منذ صدور القرار الدولي 1441 أظهر العراق استعداده لاستقبال فرق التفتيش عن «أسلحة الدمار الشامل». ومن جهتها تستعد الولايات المتحدة لمواجهة شاملة في حال عرقل نظام بغداد عمل تلك الفرق.
المسألة اذا تختلف عن تلك المهمات السابقة التي نفذتها فرق التفتيش في ضوء حرب الخليج الثانية (1990 - 1991) وتداعياتها. في المرحلة الأولى كانت المهمات محدودة بموضوع البحث ثم التجميع ونسف ما يعثر عليه من معدات وصواريخ (بعيدة المدى). فالقرارات الدولية لم تكن واضحة في تحديد مسألة الرد في حال تعرقلت مهمة الفرق. المسألة كانت مختصرة في نزع سلاح النظام وليس في نزع النظام نفسه.
الآن اختلفت المهمة. فالفرق ذاهبة إلى مهمات أوسع تبدأ باستكمال نزع ما تبقى من أسلحة وبعد ذلك لا يمكن التكهن بالجوانب الأخرى وهي قد تفتح آفاق التغيير عندما تصل الأمور إلى نقطة يصعب التفاهم عليها.
العراق، كما يبدو من ظاهر الأشياء، لا خيار أمامه سوى التجاوب مع القرار الدولي والقبول بالمهمات التي جاءت من أجلها فرق التفتيش. فكل الاختيارات الأخرى أسقطت ولم يعد أمامه سوى الذهاب بعيدا في تنازلاته... الا مسألة واحدة، إسقاط النظام.
موضوع إسقاط النظام هو الجانب الوحيد الذي يبدو الحكم في العراق غير مستعد للتنازل في شأنه. بينما القرار الدولي يحوم حول هذا الأمر من دون أن يشير إليه بوضوح.
إذا المعركة واضحةُ ملامحها. الولايات المتحدة تدرك أن العراق لم يعد تلك القوة المخيفة التي كانت قبل أكثر من عشر سنوات. فالعراق منذ انتهاء حرب الخليج الثانية تأخر عشرات السنين إلى الوراء على كل المستويات وتحديدا في موضوع السلاح والتسلح. بينما الولايات المتحدة تقدمت في تقنياتها العسكرية أكثر من عشر سنوات. واذا احتاجت واشنطن في حربها الأولى إلى ربع مليون جندي لطرد العراق من الكويت فانها الآن ليست بحاجة إلى هذا الكم من القوات... فهي تملك معلومات كافية عن صعوبات لوجستية وتنظيمية وتقنية يعاني منها النظام وهو غير قادر على مواجهة فعلية تستمر أكثر من اسبوعين أو ثلاثة.
مع ذلك تراهن الولايات المتحدة على البحث عن الأسلحة التي يجب على فرق التفتيش القيام بها. فهي تريد التأكد من «نظافة» النظام من كل الوسائل القادرة على احداث مفاجآت لا تتحملها واشنطن في الفترة المقبلة وخصوصا بعد أن بدأت الأصوات تتسرب عن فشل مهمتها الاستراتيجية في أفغانستان ومحيطها السياسي - الجغرافي.
واشنطن أوجدت لنفسها نقاط ارتكاز عسكرية في آسيا الوسطى لكنها فشلت في تأسيس استراتيجية سياسية واضحة تحتوي تعارضات تلك المنطقة وتوحيدها تحت مظلة المصالح الأميركية.
المعركة إذا واضحة ملامحها. أميركا تريد الدولة العراقية وليس أسلحتها. والبحث عن السلاح الخفي في هذه الديرة أو تلك أو في هذا المكان أو ذاك هو المدخل لإعادة النظر في مهمات فرق التفتيش وتوسيعها عند العقبة الأولى التي تعترضها. واشنطن تعلم أكثر من بغداد أن العراق لم يعد تلك الدولة المخيفة، وأنه لا يملك الكثير من القوة ليثير المشكلات التي سبق وأثارها النظام منذ انقلابه العسكري في العام 1968. وتعلم واشنطن أن العراق يحتاج إلى مساعدات لاعادة تأسيس نفسه وترميم هياكله الاقتصادية والتنظيمية التي دمرتها الحرب أو قرارات الحصار الدولية منذ أكثر من عشر سنوات. فالمهمة الحقيقية لفرق التفتيش ليست البحث عن رؤوس نووية بل عن رأس واحد هو النظام.
كل هذه الأمور المتعلقة بنظام التسلح الولايات المتحدة على اطلاع على تفاصيلها. مع ذلك فهي تصر على تخويف المنطقة بنظام صدام حسين وتؤكد يوميا للدول العربية أن الخطر عليها ليس من «اسرائيل» بل من نظام بغداد... وتريد من العواصم العربية تصديق كلامها والاستعداد النفسي - السياسي لمواجهة العراق والتصدي معها لكسر طموحاته وأطماعه في المنطقة.
منذ صدور القرار الدولي الجديد والعراق يؤكد أن ما تريد الفرق البحث عنه غير موجود، وواشنطن تعلم أن الأمر لا مبالغة فيه. فالعراق بعد أكثر من عشر سنوات من الحصار تغير بنيويا وسكانيا واقتصاديا وعسكريا ولم يعد تلك الدولة التي كان عليها قبل أكثر من عقد.
الا أن المسألة ليست مقتصرة على السلاح ومخاطره بل هي على صلة بالصراع الدولي على المنطقة وطموح الولايات المتحدة إلى اعادة ترسيم خريطتها وهيكلة دولها. وهذه الاستراتيجية لا تصيب النجاح من دون نقاط ارتكاز... والعراق هو النقطة الأولى في المشروع وليس الأخيرة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 73 - الأحد 17 نوفمبر 2002م الموافق 12 رمضان 1423هـ