في محمية حيوانات في جنوب كينيا، أدت أشعة الشمس الحارقة إلى جفاف الأنهار وتحويل مجاري المياه إلى مساحات مغبرة... لكن مزارعا يحاول إضفاء لمسة أمل على هذا المشهد الكئيب من خلال مد يد العون لقطعان المواشي الظمأى.
ومنذ ستة أشهر، يأتي حوالى مئة حيوان من الفيلة والجواميس والحمير الوحشية للشرب في حفرة يملأها بالمياه هذا المزارع الذي يجتاز يوميا 70 كيلومترا بشاحنة زرقاء يستأجرها لنقل هذا المورد النفيس.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، شهدت المنطقة انحباسا للأمطار التي تهطل في العادة كل ستة أشهر، وذلك للمرة الثالثة على التوالي. وقد أثار مشهد الحيوانات الواهنة قرب الحفر الفارغة الأسى في قلب باتريك موالوا ما دفعه للبدء بجمع أموال لمد محمية تايتا هيلز بالمياه.
وكان هذا المزارع البالغ من العمر 41 عاما مسكونا بذكرى موجة الجفاف التي تسببت العام 2009 بنفوق 40 في المئة من الحيوانات في منتزه غرب تسافو الوطني المجاور، بحسب الصندوق الدولي لحماية الحيوانات (أيفاو).
ويقول لوكالة فرانس برس "كان الأمر محزنا للغاية. لقد شهدت على هذا الأمر بنفسي ما آلمني كثيرا وقلت لنفسي إن ذلك يجب ألا يتكرر يوما".
وعلى مر سنين حياته، شهد باتريك موالوا على تغير جذري في المناخ. وقد تسبب الجفاف بحالات نقص مزمنة في المياه وارتفاع في الحوادث بين البشر والحيوانات البرية.
وبالنسبة لأكثرية السكان الذين يحاولون الصمود، تمثل الحيوانات في المقام الأول تهديدا ومنافسا في الصراع على الأراضي والموارد. فقد قامت فيلة عطشى (يمكن للفيل أن يشرب حتى 190 لترا من المياه عندما يعطش)، بسلسلة هجمات قاتلة على القرى خلال الأشهر الأخيرة طلبا للمياه.
ويرى باتريك موالوا أن حماية الحيوانات البرية مسألة جوهرية قائلا "نحن صوت الحيوانات".
نزاع بين البشر والحيوانات
وبفضل دعم من معارف في الخارج تعاون معهم في الماضي، جمع موالوا أموالا لتغطية تكاليف استخدام شاحنة المياه البالغة حوالى 250 دولارا في اليوم.
وفي البداية، كان يسكب المياه مباشرة في حفر الماء غير أن كميات من السائل كانت تضيع بسبب تسربها إلى الأرض الترابية. لذا اختار الاستعانة بخزان على أرضية اسمنتية قرب نزل للسياح.
ويوضح اليكس نامونجي أحد مدراء النزل، أن هذا الموقع لم يكن قادرا على توفير كميات كافية من المياه للحيوانات بسبب شدة الجفاف، مشيرا إلى أن شاحنة باتريك موالوا تمثل فرصة للحيوانات التي "تركض فور رؤيته يقترب وهي باتت تعرف حتى مواعيده".
وتتوقف الشاحنة على جانب الخزان حيث تسكب 12 ألف لتر في خلال نصف ساعة.
تمويل تشاركي
وقد جمعت صديقة أميركية لباتريك موالوا مبلغ 190 ألف يورو على منصة "غو فاند مي" للتمويل التشاركي خلال الأسابيع الأخيرة خصصوا بعد انتشار قصة هذا المزارع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويقول باتريك "لا أزال غير مصدّق لما حصل"، مبديا عزمه شراء شاحنته الخاصة وحفر بئر في المنتزه.
حتى أن منظمة أخرى حذت حذوه وبدأت تنفيذ مبادرة مماثلة.
وعلى رغم تأييد المدافعين عن البيئة هذه المبادرة، يشير هؤلاء إلى أن الاحترار المناخي والأنشطة المناخية أثرت بدرجة كبيرة على الموارد المائية لدرجة أن هذه المبادرات قاصرة عن حل المشكلة التي يتعين بذل جهود أكبر لمعالجتها.
ويقول مدير مؤسسة "تسافو هيريتاج" جاكوب كيبونغوسو "إنها مبادرة جيدة لكن كم لترا من المياه يمكننا نقله بالشاحنة إلى تسافو؟ كم بئرا يمكنكم حفرها؟"
ويتوقع كيبونغوسو مزيدا من التدهور في العلاقة بين البشر والحيوانات.
والدليل على سوء الوضع، ازدياد اعداد الأفاعي السامة التي تبحث بشكل حثيث عن المياه للشرب وعن مكان بارد للاحتماء وتقترب على نحو متزايد من البشر بموازاة تدهور مسكنها الطبيعي بفعل الجفاف والتغير المناخي.
ويواظب باتريك على اجتياز 70 كيلومترا يوميا في الشاحنة على رغم مشكلاته الصحية التي تفرض عليه الخضوع لعملية غسل كلى بواقع مرتين أسبوعيا.
وثمة حاجة لتساقط الأمطار لأسابيع عدة لإنهاء الجفاف. ويبدي علماء الأرصاد الجوية تشاؤما حيال موسم الأمطار الذي ينطلق خلال شهر مارس/آذار.