرلمان الأوروبي بشأن الميزانية.

◆ 5 ديسمبر 1978: إنشاء النظام النقدي الأوروبي.

◆ 10 يونيو 1979: أول انتخابات مباشرة للبرلمان الأوروبي.

◆ 1 يناير 1981: انضمام اليونان كعضو عاشر في المجموعة الأوروبية.

◆ 14 فبراير 1984: أعضاء البرلمان الأوربي يوافقون بأغلبية كبيرة على مشروع معاهدة الاتحاد الأوروبي.

◆ 26 يونيو 1984: المجلس الأوروبي يوافق على تخفيض المساهمة البريطانية في ميزانية المجموعة.

◆ 7 يناير 1985: مفوضية جديدة تتقلد مهامها برئاسة ديلور.

◆ 14 يونيو 1985: خمس دول توقع على اتفاقية شنغن لإلغاء إجراءات مراقبة الحدول وهي ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورج.

◆ 29 يونيو 1985: المجلس الأوروبي يوافق على مشروع إتمام السوق الموحدة بحلول العام 1992م.

◆ 1 يناير 1986: ارتفاع عدد أعضاء المجموعة الأوروبية إلى 12 عضواً بعد دخول كل من إسبانيا والبرتغال.

◆ 28 ،17 فبراير 1986: إقرار القانون الأوروبي الموحَّد ليدخل حيّز التنفيذ بعد عام وخمسة أشهر.

◆ 1 يوليو 1988: الاتفاقية الثلاثية المشتركة بشأن الميزانية تدخل حيّز التنفيذ بعد توافق المفوضية والمجلس والبرلمان.

◆ 28 أبريل 1990: الموافقة على توحيد ألمانيا بعد تبديد المخاوف الفرنسية وإقرار علاقات مع وسط وشرق أوربا.

◆ 29 مايو 1990: الأوربيون يوقعون على اتفاقية تقضي بتشكيل مصرف أوروبي للإنشاء والتعمير.

◆ 10 ديسمبر 1991: المجلس الأوروبي يوافق على معاهدة الاتحاد الأوروبي

◆ 2 مايو 1992: التوقيع على اتفاقية بشأن المنطقة الاقتصادية الأوروبية.

◆ 2 يونيو 1992: الدنماركيون يرفضون في استفتاء شعبي معاهدة ماستريخت.

◆ 20 سبتمبر 1992: الفرنسيون يوافقون على معاهدة ماستريخت.

◆ 6 ديسمبر 1992: السويسريون يرفضون الانضمام إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية.

◆ 31 ديسمبر 1992: الأوربيون يُنهون تشريعات السوق الموحّدة.

◆ 18 مايو 1993: الدنماركيون يعيدون التصويت في استفتاء عام أسفر عن موافقتهم على معاهدة ماستريخت.

◆ 22 يونيو 1993: المجلس الأوروبي يشترط أن تقوم دول وسط وشرق أوروبا بتعديل نظمها الاقتصادية والسياسية كي تتمكن من الانضمام للتكتل.

◆ 1 نوفمبر 1993: معاهدة ماستريخت تدخل حيّز التنفيذ.

◆ 28 نوفمبر 1994: النرويجيون يرفضون الانضمام إلى معاهدة ماستريخت في استفتاء شعبي.

◆ 1 يناير 1995: ارتفاع الأعضاء الأوروبيين إلى 15 بعد دخول كل من السويد وفنلندا والنمسا.

◆ 26 يوليو 1995: التوقيع على اتفاقية يوروبول.

◆ 2 أكتوبر 1997: التوقيع على معاهدة أمستردام.

◆ 12 مارس 1998: التكتل يفاوض إستونيا والمجر وبولندا وسلوفينيا وقبرص والتشيك للانضمام.

◆ 3 مايو 1998: 11 دولة أوروبية تعلن جاهزيتها للتعامل مع اليورو بحلول الأول من يناير 1999م.

◆ 1 يونيو 1998: تشكيل البنك المركزي الأوروبي.

◆ 1 يناير 1999: ألمانيا وفرنسا والنمسا وإيطاليا وهولندا وآيرلندا وبلجيكا وفنلندا والبرتغال وإسبانيا ولوكسمبورغ تبدأ التعامل باليورو رسمياً.

◆ 1 مايو 1999: معاهدة أمستردام تدخل حيز التنفيذ.

◆ 11 ديسمبر 1999: المجلس الأوروبي يعترف بتركيا كدولة متقدمة بطلب انضمام.

◆ 15 يناير 2000: الاتحاد يبدأ مفاوضات انضمام كل من رومانيا وبلغاريا ولاتفيا وليتوانيا ومالطة وسلوفاكيا.

◆ 20 يونيو 2000: المجلس الأوروبي المنعقد في لشبونة يوافق على تدابير بشأن المرونة في اقتصاد الاتحاد الأوروبي.

◆ 1 يناير 2001: انضمام اليونان لمنطقة اليورو.

◆ 13 ديسمبر 2002: المجلس الأوروبي ينتهي من مفاوضات انضمام 10 دول من وسط وشرق أوربا.

◆ 1 فبراير 2003: دخول معاهدة نِيْس حيّز التنفيذ.

◆ 14 سبتمبر 2003: السويديون يرفضون عضوية اليورو في استفتاء شعبي.

◆ 4 أكتوبر 2003: افتتاح مؤتمر حكومي دولي للنظر في إصلاح المعاهدة على أساس مشروع دستور الاتحاد الأوروبي الذي توصل إليه اجتماع الاتفاقية.

◆ 1 مايو 2004: انضمام 10 دول للتكتل ليصبح عدد أعضاء الاتحاد 25 عضواً.

◆ 29 أكتوبر 2004: التوقيع على معاهدة تهدف لإيجاد دستور أوروبي.

◆ 3 أكتوبر 2005: الاتحاد الأوربي يبدأ مفاوضات انضمام كل من كرواتيا وتركيا.

◆ 1 يناير 2007: دخول كل من رومانيا وبلغاريا لعضوية الاتحاد ليصبح عدد دوله 27 دولة.

◆ 13 ديسمبر 2007: التوقيع على معاهدة لشبونة.

◆ 21 ديسمبر 2007: دخول التشيك وليتوانيا وإستونيا والمجر ولاتفيا وبولندا ومالطة وسلوفاكيا وسلوفينيا ضمن منطقة شنغن.

◆ 12 يونيو 2008: الآيرلنديون يرفضون في استفتاء شعبي معاهدة لشبونة (لكنهم يوافقون عليها في استفتاء آخر جرى في 3 أكتوبر 2009م).

◆ 12 ديسمبر 2008: انضمام سويسرا لمنطقة شنغن.

◆ 1 ديسمبر 2009: دخول معاهدة لشبونة حيِّز التنفيذ.

◆ 1 يناير 2011: دخول إستونيا منطقة اليورو.

◆ 21 يوليو 2011: اليونان تطلب دعماً أوروبياً بقيمة 109 مليارات دولار.

◆ 8 نوفمبر 2011: الاتحاد يتبنى تشريعات جديدة حول الحوكمة الاقتصادية.

◆ 1 يوليو 2013: ارتفاع أعضاء الاتحاد الأوروبي إلى 28 بعد دخول كرواتيا.

المصدر: الاتحاد الأوروبي (بتصرف)

جون بيندر

سايمون أشروود

العدد 5315 - الأحد 26 مارس 2017م الموافق 27 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً