الحديث عن العنصرية يقود إلى الحديث عن العبودية في مختلف الحقب على مر التاريخ، وصولا إلى أثر ذلك في ممارسات العصر الحالي. فما كان عبودية أصبح اليوم إتجارا بالبشر، وكلاهما عنصر تجارة، لأن بهما ربحية وتملك أشخاص، فيشترون ويباعون كأي سلعة من دون أن يتمتع هؤلاء بالحرية. هذه العقلية مازالت للأسف مترسخة في الدول التي تغيب عنها الأنظمة الديمقراطية، وتعزز الاضمحلال السياسي عبر ممارسات شتى لقمع حقوق الانسان بأي شكل من الأشكال.
ولو عدنا إلى قراءة التاريخ، ففي القرن الثامن عشر مثلا، أصبحت المدن الأوروبية آنذاك مثل لندن وباريس تعج بالزبائن في مخابزها ومقاهيها من تدخين التبغ، وأكل الشكولاتة وصولا إلى شرب الشاي المحلي. إذ أصبح الجميع مدمنا على الحلو أكثر من أي شيء آخر. ولقد أسرف الإنجليز تحديدا في ممارسة أساليب الترف والأكل في ذلك الوقت، إلا أنهم كانوا غافلين عن القاسم المشترك في تأمين كل هذه الأطياب ألا وهو العبودية، إذ كانت تجارة الرقيق (العبيد) أساس ثروة لندن. اذ كانت تجارة الرقيق تعد مهنة محترمة، إلا أنه في العام 1760 بدأت الأمور تتغير حتى ألغيت العبودية في العام 1833 في جميع أنحاء الإمبراطورية البريطانية، دافعة تعويضات لأصحاب المزارع، بينما لم ينل أي تعويض من تم استعبادهم.
ووفقا لتقرير صدر حديثا إلى مجلس حقوق الإنسان المقرر الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب، وما يتصل بذلك من تعصب، فقد تم تعريف التنميط العنصري والعرقي في اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري (21 مارس/ آذار) الذي يحتفل به كمناسبة دولية من كل عام. إذ يحق لكل شخص «الحق في التمتع بحقوق الإنسان دون تمييز». إذ يعتبر الحق في المساواة وعدم التمييز الأساس في قانون حقوق الإنسان. ولكن في أجزاء كثيرة من العالم، لاتزال الممارسات التمييزية واسعة النطاق، بما في ذلك التنميط القائم على العنصرية والعرقية والدينية والجنسية، والتحريض على الكراهية.
وبحسب الأمم المتحدة فإن اللاجئين والمهاجرين يشكلون أهدافا معينة من التنميط العنصري والتحريض على الكراهية. فقد أدانت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة خلال إعلان نيويورك لشئون اللاجئين والمهاجرين الذي اعتمد في سبتمبر/ أيلول2016، بشدة أعمال ومظاهر العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب ضد اللاجئين والمهاجرين، والتزمت الدول بالقيام بمجموعة من الخطوات لمواجهة هذه المواقف والسلوكيات، وخاصة فيما يتعلق بجرائم الكراهية، وخطاب الكراهية والعنف العنصري. وهو الأمر الذي مازالت لا تفعله كثير من دول المنطقة العربية، بما فيه أساليب مكافحتها للاتجار بالبشر وتحسين الأوضاع عند العمالة في قوانينها وأنظمتها.
صحيح أن نهاية العبودية انتهت مع العام 1900 اذ أصبحت تجارة العبيد غير موجودة بشكل رسمي، إلا أنها ظلت تمارس بصورة غير قانونية في دول كثيرة من العالم، بما فيها الدول العربية من الخليج الى المحيط. إذ استمرت هذه التجارة بأساليب جديدة وعصرية حتى وصلت إلى الهند وليس فقط افريقيا ولتشمل أعراقا مختلفة.
لكن في القرن العشرين -بحسب تقارير الأمم المتحدة- تعاونت دول شتى من أجل القضاء على العبودية؛ لكنها لم تنجح إلا في بعض منها، إذ مازالت بعض الدول تخترق القوانين الدولية. ففي الهند وباكستان مثلا، مازال يجبر الملايين من العمالة على العمل طوال العمر لتسديد الديون. بينما في أوروبا الشرقية تقوم العصابات بإغراء النساء تحديدا للعمل في دول أوروبا الغربية وبعض الدول العربية، ولدى وصولهن يحتجزن من قبل العصابات لإجبارهن للعمل بلا مقابل في مجال الدعارة أو غير ذلك، ونفس الأمر بدأ يتفاقم مع دول منطقة الشرق الأوسط التي أصبحت الدول الغنية منها مركزا خصبا لما يعرف اليوم بالإتجار بالبشر حتى بمسميات كثيرة.
وهو أمر لا يختلف كثيرا عن تجارة العبيد في الماضي. هذه كانت بعضا من نماذج الاستعباد في العصر الحديث بما فيها استغلال الأطفال في مجال الدعارة، كما هو الحال في جنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية.
العنصرية والعبودية والاتجار بالبشر جميعها مرتبط ببعضها بعضا، ومكافحتها حاجة إنسانية للقضاء على الثروات الطائلة التي تجنى على حساب استغلال البشر. وهو أمر مازال يتطلب الشجاعة الكافية لمقاومته، في ظل تردي أوضاع حقوق الانسان في عدد من مناطق العالم.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 5314 - السبت 25 مارس 2017م الموافق 26 جمادى الآخرة 1438هـ