وقعت - حديثا - على سفر ثمين... ثمين، ومن فرط إعجابي به، قلبته من اليمين إلى اليسار، ومن اليسار إلى اليمين مرات ومرات، طوال ليلة كاملة من دون كلل، ووددت لو يطلع عليه الجميع، ويفحصه كل مهتم بعناية... ويقلبه كل شغوف بحب، وحتما سيجد فيه ضالته... ويحصل على مبتغاه، والأهم أنه يوجه دعوة إلى التفكير والتأمل، بل ويحفز على تخليق الأفكار والطموحات الكبار، وربما الأوهام.
«دليل القارئ إلى الثقافة الجادة» عنوان هذا السفر البديع (أكثر من 700 صفحة من القطع الكبير)، وقد صدر الكتاب أول مرة مطلع ثلاثينات القرن الماضي، وينقح مرة كل أربع سنوات، ليصدر في طبعة جديدة، وبحسب الناشر فإن الكتاب يوضع جنبا إلى جنب مع دوائر المعرفة والقواميس، وهذا التوصيف دقيق، وليس من باب الدعاية والإعلان أو حتى المبالغة. ويكفي القارئ أن يمرر بصره على فهرس الكتاب حتى يجد فيه دليلا حقيقيا، في الآداب والعلوم الإنسانية، في الفنون والسياسة، وفي الاقتصاد والعلوم والدين... بل ويشتمل الكتاب على فصل طريف وضعت فيه قوائم كتب بحسب تصنيفات لم نألفها مثل أفضل مئة كتاب، قائمة مختصرة للقراءة أثناء الإجازة، قائمة مختصرة للطلبة قبل الدخول للجامعة، وقائمة مختصرة للقراءة بعد الإحالة على التقاعد، إضافة إلى قسم خاص بالقواميس ودوائر المعرفة العامة، والأطالس، والمجموعات البيبلوغرافية.
صدر هذا الدليل الجاد بالعربية حديثا بترجمة أحمد عمر شاهين، بالاعتماد على الطبعة الـ 23 الصادرة العام 1990، عن مشروع جاد بدوره، لعله الأهم على مستوى الوطن العربي، أعني المشروع القومي للترجمة بمصر، تحت إشراف جابر عصفور. واستطاع هذا المشروع خلال سنوات قليلة أن يقدم إلى القارئ أكثر من 350 كتابا جادا في مختلف ميادين الفنون والآداب والعلوم، بما يمثل نقلة نوعية في العمل المؤسساتي على الصعيد العربي - لانزال في ذيل الأمم المعنية بالترجمة - ولعل أهم ما يشد انتباه القارئ العربي في هذا الكتاب، أن الحضور العربي اقتصر على القرآن الكريم، وألف ليلة وليلة، وبعض الأسماء مثل ابن رشد، ابن سينا، طه حسين، ونجيب محفوظ، بما يعكس صراحة، فقر هذه الثقافة، وقلة إنتاجها المتميز. وهو أمر متوقع تماما في ضوء ضعف حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، علاوة على عوامل أخرى لا مجال هنا لتفصيل الحديث فيها.
ما أود قوله، إن أول فكرة قفزت إلى ذهني بعد التجوال في صفحات الكتاب، هي إمكان القيام بعمل مشابه على مستوى الثقافة المحلية. وهو لن يتجاوز - بطبيعة الحال - في حجمه كتيبا قليل الصفحات، معدود الأسماء والمؤلفات، لكنه سيعكس صورة هذه الثقافة للآخر، ويكون بمثابة الدليل للتحفيز على الترجمة، والدفع باتجاه وضع هذه الثقافة في سياقها الطبيعي. ولو أردنا التمادي أكثر في الطموحات فسيكون الطموح، استثمار هذا الدليل/ الكتيب في عقد الاتفاقات مع كبريات دور النشر العالمية في اللغات الرئيسية لترجمته. هذا العمل على غاية من الأهمية، وربما يكون خير موجه للقيام بترجمة لكتاب معين أو نص ما. فالترجمات المتوافرة نادرة جدا، وتتحرك في سياق جد محدود، أما تلك التي تأتي من باب المجاملات، أو الصداقة والمودة، أو حتى التكليف من أصحاب التجربة أنفسهم، فمردودها قليل وتأثيرها أقل. وحتى مجالها التداولي محدود بدوره
العدد 73 - الأحد 17 نوفمبر 2002م الموافق 12 رمضان 1423هـ