تميزت البحرين بوفرة القيادات السياسية والفكرية الواعية باعتبارها اول دولة من دول مجلس التعاون الخليجي يبدأ وينتشر فيها التعليم، ولطبيعة العلاقات الانتاجية القديمة من استخراج اللؤلؤ الى الزراعة الى صيد الاسماك وهي كلها اعمال رسخت قيم العمل الجماعي بين المواطنين واكدت مفاهيم وروح التعاون فيما بينهم، ثم افرزت مجموعة من القيادات الطبيعية المشرفة على هذه الاعمال، فضلا عن ان معظم الحركات والتنظيمات السياسية اعتبرت البحرين مركز ثقل أساسي وجوهري فسعت إلى اعداد بعض شبابها ليكونوا كوادر نشطة لها... بالاضافة الى تأثر بعض الشباب البحريني بالافكار والتنظيمات السياسية في الدول التي تلقوا فيها التعليم الجامعي، واخيرا وليس آخرا بسبب طبيعة مرحلة الكفاح الوطني ضد الاحتلال وما افرزته من قيادات طبيعية قاومت وناضلت من اجل تحقيق الحرية والاستقلال.
وبعد الانفراج السياسي الذي حققه عظمة الملك تزايدت القيادات الفكرية والسياسية وتميز معظمهم بالحرص على انجاح مسيرة التطور البحريني بعد الاجماع الوطني على الميثاق وبذلوا وما زالوا يقدمون كل الجهود لتحقيق الآمال والطموحات التي تمثل أمل كل مواطن لتحقيق مزيد من التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وبجانب هذه القيادة الواعية توجد على الساحة الفكرية والسياسية قلة من القيادات التي لا يزال فكرها مقيدا بصيغ تقليدية او تطبيقات مذهبية جامدة او نظريات منقولة اثبت الواقع عدم صلاحيتها للتطبيق، وهكذا اصاب الجمود الفكري هذه القيادات وتقوقعت داخل قوالب فكرية لا تتسم بالمرونة اللازمة لتلبية احتياجات الواقع المتطور وقضاياه المتجددة.
السؤال الرئيسي
السؤال الرئيسي: ما هي معايير اختيار اعضاء مجلس الشورى وغيرهم من قيادات العمل التنفيذي في المرحلة المقبلة؟ وللاجابة عن هذا السؤال المهم نقول ان البحرين في مرحلة تطورها الجديد تحتاج الى قيادات شعبية تتمتع بقدرات ومهارات متميزة من اهمها الآتي:
1- حكمة وقدرة على تحقيق التفاعل والترابط والتماسك بين عظمة الملك باعتباره ربان السفينة وبين جميع فئات المواطنين من خلال السعي المتواصل لتأكيد وتنمية الاجماع الشعبي على الميثاق، وازالة صور السلبية او التردد التي قد تتواجد لدى قوى الوسط تجاه التلاحم مع جهود ربان السفينة المتواصلة والمتجددة وبذلك نتمكن من العبور بالبحرين إلى الأمان والسلام مهما تكن اتجاهات الريح واضطرابات الامواج وقوة التيارات المائية المعاكسة.
2- احساس عميق بمشكلات المواطنين ورغباتهم واتجاهاتهم ثم العمل بكل الجهد والطاقة لتحقيق آمال هؤلاء المواطنين أيا كانت فئاتهم او افكارهم من دون تمييز او انتقاء فالجميع مواطنون يجب على قيادات العمل الوطني العمل على تلبية احتياجاتهم.
3- قدرة على التصدي للمخاطر التي قد يواجهها المجتمع في المرحلة المقبلة بحزم وشجاعة واستعداد لمواجهة المتاعب في صبر وايمان بامكان الوصول الى حلول واقعية من خلال تكاتف جهود جميع المواطنين وتعاونهم للمشاركة في مواجهة هذه المخاطر والمتاعب والصعاب.
4- استعداد كامل للتضحية بالجهد والنفس والمال من اجل انجاح مسيرة التطور البحريني، وعلينا ان نضع في اعتبارنا ان هذه الاستعداد يتطلب فهما واعيا لما تضمنه ميثاق العمل الوطني من مبادئ، واقتناعا كاملا بأهمية تحقيق ما تضمنه من اهداف، وايمانا صادقا ينبع منه الاستعداد للتضحية من اجل ما فهمناه واقتنعنا به، وبغير ثلاثية الفهم والاقتناع والايمان لن نتمكن من التحرك الجماعي الواعي لتحقيق مبادئ واهداف الميثاق.
5- قدرة عالية على توجيه حركة المواطنين وتوفير قناعتهم وايمانهم بحتمية المشاركة بجهودهم الذاتية للمساهمة في حل بعض المشكلات التي يواجهها المجتمع، وعلى قيادات العمل الوطني التأثير في حركة الفئات السلبية التي تنتظر ما ستقدمه لهم الحكومة من حلول لمشكلاتهم لتتحول الى حركة ايجابية تتعاون مع جهود الاجهزة التنفيذية، فالحكومة وحدها لا تستطيع ان تفعل شيئا او تحل جميع المشكلات من دون توافر استعداد المواطنين للمشاركة بجهودهم الذاتية والقيام بواجباتهم قبل المطالبة بحقوقهم.
6- معرفة دقيقة بظروف المجتمع البحريني وامكاناته وقواه الاجتماعية والعوامل التي تؤثر في اتجاهاتها والعلاقات المتبادلة بينها والاهداف الواقعية المطلوب تحقيقها والاعمال اللازمة لوضعها موضع التنفيذ وترتيب اولويات هذه الاعمال، بحيث لا نلغي اي مرحلة من مراحل التطور التدريجي لنقفز في الهواء قفزات عشوائية لن تحقق ما نصبو اليه من تقدم.
7- حرص دائم على التمسك بالقيم والمبادئ والاعراف البحرينية الاصيلة المستمدة من التعاليم الاسلامية السمحة.
القيادات التنفيذية
ويجب ان نضع في اعتبارنا اننا لا نتحدث عن اعضاء مجلس الشورى فقط بل اننا نعني كذلك القيادات التنفيذية الجديدة التي نأمل ان تطور من اسلوب ومنهج عملها حتى لا ينحصر دورها فقط في العمل المكتبي وحده ذلك ان عليها تلتقي بعد ذلك بالمواطنين في انديتهم وجمعياتهم ومجالسهم واماكن تجمعاتهم لتتفهم مطالبهم وتدرس احتياجاتهم وتأخذ منهم وتعطيهم وتتفاعل معهم ثم تعمل على علاج مشكلاتهم وبذلك تكون لدينا قيادات تنفيذية واعية تتمتع بالقدرات السابق الاشارة اليها لتكون قادرة على مواكبة مسيرة التطور البحريني.
ما العمل؟
والآن ما هو السبيل الى اختيار هذه القيادات؟
وللاجابة عن هذا السؤال يتعين علينا ان نسترجع من الذاكرة تجارب بعض المجتمعات في سعيها لاختيار القيادات الشعبية والتنفيذية فبعض هذه المجتمعات اعتمد على اهل الثقة املا في ان يتوافر لديهم الولاء والاخلاص والتفاني في اداء الواجب والحرص على مكتسبات المجتمع، وللاسف الشديد لم تحقق هذه المجتمعات من خلال اهل الثقة امكان وجود القيادات المستعدة للتضحية من اجل الصالح العام اما لعدم توافر الخبرة الفنية لدى كثير من هذه القيادات واما لأن البعض منها لم يقدّر ثقة القيادة وانحرف لتحقيق مصالحه الخاصة على حساب المصالح الاساسية للمجتمع، وفي مجتمعات اخرى حاولت القيادة اختيار هذه القيادات من خلال اغداق المزايا المادية والعينية على بعض الافراد ظنا منها انها بذلك تضمن ولاءهم وتأييدهم وقدرتهم على توجيه حركة المواطنين.
والحقيقة ان هذه المجتمعات واجهت الفشل عند ظهور الصعاب والمخاطر التي مرت بها فقد انفصل اصحاب المزايا عن القيادة حرصا منها على مصالحهم الخاصة ولعدم توافر ثلاثية الفهم والاقتناع والايمان بمبادئ واهداف المجتمع منذ البداية بقدر توافر الحرص على استمرار مزاياهم من خلال اتباع اساليب النفاق والتهليل والتصفيق المظهري مع بقاء الجوهر غير المؤمن كما هو من دون تغيير، وهكذا اثبت التاريخ انه لا يمكن بناء اي مجتمع او تحقيق اي تطور باتباع هذه الاساليب، وهناك مجتمعات اخرى اختارت القيادات الواعية المقتنعة المؤمنة المستعدة للتضحية من اجل انجاح ما آمنت به، وتلك المجتمعات تمكنت من تحقيق ما تصبو اليه من آمال لانها سارت في الطريق الصحيح.
اننا في حاجة الى جيل جديد من القيادات التي تتوافر لديها ثلاثية الفهم والاقتناع والايمان بما جاء في ميثاق العمل الوطني، فمثل هذه القيادات هي التي تبعث الحياة وتشيع الحيوية في المجتمع، وهي التي تستطيع خلق التفاعل الحيوي الخلاق بين إرادة التغيير في جميع الافراد، وهي القادرة على التصرف في اوقات الازمات، وهي التي تستطيع كسب احترام المواطنين والتفاهم من حولها من خلال تفانيها في بذل الجهد وضرب المثل والقدوة في السلوك، ان مكانة الفرد او امكاناته المادية او ولائه المظهري او تعوده على استخدام اساليب النفاق والتملق لا تكفي وحدها لاختيار القيادة الواعية ويستلزم الامر بالاضافة الى توافر ثلاثية الفهم والاقتناع والايمان توافر الاحساس بمشكلات المواطنين والقدرة على تحقيق اهداف مرحلة التطوير وتجميع المواطنين حولها وامكان التصدي للمسئولية والمبادرة إلى تحملها والتحلي بالنقاء والطهارة والشفافية والاستعداد للتضحية ليس من اجل مجد او نفع شخصي وانما من اجل المجتمع كله
إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"العدد 73 - الأحد 17 نوفمبر 2002م الموافق 12 رمضان 1423هـ