في قصة نبي الله يوسف تعددت الشخوص والمواقف، قصة فيها من العبر الإنسانية والإسقاطات على حياتنا الكثير، المتأمل لقصة سيدنا يوسف تعكس مفاهيم إنسانية ومشاعر تراود كل فرد فينا في حياته، يوسف يتعرض فيها لتلك المواقف والمشاعر، ويدخل في أزمات عدة، ويخرج منها أكثر صلابة وإيماناً وتمسكاً بالله عز وجل، من تلك المواقف كيد الأخوة وهم عصبة من الرجال، وكيد وحبائل امرأة، وعلى الرغم من ورود كيد الرجال والنساء، إلا أن ما خرجنا منه من تلك القصة، وما سرى في عرفنا الإنساني وتراثنا هو كيد النساء على أنه الأعنف والأخطر، فهل هذا صحيح؟
يوسف والذي يعني اسمه بالعبرية الحزين هو ذلك النبي الذي تبدأ قصته برؤيا، تلك الرؤية التي تجيز له بأنه سيكون ذا شأن عظيم فقد رأى (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) يوسف/4، فحذره أبوه من إخبار إخوته برؤياه (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا) يوسف/5. ذلك الكيد الذي يغير من حياة يوسف، وهو ليس الكيد الأول إذ لقى كيداً آخر وإن كان هذه المرة من امرأة وصفها مع نساء قومها عزيز مصر (قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) يوسف/28، وفي كلا الموقفين كانت المشاعر، هي التي قادت هذا الكيد.
عرف الكَيْدُ بحسب ما جاء في معجم المعاني الجامع على أنه إرادة مضرة الغير خفية، وهي تعني الخبث والمكر والكيد والاحتيال والاجتهاد في الإيقاع في الغير، الكيد صفة في الإنسان ولكن اختلف فيمن يكن صاحبه ومن يلجأ إليه أكثر الرجل أم المرأة، البعض يؤكد أن النساء بدهائهن أكثر مكراً وخديعة لأنهن أضعف من المواجهة، لذا تستخدم الحيلة لتنال ممن تريده، واتخذت الآية الكريمة دليلاً على ذلك مصداقاً للصفة العظمى على الكيد، بينما جماعة أخرى ترى العكس كيد الرجال أشد وطأ وفقاً أيضاً لسورة يوسف من منطلقين أولهما أن امرأة العزيز ونساءها كان كيدهن من باب العشق نظراً لجمال يوسف وأخلاقه، بينما كان انطلاقة أخوة يوسف من باب الحقد والحسد والغيرة، والمنطلق الثاني هو أن كيد الرجال مذكور على لسان النبي يعقوب بينما كيد النساء على لسان العزيز، وهنا فرق بين نبي حكيم ورجل عشقت زوجته غيره.
الكيد ليس رد فعل بقدر ما هو شعور يؤكده فعل الإيقاع بالآخر غيلة وغدراً، لذا عادة ما يسبقه التخطيط الذي يعقبه التنفيذ وجهوزية إلقاء الاتهام لإنقاذ النفس. فأخوة يوسف كانوا يرون (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) يوسف/8، لذا خططوا للتخلص من يوسف بعرض البدائل (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) يوسف/9، وكانت محصورة أما القتل أو الإبعاد، وجاء الاقتراح الأخير في اجتماعهم من أعقل إخوتهم (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) يوسف/10، ثم جاءت مرحلة التنفيذ باتباع التخطيط بإقناع الأب عبر حوار سرده لنا القران الكريم، ثم تنفيذ المخطط على الاتفاق المسبق (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) يوسف/15، ثم ألقواء التهمة على الذئب (وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) يوسف/18. لم تختلف امرأة العزيز في كيدها ليوسف عن إخوته، في تخطيطها (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) يوسف/ 24، ثم تنفيذها (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) يوسف/24، ثم إلقاء التهمة على يوسف (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) يوسف/25.
كلاهما كان كيداً، ولكن كلا على طريقته التي تحقق مبتغاه، وكلاهما كان في القميص حجته، ويوسف فريسته، فلا فرق بين كيد وآخر، وبين جنس مرتكبه، فالإيقاع سيد الموقف، وحب الذات هو الدافع.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 5313 - الجمعة 24 مارس 2017م الموافق 25 جمادى الآخرة 1438هـ
الكيد هنا هو كيد ابليس الذي سول للطرفين بالمكر
شكرا اختي العزيزة ، وصف جميل ومقارنه ممتازة بين كيد زليخا وكيد الإخوة
بحث جميل جدا . الذات الانسانية واحدة ذكر ام أنثى. عندما تضيق بالإنسان السبل تظهر الرغبات الاولى من عصور التخلف.